لم تكن إرهاصات تكرار ما عشناه في رمضان الماضي، الذي نستعد لاستقباله في الأيام المقبلة مستبعدة، ويمكن القول إن القرار الحكومي القاضي بحظر التجول من ال8 ليلا إلى ال6 صباحا كان تحصيل حاصل. ما نعاينه يوميا من سلوكات وما نطلع عليه من أرقام كان كافيا لنقنع أنفسنا بأهمية رفع درجة احتياطنا ليمر شهر رمضان الفضيل دون أن يخلف "كوفيد 19" فينا أثرا كبيرا. أول أمس جرى تسجيل 663 حالة إصابة جديدة بالفيروس و641 حالة شفاء، وحالتي وفاة وتكرس هذه الأرقام الارتفاع الملحوظ في حالات الإصابة، فضلا عن استمرار تجاوزها لحالات الشفاء ما انعكس بشكل طبيعي على عدد الحالات النشطة 4472. تكرس الأرقام منحى تصاعديا يفرض توخي الحذر لتجنب ويلات موجة ثالثة نعلم ما فعلته في العديد من البلدان، مع ارتفاع أعداد السلالات المتحورة سريعة الانتشار، والتي جرى الإعلان قبل أيام عن تسجيلها في سبع جهات من تراب المملكة. إن إعلان الحكومة عن قرارها القاضي بحظر التنقل الليلي على الصعيد الوطني يوميا من فاتح شهر رمضان لم يكن مفاجئا، طالما أن الخبراء والمختصين في مجال الصحة ظلوا يدقون ناقوس الخطر، ويحذرون من المخاطر التي تتهدد المواطنين، مشددين على أهمية الالتزام بالتدابير الاحترازية. طبعت النداءات حياتنا في الأيام الماضية، لكنها تقاطعت مع التراخي الواضح ما فسح المجال أمام التنامي الذي أشرنا إليه سلفا، وبالتالي جاءت توصيات اللجنة العلمية والتقنية لتؤكد أن ما أبداه العاقلون من مخاوف لم يكن مجانبا للصواب، وبالتالي جرى اتحاذ قرار حظر جزئي، هو بمثابة تلقيح معنوي من شأنه أن يجنبنا الكثير من مضار الموجة الثالثة التي تأكد أنها أكثر شراسة. في هذه اللحظة الفارقة من "زمن كورونا"، نحن في حاجة إلى ترميم الثقة، التي بنيناها في بدايات هذا الزمن، الذي مازال يفاجئنا بتقلباته. قبل حوالي عام أكدنا أن من المكاسب التي حققناها ونحن نرتقي بشكل مبهر، هو بناء الثقة، وأكدنا أن ما تحتاجه أجيال بهذا الخصوص تمكنا من تحقيقه في مدة قصيرة جدا. وجعلنا ذلك نعبر عن فخرنا بما تحقق، لأن ذلك البناء قفز فوق الزمن، لكن المؤسف أن القدرة على التحمل ضعفت لدى البعض فاستسلم للتراخي، وسلم في الكثير من الإجراءات الاحترازية. المؤسف، أيضا، أنه جرى التسليم في المناعة التي اكتسبناها ضد فيروس الأخبار الزائفة، فسلم الناس أنفسهم على طبق من ذهب للمتاجرين في الكذب ونشر هذا الصنف من الأخبار. مابنيناه بسرعة امتدت إليه معاول الهدم بسرعة، قبل أن تنضج ثمار الثقة، ربما يبدو هذا الأمر طبيعيا، لكن لا يمكن أن ننكر كونه أضحى مصدر قلق. حين نتحدث عن البناء الفكري لا نلغي الجانب العلمي ولا التجارب السابقة، ولا نغيب أهمية توفر مجموعة من الشروط، لذلك لم نفقد الأمل، رغم اهتزاز الثقة التي كنا بنيناها قبل عام، لدى البعض. حين نقول البعض نعني جزءا من الكل، وليس الكل وهذا من شأنه أن يحفزنا على العمل على ترميم الثقة والعودة إلى مرحلة نعبد فيها الطريق عسانا نوفر أسباب كسب الرهان. إن قرارات الحظر الكلي التي اتخذتها عدة دول تشبه الكي فهي آخر الدواء، لذلك صار البعض يطلق عبارات من قبيل "آخر الدواء الحظر"، فرغم الأضرار التي تلحقها بعض القرارات بالاقتصاد ونفسية البشر تبقى وسيلة آمنة لصيانة الصحة العامة وإيقاف عداد الموتى بسبب وباء الفيروس الذي تحور وصار أكثر خطورة. يوجد الحظر الجزئي الذي سنعيشه في منزلة بين المنزلتين فهو ليس آخر الدواء، لكنه ينذر بقربنا منه، لكن لا شيء حسم، فالكرة في ملعب المواطن، ويبقى الانضباط لما اتخذ من قرارات والالتزام بالإجراءات الاحترازية لقاحا معنويا يجنبنا آخر الدواء في انتظار اكتمال الحملة الوطنية للتلقيح.