أكد المشاركون، الجمعة بمراكش، خلال ندوة مغاربية حول موضوع "التشغيل والسلم الاجتماعي في البلدان المغاربية"، أن قضية التشغيل تظل ضمن إحدى أهم الانشغالات الكبرى للسلطات العمومية داخل البلدان المغاربية مجتمعة. وأجمع المتدخلين خلال الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة المنظمة على مدى يومين بمبادرة من مختبر الدراسات القانونية المدنية والعقارية، ومنظمة العمل المغاربي، أن توفير فرص الشغل يعتبر مدخلا أساسيا لتعزيز السلم الاجتماعي داخل البلدان المغاربية، كما هو الشأن لباقي بلدان العالم وهو رهان لايعني الدولة فقط بقدر ما يساءل أيضا الجماعات الترابية والقطاع الخاص. وأوضح المشاركون أن ذلك يفترض لكسبه استحضار مجموعة من المقومات والمداخل الإستراتيجية من قبيل إرساء تعليم متطور ومنفتح على سوق الشغل، وإحداث مناصب شغل منتجة وذات جودة، وتأهيل الرأسمال البشري وتحسين البرامج النشيطة للتشغيل وتطوير حكامة سوق الشغل، إضافة إلى القيام بإصلاحات تشريعية ومالية مختلفة تدعم تطوير المقاولات مع تعزيز فرص الاستثمار علاوة على بلورة حوار اجتماعي بناء لتطوير العلاقات المهنية وتحسينها وإقرار السلم الاجتماعي بمختلف الوحدات الإنتاجية، وتشجيع وإبرام اتفاقيات الشغل الجماعية وفق منهجية تشاركية. وشدد المشاركون أنه رغم التباين الحاصل بين الدول المغاربية على مستوى نسب البطالة أو توافر فرص الشغل، فإن السمة الغالبة على السياسات العامة في هذه البلدان هي التنمية، لاسيما أن القطاع العام ما زال يستأثر بنسب عالية في هذا السياق، رغم التطورات التي لحقت بمقاولات القطاع الخاص داخل الدول المغاربية. ويؤكد الكثير من الباحثين أن معادلة التشغيل تبقى أمرا عسيرا بحكم أن متغيرات متعددة تتدخل في حلها، منها تحقيق نمو اقتصادي مستدام يرتبط بدوره بمجموعة من المقومات، أهمها تحقيق مستوى مهم من الاستشارات وتحفيزات جبائية لفائدة المقاولات بالإضافة إلى تأهيل الرأسمال البشري لفرض تنافسيته في سوق الشغل ضمن عالم يشهد تحولات عميقة في المهن الرائدة. وفي كلمة ألقاها بالمناسبة، أوضح إدريس لكريني رئيس منظمة العمل المغاربي ومدير مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات بجامعة القاضي عياض، أن فتح النقاش العلمي حول موضوع التشغيل وبمشاركة واسعة لعدد من الباحثين من مختلف التخصصات والفاعلين في عدة مجالات، ينحو إلى تسليط الضوء على واقع التشغيل في البلدان المغاربية، والإشكالات التي تطرحها البطالة في أوساط الشباب خاصة حاملي الشهادات على السلم الاجتماعي، وإلى بلورة تصورات وخلاصات كفيلة بالتعاطي البناء والسليم مع هذا الملف الذي طالما أفرز تداعيات سياسية واجتماعية، وبإرساء سبل تسمح لدول المنطقة باستثمار مكوناتها البشرية في تحقيق التنمية والحد من الهدر المطروح في هذا الإطار، والذي تترجمه هجرة العقول أو الارتماء في أحضان التطرف. وأشار لكريني إلى أن موضوع التشغيل كان حاضرا وبقوة ضمن الشعارات التي رفعت خلال سنوات الحراك التي شهدتها دول المنطقة (تونس والمغرب وليبيا)، وضمن مطالب الموجة الثانية من الحراك الذي شهدته الجزائر، مؤكدا أن كثيرا ما خلفت البطالة المتفشية في أوساط الشباب، أحداثا اجتماعية تجسدت في إضرابات واحتجاجات مختلفة. ويأتي تنظيم هذه الندوة المنظمة بشراكة مع مؤسسة هانس زايدل والمركز الدولي للدراسات والتوعية القانونية وماستر القانون الاجتماعي ومنازعات الشغل، رغبة في بلورة خلاصات تغني النقاش بشأن هذا الموضوع الحيوي في البلدان المغاربية، وبعد سلسلة مجموعة من اللقاءات التي راكمتها منظمة العمل المغاربي منذ تأسيسها بمراكش عام 2011، والتي تهدف إلى تعزيز التواصل بين النخب المغاربية المؤمنة بخيار الاندماج والتكتل، ودعوة صناع القرار في البلدان المغاربية إلى التعاون والتنسيق في مختلف المجالات وتفعيل القرارات والاتفاقيات المبرمة في إطار الاتحاد. وتتمحور أشغال هذه الندوة حول مجموعة من المواضيع البالغة الأهمية، تهم على الخصوص "التشغيل والسياسات العمومية في البلدان المغاربية"، و" التشغيل والسلم الاجتماعي في السياق المغاربي"، و" منظومة التعليم والتكوين المهني ورهانات التشغيل"، و"معادلة التشغيل البطالة وهجرة الكفاءات"، و"التشريعات المغاربية ورهان التشغيل والنمو الاقتصادي"، و"دور الجهوية المتقدمة في انعاش التشغيل وإرساء السلم الاجتماعي".