خلص النموذج التنموي الحالي الى ان العديد من الاصلاحات المعلن في السياسات الحكومية و النماذج التنموية السالفة مثل التحول الاقتصادي والتربية والتكوين والصحة والحماية الاجتماعية عانت بطئا في التنفيذ وتعترا في التنسيق والتجانس بين مجالاتها – مثلا – بين المجال الاقتصادي والمجالات الاخرى التربوية والاجتماعية والثقافية، بل كثيرا ما سارت في اتجاهات متناقضة و متعاكسة تدفع احيانا الى اعتبار هذه المشاريع التنموية في حد ذاتها غاية منفصلة عن بقية غايات المشاريع الاخرى مما يثير الشكوك والتساؤلات لذى المواطنين وكل شرائح المجتمع ويساهم في اضعاف منسوب الثقة لديهم . وما يزيد من حدة هذه التناقضات ان الظروف الاقتصادية والاجتماعية في بلدنا ما تزال تقف حجر عثرة امام تحقيق رهانات تنمية مستدامة قادرة على الاستجابة لمختلف الحاجات المطروحة، الامر الذي يدعوا كل الفاعلين السياسيين والحكومة والبرلمان وكل هيئات المجتمع المدني ونخبها الى اعادة النظر في العديد من المعتقدات والنظريات الاقتصادية، وكذا طرق العمل الخاصة بأدبيات التخلف، ولقد اولى تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الاهمية لقضايا التخلف والتنمية ، واظهر ان اعداد الاستراتيجيات فيما سبق كانت تتم بصفة معزولة دون مقاربات إدماجية ومندمجة. لذا فان ( سير الاقتصاد الوطني تطبعه اختلالات وعراقيل ) وهي (اختلالات ليست في صالح التنويع وارتقاء النسيج الانتاجي الكفيلين بإحداث مناصب الشغل ) وتطرح هذه الوضعية تساؤلات حول واقع التخلف او التعثر في مسار التنمية المستدامة من قبيل : * -ان مجتمعنا ما يزال يتخبط من العقبات والعوائق الاقتصادية والاجتماعية بالرغم مما توفر له من سبل التنمية والتحديث كالثروات الطبيعية، وبنيات تحتية هائلة، وتنوع وتوسع في التعليم، بالإضافة الى سنوات من التعامل الكثيف مع مصادر الصناعة الحديثة في الغرب، مما فرض على بلدنا التبعية التكنولوجية الشاملة وشل الى حد كبير قدرة مجتمعنا على الابداع الصناعي والتكنولوجي والتحرك بحرية داخليا وخارجيا، وان الاوان ان نتحرر من قيود هذه التبعية الرقمية والتكنولوجيا المستوردة، لان التنمية ليست هي المترو او ناطحات السحاب او القطارات او المطارات، كما ان التنمية ليست من صنع المهندسين او التقنيين وحدهم، وانما هي مشروع حضاري حداثي متقدم قادر على تعزيز سيطرة الانسان كفرد ومجتمع على مختلف تقنيات الانتاج وربطها بحاجات التطور الفعلية لتزيد من امكانية التوزيع العادل للرفاهية على مختلف طبقات المجتمع .. هذا التصور وهذه الرؤية الحضارية الشمولية هي التي تستطيع ان تحررنا من التبعية التكنولوجية ومن المظاهر المدينية المزيفة، ووسائلها الالية والاستهلاكية…
* -ان العقبات والعوائق ما تزال تتناسل وتتكاثر وهي معرقلة للتنمية المستدامة التي ينشدها المواطن وهذا ما ساعد في تقوية الاتجاهات الشعبوية الرافضة لقيم الحداثة والتقدم، وهذه الاتجاهات وان كانت تشمل في بعض الظروف ردة فعل عفوية امام فشل السياسات التنموية في وطننا، فإنها في نفس الوقت يصعب عليها ان تقدم الحلول والوسائل الراشدة و الكفيلة بتحليل الواقع المجتمعي من اجل تغييره او اصلاحه في اتجاه التقدم الناجح والتنمية الحضارية الفعالة، ولذا فإننا نرى استمرار الحديث عن الاختلالات التي تطبع النماذج التنموية السابقة التي تحكمت فيها اعتبارات ظرفية ( الجفاف…) او التزامات ( ادعانات خارجية ) مع المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية .. لذا جاء هذا المشروع التنموي الحالي ليحمل طموحا مغربيا مفتوحا على افق مستقبلي– مغرب جديد في افق 2035. انه كما يسوق هو مشروع طموح يحظى فيه (العنصر البشري بمكانة مركزية، مع تعبئة كافة الطاقات بغية ارساء مشروع جماعي في خدمة تنمية البلاد ..). فكيف سعى هذا النموذج التنموي في وضع اهدف قادرة على تحقيق هذا الطموح ؟ وكيف يمكن تعبئة كل الطاقات لإرسائه، ونحن في امس الحاجة اولا الى مسح علمي شامل لأوضاعنا وازمتنا، وفي امس الحاجة اكثر الى دفع الباحثين والاكاديميين والدارسين والخبراء والمثقفين والفاعلين والمهندسين والتقنيين المغاربة بان يعيدوا النظر في اساليب البحث والعمل، وفي النظريات والمفاهيم المرتبطة بالتنمية والتحديث حتى لا نسقط في التشويه والتحريف والتقليد الشكلي الزائف او الفشل مرة اخرى… * على الباحثين والدارسين في مجالات التنمية ان يقوموا بتقييم مسبق للمنهجيات التي سعوا الى تطبيقها في محيطهم حتى يتمكنوا من استعمالها استعمالا فعالا ومجديا في محيطهم، وعلى الحكومة واداراتها ومؤسساتها ان تبدع وتخطط ، لا ان تتحكم وتضبط ، ان تفي بالتزاماتها لا ان تعد او تتوعد بالتسويف، ان تحاور الجميع لا ان تقرر بدون الجميع، ان تطور مشاريعها لا ان تدبر ازماتها بعقلية وسلطة المركز، ان تأخذ بعين الاعتبار حاجيات المستقبل لا الانشغال بالإكراهات وتقديم الأعذار، فلقد اصبح عمل الحكومة ينحصر في تسيير شؤون الحياة اليومية في الوقت الذي تطرح فيه رهانات وتحديات كبرى على الامد المتوسط والبعيد، لذا اصبحت مسالة وضع نموذج تنموي جديد من الادوار الجديدة للدولة وانفتاحها الاقتصادي. * على كل الباحثين والدارسين والمهتمين بالشأن المجتمعي عدم الانجرار وراء الشكل الخارجي للتنمية والحداثة، وانما عليهم الاهتمام بالأوجه الجوهرية القانونية والتنظيمية والنظرية للأنظمة الاقتصادية والاجتماعية، وكذا الاهتمام بمستويات المعيشة وانماط الاستهلاك وتوزيع الدخل وعلاقات الانتاج والعلاقات السلطوية بين افراد المجتمع في حياتهم العائلية والمهنية …بهذا الاهتمام سنعطي الاهمية الكافية الى جوهر التنمية اي الى اواليات التغيير في العلاقات الاجتماعية المدنية. * على الباحثين والدارسين والمهتمين بالشأن المجتمعي التخلي عن الشعارات السياسية والمذهبية الجوفاء التي طالما اصبحت بديلا عن البحث المضنى والمنتج، واننا قليلا ما نقف عند الدراسات الميدانية الاقتصادية والاجتماعية التي تسبر غور الفئات الاجتماعية وتبرز تطلعاتها ونفسيتها حسب موقعها من الانتاج، لان الباحث غالبا ما يعمل على اساس مجتمع تجريدي يقسمه الى فئات وطبقات حسب مناهج سوسيولوجيا الدول الصناعية دون القيام باي جهد فعلي لإجراء تكييف لتصنيفاته على اساس معرفة دقيقة للواقع المحلي. وفي وثيقة المشروع الحالي اعتمدت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي (على اللقاءات التشاورية الحضورية والافتراضية وتفاعلت مع اكثر من 9700 شخص بصفة مباشرة مع اللجنة كما توصلت ب 6600 مساهمة مكتوبة ..) اضافة الى ضمها لأعضاء يتوفرون على مسارات اكاديمية ومهنية متعددة، وهذا يبين حاجتنا الى احداث تطور نوعي شامل في العلاقة بين الدولة والمجتمع .. * ان اخفاق النخبة والاحزاب حتى الان في تناول واقعنا ومجتمعنا يعكس في نهاية المطاف الاخفاق في تغيير المجتمع واخراجه من حلقة التخلف، وانه ليس المطلوب منا ان نبتعد عن العمل السياسي بل المطلوب منا ان نبتعد عن العمل السياسي كبديل للأبحاث الميدانية الرصينة، والابتعاد عن القيام بالأبحاث الميدانية السريعة والسطحية كوسيلة من وسائل العمل السياسي الانتخابي المباشر. وما نراه اليوم من امثلة عن ذلك هو : عدم الوصول الى الاكتفاء الذاتي الغذائي رغم المشاريع الزراعية الضخمة – ضعف الانتاجية رغم الإمكانات الهائلة على مستوى الموارد الاولية وغير الاولية – الاتكال التام على التكنولوجيا الاجنبية وتهميش الكفاءات العلمية الوطنية واختراعاتها – سرعة تزايد عدد سكان المدن دون ان نوفر لهم وسائل تامين العيش الكريم –ازدياد هجرة الادمغة الى الخارج … كل هذا او غيره يحتم على كل القوى الفاعلة الطامحة للتقدم العلمي والتقني الدخول في عصر البحث والبحث الميداني، فالمسح العلمي الشامل للبلد ارضا ومجتمعا وانسانا يجب ان يبقى هو الهدف الأعظم الذي يتحدى صميم نموذجنا التنموي المعاصر، لأنه يؤلف الاساس العلمي لكل استراتيجية موضوعية تتطلع الى بناء المستقبل من امكانيات الحاضر. واستحضارا لما سبق وارتباطا بما انجزته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الحالي في بناء المشروع التنموي الجديد، فإنها اشارت في تقريرها الى ضمها في صفوفها لأعضاء يتوفرون على مسارات أكاديمية ومهنية متعددة، وهم على دراية واسعة بالمجتمع المغربي وبالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية مع اعتمادها على منهجية تقوم على الانصات والمشاورات الوطنية الموسعة. فما هي معضلات التنمية في بلدنا كما رصدتها اللجنة؟ وكيف بلورت الطموحات المستقبلية في هذا المشروع التنموي الجديد ؟ اشار التقرير العام للنموذج التنموي الجديد الى ان التقييم الموضوعي لواقع التنمية بالمغرب يقتضي الاقرار بان هناك العديد من المكتسبات التي تحققت خلال العقود الاخيرة سواء فيما يتعلق بإحداث وتطوير البنيات التحتية، او اطلاق مشاريع اقتصادية كبرى فلاحية وصناعية وطاقية، الا انه في المقابل مازالت هناك الكثير من المشاكل المطروحة التي تسائل واقع السياسات العمومية.. مع وجود العديد من الاختلالات التنموية سواء على مستوى وجود فوارق واكراهات اجتماعية يعكسها انتشار الفقر والتهميش، او وجود اشكالات واختلالات تخترق منظومة التربية والتكوين، او تراجع مكانة الطبقة الوسطى داخل المجتمع.. وكذا وجود اختلالات مجالية يجسدها واقع التنمية غير المتوازنة بمختلف الجهات والمناطق، ولقد رصدت هذه اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الحالي اربعة عوائق كبرى هي : * العائق الاول ويتجلى في ( غياب رؤية تنموية شاملة ومندمجة تشكل محددا لضمان التقائية وانسجام الاختيارات، وتيسير التملك الجماعي لرهانات التنمية من قبل مختلف الاطراف المعنية ) وانه غالبا ما يتم اعداد استراتيجيات بصفة معزولة دون مقاربة إدماجية ومندمجة. * -العائق الثاني ويتمثل في ( تعثر التحول الاقتصادي بسبب ضبط غير كاف للحقل الاقتصادي) وهو دليل على غياب الانسجام بين الرؤية التنموية والسياسات العمومية المعلنة، وبطء التحول الهيكلي للاقتصاد جراء التكلفة المرتفعة لعوامل الانتاج التي تعيق تنافسية المقاولات. وفضح التقرير الاختلالات والعراقيل التي تقف في وجه المنافسة الحرة وتحمي حالات الريع او مراكز النفوذ. * العائق الثالث يشير الى محدودية قدرات القطاع العام في صياغة وبلورة خدمات عمومية سهلة الولوج وذات جودة، ومتاحة للجميع بالإضافة الى ( سيادة ثقافة الامتثال داخل الادارة بدل ثقافة الريادة وحسن الاداء … مما يولد الاحباط..) * العائق الرابع يتجلى في الشعور بضعف الحماية القضائية وعدم القدرة على التوقع وبالتالي الحد من المبادرات بين بعض القوانين والواقع الاجتماعي حيث ( القضاء يعاني من انعدام الثقة اضافة الى ثقل البيروقراطية وتعثر سبل الانصاف) هذه الجرأة في قول الحقيقة والصدح بها كانت لحظة فارقة للنقد والمصارحة على مختلف المشاكل التي ماتزال تقف حجر عثرة امام تحقيق رهانات تنمية مستدامة قادرة على الاستجابة لمختلف الحاجات المطروحة .. ان اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي تجرات هذه المرة فكشفت وفضحت وانتقدت الاخطاء التي اعترت المشاريع والقطاعات الاجتماعية والاقتصادية، وهذه ثقافة جديدة في منهجية العمل تبدا من الاعتراف تم الانطلاق من الخطأ كقاعدة للإصلاح والتغيير، وكما يقول الفيلسوف باشلار (ان الخطأ خصب) ولذا فانه ينبغي ان نعترف بأخطائنا وسوف لا يمكن ان نتقدم ونتطور اذا لم يكن هناك فحص للأخطاء التي ارتكبت في هذا القطاع الاجتماعي او ذاك القطاع الاقتصادي. ان تراكم الاخطاء وباستمرار ودون الاعتراف بها واصلاحها هي التي تساهم في تعقيد الازمة وتشعبها، وليس للازمة دائما دور سلبي مقلق ولكن يكون لها في اغلب الاحيان انعكاس ايجابي حيث تساهم في بلورة الوعي بالمشاكل القائمة وتخلق ديناميكية جديدة للحوار والنقاش والبحث الجماعي عن الحلول الملائمة، كما ان بعض هذه الازمات تحمل في طياتها خير حيث تساهم في خلق جو من التعبئة والاجماع الوطني في الخروج من وضعية الى اخرى مما يكون له الاثر العميق على صورة الدولة وفعاليتها – علي السدجاري. بعد ان ابرز التقرير فشل الحكومات في وضع اهداف جدية واستراتيجيات متماسكة لتطبيقها وضع امامنا مشروعا طموحا في افق 2035 يهدف فيه الى تحفيز كل الكفاءات والطاقات وتعبئة كل الامكانيات عبر مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية. وحين يستعرض هذه الاهداف التنموية الشاملة انما يستوحي بذلك تصورا ممكنا لمشروع نهضة جديدة تتحقق في بنيتها فاعلية التكامل المتوازن بين مصادر قواها المادية والرمزية. فما هي هذه الطموحات والاختيارات التي يراها التقرير انها ستوجه المغرب نحو المستقبل ؟ طموح في افق 2035 لأجل تحقيق الطموحات والاهداف التي ينشدها النموذج التنموي الجديد ركزت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي على اربعة محاور استراتيجية رئيسية للتحول: اولها تطوير الاقتصاد حتى يصبح اقتصادا متعدد الانشطة بتعدد التنافسية وقائم على نسيج مكثف من المقاولات القادرة على الابتكار والمرونة. وثانيهما تعزيز الرأسمال البشري عبر اصلاحات اساسية وضرورية وعاجلة لكل من انظمة الصحة والتربية والتعليم والتكوين المهني. وثالثهما ادماج كافة المواطنين وكل المجالات الترابية في المجهود التنموي الجماعي من خلال المشاركة والولوج المتكافئ الى الفرص الاقتصادية من خلال الحماية الاجتماعية والانفتاح على الغير ومحاربة الاقصاء الاجتماعي ويتعلق المحور الرابع بالمجالات الترابية من خلال الانتقال بها من مجرد وعاء نهائي لتفعيل السياسات العمومية المقررة على المستوى المركزي الى فاعل رئيسي في اعداد السياسات العمومية وارسائها وانجازها. ان طموح المغاربة كما حدده المشروع التنموي في افق 2035يتمثل في التشبث بالاختيار الديموقراطي، ودولة الحق والقانون، وتثمين الرأسمال البشري وقدرا ت المواطنين والمواطنات كرافعة اولى لضمان تكافؤ الفرص والادماج الايجابي وتفعيل المواطنة وتحقيق الرفاه و التشبث بالتنوع وبالمساواة بين الرجل والمرأة… قراءة على هامش التقرير الدور الجديد للدولة * ان المشروع الحالي يحتاج في تنزيله وتطبيقيه لتدبير عقلاني منهجي في ترتيب الاهداف، كما يحتاج الى اعادة تحديد المسؤوليات واعادة توزيعها حيث يجب استبدال التسيير عبر المساطر بالتسيير عبر الاهداف، وهذا ما سيحقق اصلاحا عميقا يترجم المرور من ادارة المساطر الى ادارة المسؤولية وبعبارة اخرى اقامة قطيعة مع النموذج الاداري التقليدي ذي الطابع البيروقراطي، كما يستلزم نجاح هذا المشروع التنموي اقامة انظمة صارمة للتسيير المالي. وبذلك يمكننا تشجيع المواطنين في التفكير في التغييرات القادمة التي يحملها المشروع التنموي الجديد. نحو تربية متجددة * النموذج التنموي الجديد يطمح الى احداث نهضة حقيقية للمنظومة التربوية وذلك من خلال جعل (المدرسة المغربية… تمكن كل متعلم من اكتساب المهارات الاساسية لضمان اندماجه الاجتماعي ودعم نجاحه الاكاديمي والمهني) ويراهن هذا النموذج التنموي الجديد على الاستثمار في الراس المال البشري نظرا للعلاقة القائمة بين منجزات التنمية ومدى انتشار المؤسسات التربوية. وبما ان التنمية من اجل الانسان ويقوم به الانسان "لأنه هو هدف التنمية وهو وسيلتها". والتربية هي وسيلة تنمية القوى البشرية التي تصنع التنمية وتحدد معالمها بل ان اهم معلم من معالم التنمية هو تنمية القوى البشرية. فبفضل التعليم يتم تخفيض اعداد الفقراء، وبفضل التعليم تتحقق المساواة في توزيع الدخل لأنه مصدر النمو الاقتصادي. اذا كان التعليم في بلدنا عرف تحسينات كمية ونوعية الا انه لا يزال الانجاز التعليمي في بلدنا ادنى منه في البلدان الاخرى التي لديها مستويات تنمية اقتصادية مماثلة، اذ لم يتم حتى الان التغلب على تركة المستويات المنخفضة لتطور التعليم(نحصل على درجات ادنى من الدرجات التي تحصل عليها البلدان الاعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD)- ( نحصل على درجات ادنى على مؤشر اقتصاد المعرفة)- تعليمنا المهني محدود او مسدود الافاق – استمرار معدلات التسرب من المدارس – … ان التربية القادرة على صياغة المستقبل هي التربية التي تغرس المفاهيم الصحيحة، وتحقق الانصاف وتكافؤ الفرص من خلال : * دعم وتحقيق ديموقراطية التعليم بالتوسع في جميع المراحل والمستويات والمناطق والجهات. * دعم و تعزيز الروابط بين تنمية التعليم و التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع التركيز على العلاقات بين التعليم وعالم العمل. * دعم و تطوير مضمون التعليم في علاقته بالهوية الثقافية والوطنية والتربية على حقوق الانسان. * محو وازالة الفجوة بين السياسات والاهداف المعلنة والممارسات التطبيقية. * تصحيح ارتباط السياسات التربوية بمخططات التنمية بشكل مستمر بسبب ضبابية توجهات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية. * مواكبة كل التغيرات العلمية والتكنولوجية والاجتماعية والثقافية و التربوية. مفهوم الفقر * اعادة النظر في مفهوم الفقر وعدم المساواة، اذ يمكن تحديد معنى الفقر في ضوء الحرمان من القدرات الاساسية، وليس مجرد انخفاض الدخل، ذلك ان الحرمان من القدرات الاساسية الاولية يمكنها ان تنعكس في حالات عدة مثل الوفاة المبكرة (خصوصا في صفوف النساء والاطفال) – نقص او سوء التغذية – الامراض المزمنة الناجمة عن سوء التغذية والعيش في بيئة غير سليمة وصحية – شيوع الامية – غياب فرص الشغل – وغير ها من مظاهر الفشل ( معدلات وفيات النساء في سن مبكرة او اثناء الوضع لغياب الحماية الاجتماعية)، لذا لا يجب تحديد مفهوم الفقر في ضوء الدخول الضعيفة او المنخفضة والتي يمكن ان لا تكشف احيانا الا عن القليل بشان ظاهرة الفقر وعدم المساواة بين الرجال والنساء. ان تحليل ظاهرة الفقر تأسيسا على منظور الحرمان من القدرات الاساسية من شانه ان يعزز فهمنا واستيعابنا لطبيعة واسباب الفقر والحرمان اكثر من النظر الى الفقر في ضوء معيار تقدير الفقر على اساس الدخل ؟؟ ان توفير تعليم اساسي افضل ورعاية صحية افضل من شانهما ان يؤديا الى تحسين نوعية الحياة مباشرة، بل انهما يزيدان من قدرة الشخص على الحصول على الدخل الملائم والتحرر من فقر الدخل والتغلب على ما يعانيه من عوز. التفكير محليا * لأجل استعادة التنمية المستدامة يجب التذكير بان النظرية السليمة هي التي يجري تناولها كحساب واقعي للفوائد والخسائر، وليس كمزيج من المبادئ الشعارية، فاذا كانت بعض المشاكل التي نواجهها تتطلب حلولا عالمية وخططا دولية للعمل ( التلوث البيئي – المناخ – التصحر ..) وعبر مبادئ (شمولية)، فان تامين الاستدامة هو نشاط سياسي عالي المستوى تحكمه مصالح وموارد تختلف بشكل كبير من مكان الى اخر، ومن دولة الى اخرى، ومن قارة الى اخرى، الا ان الطريقة الوحيدة لصياغة اهداف تنموية جدية هي التي تنطلق من الاسفل الى الاعلى، من القاعدة الى القمة، من المواطن الى المسؤول، من المنتخب الى الناخب، بالتركيز على انظمة وطنية محلية مسؤولة بدل التركيز على عمليات عالمية غير مترابطة. هذه المقاربة ورغم كونها براغماتية فإنها اقل ارضاء ايديولوجيا، واكثر تطلبا ومردودية، وبالتالي يتجاهلها انصار العولمة؟؟؟ انه لا يمكننا ان نلتزم بتنفيذ سياسات تبتعد عن مصالحنا المباشرة خدمة " للخير الانساني "، ولا يمكننا ان ننتج نموذجا تنمويا تحت ضغط المؤسسات المالية الدولية، لان ذلك سيسيئ للإنسان والمواطن " المحلي " ويشوه تطلعاته المستقبلية ويرهن كل مجهودات التنمية للتقسيم الدولي للعمل كما تخطط له المؤسسات المالية الدولية . فليكن هذا المشروع التنموي الجديد بداية التفكير المحلي في صياغة المشاريع التنموية الوطنية. ذ. محمد بادرة/ الدشيرة الجهادية