ابتداء من يوم الخميس 21 من شهر أكتوبر الجاري، بات "جواز التلقيح" وثيقة رسمية معتمدة من قبل السلطات الصحية، تتيح للأشخاص حرية التنقل بين العمالات والأقاليم، عبر وسائل النقل الخاصة أو العمومية، والولوج إلى الإدارات العمومية والشبه عمومية والخاصة فيما يتعلق بالموظفين والمستخدمين والمرتفقين على حد سواء، وارتياد المؤسسات الفندقية والسياحية والمطاعم والمقاهي والمحلات التجارية وقاعات الرياضة والحمامات وكل الفضاءات المغلقة، فضلا عن اعتماد هذا الجواز كوثيقة للسفر إلى الخارج، وقد بررت الحكومة مقاربتها الاحترازية بالتطور الإيجابي الذي تعرفه الحملة الوطنية للتلقيح، والتراجع المسجل منذ أسابيع في منحى الإصابة بفيروس كورنا، فضلا عن التوصيات الصادرة في هذا الشأن من قبل اللجنة العلمية والتقنية، ودون النبش في حفريات ما أعلنت الحكومة الجديدة من تدابير احترازية يشكل "جواز التلقيح" خيطها الناظم، فما هو مؤكد أن العديد من الدول لجأت إلى اعتماد الجواز الصحي في إطار تنزيل خطط التخفيف، موازاة مع استمرارية حملات التلقيح، في أفق العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، وبالتالي فما قامت به السلطات المغربية ليس استثناء، بل قاعدة عامة، حضرت صورها ومشاهدها عبر العالم . قرار الحكومة – الذي يجد سنده القانوني في قانون حالة الطوارئ الصحية – قسم المغاربة إلى طائفتين : طائفة أولى رحبت بقرار اعتماد جواز التلقيح، كوثيقة رسمية، من شأنها أن توسع من دائرة الحرية على مستوى التنقل والسفر بين العمالات والأقاليم، دونما الحاجة إلى رخصة التنقل الاستثنائية الصادرة عن السلطات المحلية المختصة، كإجراء وقائي واحترازي في أفق العودة إلى الحياة الطبيعية، ومن باب الانخراط الإيجابي والمسؤول في الحرب التي تشنها الدولة على الفيروس التاجي، وطائفة ثانية، رأت في القرار الحكومي تقييدا لحريات المواطنين في التنقل والولوج إلى الإدارات والفضاءات العامة، ونوعا من الإلزام والإجبار "الناعم" فيما يتعلق بعملية تلقي اللقاح، ومبرر هذه الطائفة أن عملية التلقيح هي عملية اختيارية وغير ملزمة، ومن يتبنى هذا الرأي، مواطنون "مترددون" أو "مشككون" لم ينخرطوا قط في الحملة الوطنية للتلقيح، لاعتبارات تتقاطع فيها المواقف والمخاوف والهواجس والادعاءات. وبالتالي، فالمشهد الوبائي، يجعلنا أمام مواطنين انخرطوا في عملية التلقيح بكل جاهزية وأريحية، وتفاعلوا إيجابا مع مختلف القرارات الوقائية والاحترازية الصادرة عن السلطات العمومية، من باب الثقة في الدولة التي تتحمل مسؤولية الحرص على الصحة العامة، ودون الخوض في تفاصيل الممكن واللاممكن، أو الانغماس في متاهات الشك واليقين، في ظل إقبال دول العالم على خيار التلقيح للخروج من عنق زجاجة الأزمة الوبائية الخانقة، و"مواطنون" حملوا ويحملون على ظهورهم "شك ديكارت"، الذي يمنحهم هوامش رحبة للشك في الفيروس التاجي و اللقاحات المعتمدة وحملات التلقيح الجارية عبر العالم، باتوا اليوم بعد فرض إلزامية جواز التلقيح، أمام القبول بالأمر بالواقع والانخراط في حملة التلقيح التي باتت خيارا لامحيد عنه، لإدراك جواز تلقيحي، بات شرطا للتنقل والسفر وولوج مختلف الإدارات والفضاءات المغلقة. وبين القبول والتأييد والرفض والتنديد، قد يقول البعض أن الدولة هي الجهة المسؤولة دون غيرها، على الحفاظ على الصحة العامة في ظل جائحة عالمية تفرض المزيد من الحذر واليقظة والاحتراز، وبالتالي فلها من الصلاحيات القانونية والسياسية ما يجعلها تبادر إلى اتخاذ ما يلزم من التدابير والإجراءات الوقائية والاحترازية من أجل تدبير أمثل للأزمة الوبائية القائمة، وقد يقول البعض الآخر، أن الانخراط في عملية التلقيح هو فعل مواطن، من شأنه تدعيم جهود الدولة في أفق تحقيق المناعة الجماعية والعودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، وقد يقول البعض الثالث، أن المواطن من حقه أن يرفض الخضوع إلى التلقيح، والدولة من حقها موازاة مع ذلك، أن تفرض ما تراه مناسبا من الإجراءات والتدابير الاحترازية حرصا على الصحة العامة، وفي سبيل كسب رهان الحملة الوطنية للتلقيح، التي باتت ربما آخر منعرج في اتجاه العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، وقد يقول البعض الرابع أن المغرب هو جزء من المنظومة العالمية، ولا يمكنه أن يعيش خارجها، وليس أمامه من خيار، إلا المضي قدما في اتجاه إنجاح حملة التلقيح على غرار باقي دول العالم ، من أجل الخروج من عنق زجاجة الجائحة التي أربكت العالم. لكن بالمقابل، قد يقول البعض أن الجسد ملك لصاحبه، وبالتالي فهو من يقرر في موضوع الانخراط في التلقيح من عدمه، وقد يحمل البعض الآخر يافطة الوثيقة الدستورية التي كرست جملة من الحقوق والحريات، احتجاجا على اعتماد الجواز التلقيحي كشرط للتنقل والسفر والولوج إلى الخدمات الإدارية وارتياد مختلف الفضاءات المغلقة من محلات تجارية ومطاعم ومقاهي وحمامات وغيرها، وقد يرى البعض الثالث في فرض الحكومة لجواز التلقيح، ممارسة ناعمة لفرض إجبارية التلقيح، بينما الأصل أنه إجراء اختياري وشخصي لادخل للدولة فيه، وقد يقول البعض الرابع أن الحكومة لم تفرض التلقيح، لكنها بالمقابل، أشهرت سيف "جواز التلقيح" الذي بات يتحكم في حريات واختيارات بل وحقوق المواطنين المكرسة دستورا. المؤيدون والمنخرطون في حملة التلقيح، سيمنحهم "جواز المرور" المزيد من الحريات في زمن كورنا، أما المنددون والمعارضون، فأمامهم خياران لا ثالث لهما، إما البقاء خارج دائرة التلقيح والقبول بواقع التقييدات المفروضة على حرياتهم وحقوقهم الأساسية، والدخول في مشاكل شغلية هم في غنى عنها، أو بالترجل عن صهوة الشك والعناد، والانخراط في حملة تلقيحية تسمح بالظفر بجواز صحي يمنح هوامش من الحقوق والحريات في انتظار أن ترحل كورونا ومتحوراتها، وفي هذا الإطار، لانتصور شخصا عاقلا يغامر بوظيفته أو شغله أو مصالحه ويحرم نفسه من بعض حقوقه وحرياته، بسبب الامتناع عن "تطعيم" خضع له المغاربة بكل أريحية وجاهزية، على غرار الملايين من سكان العالم، وما هو باد للعيان، أن "الجواز المثير للجدل" ما هو إلا حلقة من حلقات كورونا التي زحزحت الكثير من القيم والعادات والطباع ، وعبثت بالكثير من الحقوق والحريات، بعدما باتت الدول تتدخل لفرض القيود على المواطنين بمبررات الوقاية والاحتراز والحفاظ على الصحة العامة. بين واجب الدولة في حماية الصحة العامة وحق المواطنين في حماية أجسادهم من التداعيات والمخاطر المحتملة للتلقيح، نرى أن الدولة أبلت البلاء الحسن طيلة أشواط مباراة كورونا التي لم تنته بعد، وجنبت البلاد والعباد خطر الانتكاسة الوبائية، في ظل ما فرضته من إجراءات وتدابير احترازية منذ تسجيل أول حالة إصابة بالعدوى، ومسؤوليتها في حماية الصحة العامة، يشفعان لها، لاتخاذ المزيد من التدابير والإجراءات مهما مست بشكل ناعم ببعض الحقوق والحريات، ما دامت الغاية التي يتطلع إليها الجميع، هي الخروج من الأزمة والعودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، أما المواطنين المترددين أو المشككين، فمن حقهم الرفض والامتناع، لكن ليس من حقهم عرقلة جهود الدولة في تخطي الأزمة الوبائية التي أرخت بكل تداعياتها على المجتمع والاقتصاد والمعيش اليومي للمغاربة، كما ليس من حقهم التسبب في تهديد السلامة الصحية لأشخاص آخرين خضعوا إلى التطعيم بحثا عن الحماية والأمان، أو التسبب في انتكاسة وبائية محتملة، قد تفرض العودة مجددا إلى سن تدابير أكثر صرامة على غرار ما أقدمت عليه بعض بلدان الجوار الأوربي. ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال، نعيب على الحكومة الجديدة، كون قرار اعتماد "جواز التلقيح" أتى سريعا بل ومتسرعا، مما أحدث حالة من القلق والارتباك في أوساط المواطنين "غير الملقحين" الذين سارعوا بكثافة إلى مراكز التلقيح من أجل تلقي الجرعة الأولى، تفاديا لما يمكن أن يصادفوه من مشاكل ومتاعب سواء في مقرات عملهم أو في الإدارات أو الفضاءات المغلقة أو على مستوى وسائل النقل العمومية والخاصة، مما أحدث حالة غير مسبوقة من الازدحام في عدد من مراكز التلقيح، لايمكن القبول بها في ظرفية وبائية تقتضي التقيد بقواعد الوقاية والاحتراز، وكان من الممكن، منح المواطنين مدة أسبوع على الأقل، قبل أن يدخل "الجواز التلقيحي" حيز التنفيذ، خاصة وأن المؤشرات الوبائية مريحة ولا تدعو إلى القلق، كما لا تدعو إلى الاستعجال، سيما وأن القرار يرتبط بجهات أخرى تتحمل مسؤولية التنزيل والأجرأة، من قبيل الإدارات والشركات والمحلات التجارية والمقاهي والمطاعم والحمامات، ومختلف الفضاءات المغلقة، كان من المفروض أن تمنح لها مهلة مقبولة، حتى يتسنى لها التفاعل الإيجابي مع القرارات الجديدة بما يكفي من الاستعداد والجاهزية والأريحية، بعيدا عن ممارسات القلق أو الرفض أو التوجس أو الارتباك، وفي جميع الحالات، أضحى "جواز التلقيح" واقعا لابد من القبول به بروح رياضية، من باب احترام القانون ومن منطلق الالتزام بما يصدر عن السلطات العمومية من قرارات "استثنائية" في ظرفية وبائية "استثنائية". وسواء تعلق الأمر بالتأييد أو بالتنديد، فالعزاء أن الأزمة سترحل يوما، وسنعود إلى الوضع السابق آمنين مطمئنين، وإذا كنا نقبل بما صدر عن السلطات العمومية من قرارات احترازية من مدخل المواطنة وبوابة المسؤولية الفردية والجماعية في الحفاظ على الصحة العامة، فندعو عبر هذا المقال، إلى تفعيل القانون بكل صرامة، بالنسبة لكل من لا يحمل جواز التلقيح بدون محاباة أو موالاة أو استثناء، ونحذر في هذا الصدد، من إعفاء البعض من الإدلاء بجواز التلقيح والاكتفاء فقط بالإدلاء بشهادة PCR سلبية، لما لذلك من تمييز بين المواطنين ومن تحايل "ناعم" على القانون الذي يفترض أن تطال سلطته الجميع بدون استثناء، وفي النهاية، فمن اختار "الامتناع" عليه أن يتحمل وزر القيود، ومن ارتأى الطعن في القرارات الاحترازية الجديدة، فأبواب القضاء مفتوحة على مصراعيها ومسالك التقاضي معبدة، ويمكن سلكها بدون لغط أو جدل أو ركوب على الموجة، ودون الخوض في أي نقاش قانوني "غير مجدي" بشأن المقاربة الاحترازية الجديدة، نرى أن الأهم يكمن في كيف نكسب رهان حملة التطعيم؟ وكيف نصل إلى محطة "المناعة الجماعية" في أفق الخروج من سرداب الجائحة بأقل الأضرار الممكنة ؟، وفي هذا الإطار، لامناص من التأكيد أن مسؤولية الحفاظ على الصحة العامة هي مسؤولية دولة كما هي مسؤولية مواطنين في نفس الآن، ولابد أن تحضر بيننا روح المواطنة حتى نتجاوز هذه المحنة الوبائية غير المسبوقة، و عموما ليس أمامنا من خيار أو بديل، سوى أن نتضرع إلى الله عز وجل، في أن يرفع عنا الوباء، وأن يديم علينا نعمة الصحة والعافية، لنعود إلى حياة افتقدناها ما يقرب من السنتين، ولولا كورونا، لما فهمنا قيمتها واستوعبنا أهميتها. ولايمكن أن نترك الفرصة تمر، دون مطالبة السلطات الصحية بتزويد المواطنين بالحق في المعلومة الصحية والوبائية، بخصوص اللقاحات المعتمدة، ومدى آثارها على الصحة آنيا ومستقبليا، ومدى تداعياتها على صحة الأطفال ما بين 12 و17 سنة والذين لاحول لهم ولا قوة، بما في ذلك، تقديم توضيحات علمية بخصوص مدى فعالية أو خطورة لقاح "فايزر" بعد تسجيل حالة وفاة طالبة بالرباط، قيل أنها تلقت جرعة من اللقاح المذكور، وعلاقة اللقاح بالتهاب القلب، مع تحديد مسؤوليات الدولة في حالة تعرض الملقح/الملقحة إلى مضاعفات صحية أو تشوهات أو وفا ة ناتجة عن فعل التلقيح، من منطلق أن الشح في المعلومة أو التكتم عليها، يقوي جبهة التردد والتوجس والخوف والقلق والتشكيك، وهذا يفرض الرهان على التواصل الناجع والفعال، الذي بات اليوم "ضرورة ملحة" في ظل جائحة وبائية عالمية، ظل "الشك" متربصا بها منذ أن حلت ضيفا ثقيلا على المغرب والعالم.