أكد إدريس لكريني مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات، كلية الحقوق مراكش، أن التقييم الموضوعي لواقع التنمية بالمغرب، يقتضي الإقرار بأن هناك العديد من المكتسبات التي تحققت خلال العقود الأخيرة، سواء فيما يتعلق بإحداث وتطوير البنيات التحتية أو إطلاق مشاريع اقتصادية كبرى..، غير أنه في مقابل ذلك، ما زالت الكثير من المشاكل المطروحة التي تساءل واقع السياسات العمومية وطنيا ومحليا. وأضاف لكريني خلال مداخلة ألقاها في ندوة وطنية حول "التنمية وحقوق الإنسان"، التي نظمتها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة مراكش–آسفي بشراكة مع اللجنة الدائمة المكلفة بالنهوض بثقافة حقوق الإنسان والتعزيز الديموقراطي بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة سوس-ماسة، أن اللجنة التي عينها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، لإعداد نموذج تنموي جديد، أخدت وقتا كافيا للوقوف على الحالة التنموية الراهنة من جهة، ولبلورة مداخل كفيلة بإرساء نموذج في مستوى الاختلالات المطروحة والتطلعات. وأوضح لكريني أن تزامن عمل اللجنة مع انتشار جائحة كورونا يشكل عاملا مساعدا للوقوف على مجموعة من الإشكالات، والتي كانت أكثر ثقلا في مناطق بعينها، والتركيز على عدد من الأولويات الداعمة لعدالة مجالية تستحضر معاناة بعض المناطق وبخاصة القروية منها، وتمكينها من فرص التنمية، بغض النظر عن موقعها الجغرافي وإمكاناتها الاقتصادية المتاحة. وأشار لكريني إلى أن النموذج التنموي المقترح أخيرا، طرح تصورا يدعم حضور المجالات الترابية / الجهات باعتبارها شريكا للدولة في البناء المشترك للسياسات العمومية وإرسائها بنجاح، والفضاء الكفيل بخلق الثروة. وتوقف مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات، عند نظام الجهوية الذي اختاره المغرب كمدخل استراتيجي لتدعيم الديمقراطية المحلية، وتعزيز جهود التنمية الإنسانية، وإرساء نمط تدبير يقوم على القرب عبر إشراك الساكنة في تسيير شؤونها المختلفة، فيما تم بذل الكثير من الجهود على طريق الحد من التناقضات التي تطبع المجال الترابي، باعتماد تدابير وسن تشريعات تدعم تطوير الخيار الجهوي. وحسب لكريني، فإن كل ذلك لم يمنع من بروز مجموعة من الإشكالات والتناقضات، التي طبعت هذه التجربة، خاصة على مستوى تكريس التباين في فرص التنمية بين مختلف الجهات رغم الإمكانيات المتوافرة في أبعادها القانونية والبشرية والطبيعية. وأضاف لكريني أنه لا يمكن فصل كسب رهان العدالة الاجتماعية عن تحقيق العدالة المجالية، فهذه الأخيرة تمثل مدخلا أساسيا لتعزيز الممارسة الديمقراطية، وتحقيق تنمية مستدامة تقوم على استحضار الإنسان باعتباره وسيلة وهدفا، وتسمح أيضا بتوزيع عادل ومتوازن للثروات البشرية والطبيعية المتاحة، وكذا الخدمات والاستثمارات بين مختلف المناطق. وأشار إلى أن العديد من المؤشرات التي تعكس العلاقات القائمة بين التنمية وحقوق الإنسان، يمكن إجمالها في الحد من الفوارق الاجتماعية والفقر، وتمكين الشباب والمرأة وبناء قدراتهما، وتطوير البنيات التحتية، وإصلاح التعليم وتطوير منظومته، والحد من الجريمة، وتوفير الشغل، وضمان الولوج إلى المعلومات والحق في التكنولوجيا الحديثة، واستحضار ذوي الاحتياجات الخاصة في السياسات العمومية والتشريعات. وخلص إلى القول بأن المقاربة الحقوقية للتنمية تستمد أساسها من مجموعة من المواثيق والاتفاقيات الدولية، فهناك إشارات واضحة ترصد العلاقة بين التنمية وحقوق الإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل والاتفاقية الدولية لمنع جميع أشكال التّمييز ضد المرأة.