-1- الأزمة التربوية وتأثيرها المباشر على التنمية بالرغم من المخططات الإصلاحية التي وضعت للنهوض بقطاع التربية والتكوين ،وبالرغم من المناظرات الوطنية التي كشفت وفضحت واقع المنظومة التعليمية ، فان القطاع ما يزال يشكو أعطابا في الرؤية والأهداف و أعطابا أخرى بنيوية و بيداغوجية ، و يعيش تخبطا في البرامج والمخططات في غياب الحكامة والتدبير العقلاني والتخطيط السليم المبني على ثقافة المشاركة والشفافية والمحاسبة والمساءلة . إن قطاع التربية والتعليم غارق في مشاكل و اختلالات متنوعة من قبيل استمرار الهذر المدرسي ونقص الجودة في المقررات والمناهج وفشل كل مخططات واليات الاستشارة والتوجيه والإعلام المدرسي والمهني ، وبطء تعميم تكنولوجيا المعلوميات والاتصال ، والتباعد بين حاجيات سوق العمل والبرامج التعليمية . انه بالرغم من تنزيل عدد من القوانين التنظيمية التي تهم الحكامة وتدبير المنظومة ، وبالرغم من تطبيق توصيات وبنود ودعامات الميثاق الوطني والرؤية الإستراتيجية فان بعض الانجازات التي تحققت بنسب مقبولة ( التعميم – .. ) وحدوث تحسن ملحوظ في زيادة الولوج إلى التعليم العمومي ، وتضييق الفروق بين الجنسين في التعليم الأساسي إلا أن فشل المنظومة يلامسه كل متتبع للشأن التربوي بسبب ارتفاع معدلات التسرب والهذر وانخفاض معدل محو الأمية في صنف البالغين وتزايد معدلات البطالة في صفوف الخريجين. وفي تقرير المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008 جاء أن كثيرا من الأطفال ما يزالون يغادرون المدرسة من دون مؤهلات كما هو الشأن بالنسبة لما يناهز 400000 تلميذ و تلميذة انقطعوا عن الدراسة خلال سنة 2007 أكثر من نصفهم في سلك التعليم الابتدائي نتيجة للظروف السوسيو اقتصادية لأسر المتعلمين ، وتبقى ظاهرة التكرار التي تغذي صفوف المنقطعين عن الدراسة دون مؤهلات مصير قرابة تلميذ من أصل خمسة في السلك الابتدائي ، أما الأمية فلا تزال نسبتها مرتفعة وتحول دون استفادة اقتصادنا ومجتمعنا من طاقات هامة . ومن الخلاصات التي توصل إليها تقرير الخمسينية حول ( 50 سنة من التنمية البشرية وآفاق سنة 2025) توضح مدى خطورة وضعية التعليم بالمغرب وتعكس وجود مغربين يسيران بسرعتين متفاوتتين لا يمكنها سوى آن تعرقل انطلاقة المغرب بالسرعة المنشودة ،هذا ويشير التقرير إلى احد اخطر العوارض التي تعيق تطور بلدنا وهما انتشار الأمية واستفحال ظاهرة البطالة في صفوف فئة الشباب ، وحسب نفس التقرير ستناهز نسبة الأمية في أفق سنة 2025 حوالي 20 في المائة بالإضافة إلى وجود نسبة جد متدنية للتمدرس الجامعي . هذه الإشكالات و الاختلالات والعوارض التي تخترق مؤسستنا التربوية جعلتها غير قادرة على أن تصبح مؤسسة للاندماج في المحيط السوسيو اقتصادي والثقافي فبالأحرى لإنتاج طاقات بشرية بكفاءات مستدامة . لذا تم إطلاق شعار (إدماج التعليم في محيطه الاقتصادي والاجتماعي ) حتى تكون المؤسسة التعليمية مساهمة في تنمية محيطها السوسيو ثقافي والاقتصادي بشكل يجعلها تتجه نحو تكوين الإنسان المواطن تكوينا يمكنه من التأثير الايجابي في محيطه . 1- سياق ربط المؤسسة بالمحيط : هل هو شعار للإصلاح أم للمغالطة ؟ كثر الحديث عن ربط المدرسة بمحيطها وعن ربط التكوين بالتشغيل و ملاءمة التعلمات والتكوينات مع حاجات المقاولات وسوق الشغل،و تزامن ظهور هذا الشعار مع التحولات السريعة التي عرفها المجتمع المغربي منذ نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات حينما جاءت الصدمة الكبرى واصدر البنك الدولي في 04 فبراير 2008 تقريرا سوداويا بشان وضع التعليم في المغرب بعد أن وضعه في مرتبة متأخرة – الرتبة 11 من بين 14 دولة عربية ، كما أن منظمة اليونيسكو أكدت عجز المغرب في تحقيق أهداف التنمية الألفية 2015 ، ثم جاء المجلس الأعلى للتعليم واستعرض في تقريره لسنة 2008 عددا من التعثرات و الاختلالات التي تعاني منها المنظومة التربوية ( الهذر المدرسي – ارتفاع نسبة الأمية – محدودية التعليم الأولي – ضعف جودة التعلمات ..) ولقد طالب صندوق النقد الدولي بالربط بين إصلاح التعليم والإدارة والاقتصاد لأجل ترابط أفضل بين النظام التربوي والنظام الإنتاجي ، وهي نفس المقاربة التي تبناها رجال المال و الأعمال وعدد من الأحزاب السياسية الحكومية وبعض النقابات الموالية لها رغم انطلاقهم من رؤيا مختلفة … وبذلك أصبحت المدرسة مدانة يحملها الجميع مسؤولية كل ما يعرفه المجتمع من اختلالات مادية وروحية تحت عنوان عريض هو أن المدرسة المغربية أصبحت غير مرتبطة بمحيطها الاجتماعي وأضحت عاجزة عن تلبية الحاجيات المادية والروحية … إنها تهدر مال الأمة وثروتها البشرية في آن . طرحت إشكالية علاقة المدرسة بمحيطها بحدة في ظرفية اقتصادية مالية سياسية صعبة تميزت بتراجع مدا خيل الفوسفات وبالصدمة البترولية الثانية وبالجفاف (81-83) واختلال التوازنات المالية الداخلية والخارجية وارتفاع المديونية وفوائدها ….مما أدى بالسلطات العمومية إلى توجيه الاقتصاد الوطني نحو برنامج واسع للتقويم وإعادة الهيكلة مع ما يتطلب ذلك من تراجع الدولة عن الإيفاء بتحمل كل نفقات القطاعات الاجتماعية الحيوية بما في ذلك التعليم الذي كثر الحديث بصدده عن كلفته الباهظة ولا مرد وديته وعن ضرورة التراجع عن مجانيته وعن ضرورة تشجيع المبادرات الحرة الخاصة به وعن ضرورة ربطه بمحيطه الاجتماعي وعالم الشغل . (انظر مسارات التحول السوسيولوجي في المغرب – عبد السلام حيمر) في هذا السياق التاريخي والسياسي والاجتماعي تم تقليص ميزانيات بناء المدارس والثانويات والزيادة في ساعات العمل بالنسبة لرجال التعليم للحيلولة دون توظيفات جديدة ثم استحدثت مؤسسات للتكوين المهني والتقني لاستقبال التلاميذ الناجحين و المفصولين من التعليم العمومي أو الخصوصي – واستحدثت مدارس جهوية للأساتذة ، واعتمد التدريس بالأهداف كمذهب بيداغوجي رسمي – وعممت المراقبة المستمرة على جميع الأسلاك – واعتمدت الكوطا في الانتقال من السنة الأخيرة في السلك الإعدادي إلى السلك ألتأهيلي – واعتمدت سياسة التكوين والتكوين المستمر – وأحدثت شعب ومواد جديدة – وتوجت بإصدار قانون إحداث الأكاديميات الجهوية …. كل هذه الإجراءات والتغييرات تمت تحت راية ربط المدرسة بمحيطها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لكن النتيجة كانت كارثية فيما يتعلق بالمؤشر المعتمد لقياس مدى ترابط النظام التربوي المغربي بالنظام الإنتاجي خاصة والاجتماعي بصفة عامة وهو مؤشر بطالة الشباب خريجي المدارس والجامعات .انظر المرجع السابق إن إطلاق شعار (إدماج التعليم في محيطه الاقتصادي والاجتماعي ) هو شعار اعتبره البعض شعارا مغلوطا لان التعليم أصلا هو جزء من المحيط وبالتالي فهو دائما مندمج فيه ويلبي حاجياته ، تلك الحاجيات التي كان المحيط يعرفها بالأمس أما اليوم فالمحيط تغير وتبدل وغير مندمج والسبب هو أن المحيط المهيمن في المغرب اليوم هو محيط الأمية والهذر و البطالة بكل مكوناتها من دكاترة ومهندسين ومجازين وتقنيين و… إذن فلابد من التساؤل عن السبب في عدم قدرة المنظومة التربوية على توفير مناصب الشغل ،وامتصاص الخريجين من مختلف الأسلاك . وعليه جاء الميثاق الوطني والرؤية الإستراتيجية بغاية وضع المدرسة في صلب المشروع المجتمعي اعتبارا للأدوار التي تنهض بها المدرسة في تكوين مواطنات ومواطني الغد وفي تحقيق أهداف التنمية البشرية والمستدامة . فتم اعلان 2015 – 2030 مدى زمنيا للتعبئة الوطنية من اجل تجديد المدرسة المغربية وصولا لتحقيق أهداف التنمية البشرية ليحل الشعار ألواسع ” منظومة التربية والتكوين رافعة للتنمية البشرية المستدامة ” محل الشعارات السالفة . 2- التنمية البشرية المستدامة والمسالة التعليمية : أية علاقة ؟ يؤكد العديد من المفكرين والباحثين في علم التربية أن السياسة التعليمية الوطنية القائمة على أساس تنمية الثروة البشرية هي وحدها التي تستطيع تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية الشاملة وهذه الأخيرة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي ولكنها تتجاوزه إلى إطار واسع للنمو يأتي في مقدمته المحدد البشري قبل الاقتصادي وهذا ما يفسر اهتمام الدول المتقدمة حضاريا واقتصاديا واجتماعيا بالموارد البشرية وتسخيرها للتقدم ولرقي المجتمع انطلاقا من النهوض بالجانب التربوي و تتجلى العلاقة التبادلية بين التربية والتنمية وكل واحدة منهما تؤثر وتتأثر بالأخرى لدرجة يصعب الفصل بينهما ، فالتربية تؤثر على التنمية من خلال تحديد النموذج التنموي المنشود ووضع المشاريع اللازمة لهذه الغاية بكل دقة وموضوعية وإن التخطيط للتنمية البشرية يبدأ من المسالة التعليمية ومن تأهيل المدرسة لدورها المركزي في مواجهة واقع التخلف والقيام بمهام التحديث على مختلف المستويات وفي تنشئة أجيال منتجة ومبدعة على اعتبار أن دور التعليم في ظل التحولات العالمية الراهنة هو تكوين النشء الصالح وإعداده ليصبح قادرا على مواجهة تحديات العولمة والتفاعل مع متطلبات التنمية . يقول الأستاذ المهدي المنجرة : (إن القرن العشرين والحادي والعشرين يتأسس على المعرفة وعلى الاستثمار في الرأسمال البشري وان التربية والتكوين يشكلان العمود الفقري لهذا الاستثمار البشري بغاية الرفع من أداء الإنسانية والمساهمة بالتالي في تقليص الفجوة بين الشعوب ). فالتعليم يمكن الإنسان من العيش الكريم والمشاركة في تنمية المجتمع ولهذا فان القضاء على الجهل والأمية والتخلف ” حتمية ” لا يمكن تجاهلها والتعليم شرط من شروط المشاركة الفاعلة في التنمية ولهذا فان منظمات الأممالمتحدة تدعو إلى الاستثمار في التعليم كأحد الأهداف الإنمائية للألفية و يؤكد تقرير برنامج الأممالمتحدة الإنمائي بشان التنمية البشرية على أن التنمية المستدامة لا يمكن اختزالها في البعدين الاقتصادي والسياسي بل يجب مراعاة الأبعاد الثقافية والاجتماعية والايكولوجية والإنسانية والروحية مما يجعل دور التعليم حاسما بقدر اكبر. ولقد شرع بلدنا في الاستثمار في رأس المال البشري في وقت متأخر بعد صدمات التقارير الوطنية والدولية عن الوضع البئيس لمنظومتنا التي لا تنتج غير العاطلين والبطاليين ، وحينما شرعنا في وضع وانجاز برامج التنمية المحلية أنفقنا نسبة مئوية غير كافية في مجال التمدرس خصوصا في العالم ألقروي وقلصنا من نسبة الفوارق بين الجنسين لكن على الرغم من هذه التحسينات لازال الانجاز التعليمي ادني منه في بعض البلدان المجاورة التي لديها مستويات تنمية اقتصادية مماثلة إن الصلة ضعيفة بين تعليمنا وبين التنمية المستدامة ، وهذه الأخيرة تضع في اعتبارها أن التعليم حق من حقوق الإنسان الرئيسية وهذا الحق له أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية تنعكس على ديمومة التنمية وتأسيسا على ما سبق كيف يمكن تصور ارتباط التعليم بالنمو الاقتصادي ؟ إن التعليم هو شرط ضروري لتحقيق النمو الاقتصادي وكل البحوث والدراسات التي أنجزت في هذا المجال تؤيد هذا الرأي حيث أن النمو الاقتصادي بالنسبة للفرد يكون في مستوى التطور الحاصل على مستوى التحصيل التعليمي . وإن الصلة بين رأس المال البشري والتنمية الاقتصادية تتوقف على التقدم الذي تحرزه البلدان في كافة مراحل التعليم، ولفهم العلائق العضوية الموجودة بين التنمية الاقتصادية وسياسة التمدرس أتى تقرير البنك الدولي ليؤكد على تلك العلائق مستدلا بدول شرق أسيا حيث نقرا في هذا التقرير (لقد قدرنا أن ثلثي 2/3 النمو الاقتصادي لتلك الأقطار مابين 1965 و 1990 تعزى أسبابه إلى اطراد نسبة التمدرس ) وهذا ما يسمى الاستثمار في الحقل الإنساني الذي هو عماد كل إصلاح . وبالنسبة لبلدنا فقد لوحظ في العقود السابقة (الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ) مفارقة واهية وغير سليمة وهو أن النمو الاقتصادي آنذاك قابله انخفاض على مستوى التحصيل التعليمي ؟هل لان الإنتاجية غير مرتبطة بعامل التكوين والتحصيل التعليمي ؟ أم أن الإنتاج اقترن بمجالات أخرى كالمعادن والفلاحة وهما مجالان لا يقتضيان تحصيلا وتكوينا علميا وإنما يتطلبان يد عاملة مدربة وقادرة على التحمل . هذا التفسير قد يبدو واهيا في نفي العلاقة بين التعليم والنمو الاقتصادي لان كل التفسيرات ترى أن مستوى التعليم في مغربنا منخفض وغير فاعل بحيث أنه لا يساهم في زيادة النمو والإنتاجية. ونتساءل هل تم الرهان على مدرستنا العمومية كرهان استراتيجي لإرساء قواعد مجتمع المعرفة والاقتصاد قادرة على العطاء والإنتاجية في محيطه ومجتمعه ؟ يتضح لكل متتبع أن نظامنا التربوي لم ينخرط في سياق مشروع تنموي فعلي جاد ومحدد ، فعلى سبيل المثال – لا الحصر – نرى أن سياسة تعميم التعليم تم إفراغها من محتواها الاجتماعي وأحيلت إلى مفهوم ديموغرافي – مورفولوجي وكان الهدف من التعميم هو رفع نسبة التمدرس والتقليص من حدة التسرب وتشجيع تمدرس الفتاة القروية – خاصة – وإتاحة حظوظ متساوية بين الحواضر والقرى – انظر وزارة التربية الوطنية – منجزات وآفاق – مارس 1983 لقد تصور الخطاب التربوي الرسمي مفهوم التعميم وكأنه ظاهرة ديموغرافية تتطلب إيصال الحجرات الدراسية إلى أقصى المناطق القروية لرفع نسبة التمدرس ..دونما النظر إلى العملية في بعدها السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي ، كالنظر إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشرائح الاجتماعية الضعيفة قصد مواجهة الارتفاع المستمر لتكاليف التمدرس وأعباء تربية الأطفال (رغم اللجوء إلى برنامج تيسير لتخفيف العبء المادي عن الأسر الفقيرة ) ، و توفير التجهيزات السوسيو ثقافية ، والطرق ، والكهرباء … إن الخطاب الرسمي السائد ما يزال يطمس العلاقة الجدلية بين التعميم والأوضاع السوسيو اقتصادية لأغلب السكان المغاربة وبالتالي فهو يستبعد العلاقة السببية بين الأوضاع المؤدية للتعليم وظاهرة التخلف حتى يغدو النظام التعليمي مفصولا عن البنية الاقتصادية . يقول جميل السالمي : (من الصعب اعتبار النظام التعليمي المغربي منتجا لأنه لا يصنع شيئا للسكان الراشدين الأميين … و حتى الذين ينجحون في إنهاء دراساتهم يظهر على أنهم غير منتجين اقتصاديا ، ويتبين ذلك من الرقم المتصاعد للبطالة ) 3- من اجل الانخراط في تقوية الاندماج السوسيو ثقافي والاقتصادي استمرت السياسة التعليمية في مأزق لم تستطع الخروج منه إلى اليوم حتى أن البلد يقعد في الصفوف الأخيرة على مستوى سلم التنمية ، وكان هذا يحرج القائمين على القطاع فيلجأ ون إلى وصفات علاجية تسكينية (تغيير المقررات آو المناهج – نظام الامتحانات -..) أو يلجأون إلى الصعقات الكهربائية القوية لانقاد الرجل المريض أو يدعون إلى المؤتمرات والمناظرات ( المعمورة 1 والمعمورة 2 وافران 1 وافران 2 …) أو تأسيس وإقامة مجالس وطنية كالمجلس الأعلى للتعليم وأخيرا المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إلا أن تعليمنا يبقى متعثرا وغير ذي جدوى وتبقى الأمية تنخر مجتمعنا المغربي . فالرتبة المتأخرة التي نحتلها على مستوى المؤشر التنموي في سلم الترتيب العالمي لها دلالة عميقة ، علما بان هذا الترتيب يعتمد بالأساس على التعليم وانتشاره ومستوى التشغيل ونسبة البطالة وهو ما يؤكد أن نسبة تعميم التعليم لا يزال بعيد المنال وان الدولة لا تبدل مجهودات مضاعفة في هذا الاتجاه . إن (الإشكالية الكبرى التي أصبحت تستتر باهتمام كل الفاعلين في حقل التربية والتعليم ببلادنا هي كيف يمكن تحويل المدرسة المغربية من مجرد مؤسسة لتكوين الأطر التي تحتاجها الدولة لإعادة إنتاج ذاتها في الزمن إلى مؤسسة تساهم مباشرة في تنمية محيطها السوسيو ثقافي والاقتصادي بشكل يجعلها تتجه نحو تكوين الإنسان المواطن تكوينا يمكنه من التأثير الايجابي في محيطه بفضل ما حصل عليه داخل المدرسة من مكاسب ثقافية نظرية وفنية وعملية مساهما بذلك في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى إذا لم يتمكن من العثور على منصب في أجهزة الدولة ومؤسساتها فانه يكون قادرا على استثمار مكتسباته المعرفية والعلمية في إطار المجتمع المدني استثمارا منتجا ايجابيا ) عبد السلام حيمر – مسارات التحول السوسيولوجي في المغرب) – منشورات الزمن – ص 58 إن ولوج الألفية الثالثة بالنسبة لنا كأمة تعاني من الفقر والجهل والفساد سوف لن تكون في مستوى تطلعات شعبنا وقدراته الكامنة إلا بتحقيق التغيير الضروري والجوهري بوتيرة سريعة وبانجاز الإصلاحات اللازمة وفي مقدمتها إصلاح التعليم . وإصلاح التعليم يفترض إصلاحا شاملا على مستوى البرامج والمناهج والطرق التربوية والوسائل التعليمية والبنيات التحتية والعناية بالموارد البشرية بهدف الرفع من جودة التربية والتعليم لكونه يشكل قاعدة أساسية لتنمية رأس المال البشري والرأسمال الوطني. ونختم بما جاء في تقرير اليونيسيف عن وضع الأطفال في العالم 1999 انه إذا أصبح التعليم متوافرا للجميع فان هذا سيؤدي إلى حياة أفضل وأكثر صحة للأطفال كما سيؤدي إلى المزيد من العدالة والاستقرار الاجتماعي والى مستويات أعلى من التنمية الاقتصادية والاجتماعية .