دعا محمد بنعبود، الأكاديمي المختص في تاريخ الغرب الإسلامي والأندلس، دول حوض البحر الأبيض المتوسط إلى استرجاع قيم العمل المشترك المطبوع بالحوار والتعاون والتواصل الذي أسس لحضارة الأندلس. وسلط محمد بنعبود، في محاضرة له بعنوان "القنطرة الثقافية عبر البحر الأبيض المتوسط: المغرب الكبير والأندلس" بأكاديمية المملكة، أول أمس الأربعاء، الضوء على الحقبة التاريخية التي طبعت دول ومجتمعات حوض البحر الأبيض المتوسط بالانفتاح الشامل على آفاق التعاون والحوار والتواصل فيما بينها، مبرزا أن المنطقة المتوسطية مثلت، رغم الحروب والنزاعات التي اجتاحتها في بعض الفترات، فضاء مشتركا للملاحة والتجارة وتبادل الأفكار ونقل المعارف وتلاقح الثقافات. ورصد محمد بنعبود، الذي ألقى محاضرته باللغة الإنجليزية، أوجه الالتقاء والاشتراك، القريب إلى الاندماج، داخل دول حوض المتوسط، مرتكزا على الحقيقة التاريخية والآثار التي خلفتها، وجهود إعادة بناء وتمثل هذا التاريخ المشترك من قبل المؤرخين والباحثين. كما اعتبر أن الروابط التاريخية، بين الأندلس والمغرب الكبير، تطورت بفعل علاقات التجارة ورحلات العلماء، وكانت لها قواسم مشتركة تمثلت في اللغة والدين والتاريخ المشترك للغرب الإسلامي، مشيرا إلى أن هذه القواسم المشتركة تشكل القنطرة الثقافية العابرة للبحر المتوسط. وقال "كيفما كانت الزاوية التي تتم منها دراسة تاريخ هذه المنطقة وكيفما كانت العوامل الحاسمة التي تؤخذ بعين الاعتبار في هذه الأبحاث، فلا يمكن إنكار أن العوامل التاريخية الموحدة كانت حاسمة، إذ ترك الماضي بصمته على المنطقة وسيحدد دوما المستقبل"، مسجلا أن الدين الإسلامي واللغة العربية ساهما في ازدهار التواصل بين العلماء، الذين عاش الكثير منهم متنقلا بين الأندلس والمغرب الكبير، من مدن فاس ومراكش والقاهرة، قادمين إليها من مدن قرطبة وإشبيلية وغرناطة. وذكّر الأكاديمي بتعايش المذهب المالكي مع باقي الديانات بالمنطقة وخاصة اليهودية والمسيحية، وتمكنه من احتلال مكانة الصدارة لعدة قرون، باعتباره المذهب الرسمي، ومذهب عامة الناس والنخب المثقفة. وقال إن "المذهب المالكي ظل هو المذهب القانوني والفقهي الذي نظم الحياة الأسرية والاجتماعية في الغرب الإسلامي بالمنطقة المتوسطية لفترة طويلة من العصور الوسطى"، مسجلا أن فضاء ضفتي المتوسط كان فضاء مشتركا تلاقحت فيه الأفكار والثقافات بين الأندلس والمغرب الكبير، عبر رحلات الحج وزيارة مواطن العلماء في الغرب الإسلامي والاقتراب من أقطاب التصوف. من جهته، قال عبد الجليل الحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، "وعيا منا بأن هذا الفضاء الذي سماه العرب قديما ببحر الروم، والبحر الشامي، وسماه آخرون بالبحر الإفريقي، والبحر المتوسط الأوروبي، ليس مجرد مساحات مائية شاسعة تسكن على ضفافها مجتمعات إفريقية وأوروبية وعربية، بل هو إلى جانب ذلك مهد للديانات السماوية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية ومنبتا لحضارات إنسانية عديدة"، من بينها الحضارة البابلية والأشورية والمصرية والإغريقية والفارسية والرومانية والإسلامية والغربية. وأكد عبد الجليل الحجمري أن هذه الحضارات، أنتجت عبقريات فلسفية وعلمية وفنية، وبنت عمارات ومكتبات وجامعات نبغت فيها ألوان الصنائع والفنون والعمارة والفلاحة ونمط للعيش، وغذّت النظريات والمذاهب والتيارات. وتندرج محاضرة محمد بنعبود في إطار سلسلة المحاضرات التمهيدية للدورة 47 للأكاديمية التي تنعقد حول موضوع "البحر الأبيض المتوسط أفقاً للتفكير".