بمبادرة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز في فاس، أطلق أساتذة في علم النفس وأطباء اختصاصيين في العلاج النفسي خدمة الاستشارة النفسية، موجهة للمواطنين الذين يمرون من اضطرابات جسدية ترتبط بوضعية الحجر الصحي الرامي إلى احتواء انتشار فيروس "كورونا". في الحوار التالي، يسلط الدكتور اسماعيل علوي، رئيس شعبة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز في فاس، حول النتائج الأولية لعمل خلية الدعم النفسي وطبيعة المشاكل النفسية التي عرضت عليها ونوعية الحلول التي قدمها أعضاء الخلية لتجاوز الاضطرابات النفسية المرتبطة بهذه الفترة الصحية الاستثنئائية. في البداية، ممكن التعرف على نوعية الاستشارات النفسية التي طرحت على خلية الدعم النفسي منذ انطلاقتها إلى اليوم؟ أغلب الاستفسارات التي يتلقاها أعضاء خلية خدمة الاستشارة النفسية، تتعلق بمواطنين تعذر عليهم التواصل أو الانتقال إلى عيادات أطباءهم المعالجين لأمراضهم النفسية، بسبب وضعية الحجر الصحي الذي فرضته جائحة "كورونا"، إذ يطلبون معطيات حول الجرعات الواجب أخذها ومدى استمرارهم في أخذ الجرعات السابقة أو تغييرها أو تحيين الوصفة الطبية. في الأسبوع الأول من انطلاقة عمل خلية الاستشارة النفسية، تلقينا إقبالا كبيرا على هذه الخدمة، من خلال تلقي مجموعة كبيرة من المكالمات التي عجزنا على تغطيتها جميعها بسبب محدودية أعضاء الخلية المكونة من 23 من الأساتذة والاختصاصيين في علم النفس وطبيب اختصاصي في الطب النفسي. لتلبية حاجيات المتصلين، اشتغلنا وفق طريقة عمل همت توزيع الأدوار وتحديد غلاف زمني لتلقي المكالمات، ما بين 15و20 دقيقة لكل متصل، مع إمكانية رفعها إلى أكثر من ذلك بالنسبة إلى الحالات التي تشكو من وضعية نفسية حرجة. كما أننا لجأنا خلال هذه الفترة إلى تمديد زمن تلقي المكالمات إلى الفترة الليلية ما بين 10 ليلا وحتى منتصف الليل، وهي الفترة التي كانت تعرف ضغطا كبيرا في تلقى اتصالات أشخاص يواجهون صعوبة في النوم بسبب موجة الخوف من الاصابة ب"كورونا"، وكانوا يعبرون عنها ببكاء شديد. ما طبيعة المشاكل النفسية التي طرحت عليكم خلال هذه المرحلة الأولية، من خلال عمل خلايا الدعم النفسي؟ أول الملاحظات، أن الأسبوع الأول من اشتغال هذه الخلايا، شهدنا تلقي اتصالات من أشخاص يشكون اضطرابات نفسية مرتبطة بالخوف والهلع ووساوس قهرية وخوف شديد من الإصابة بفيروس "كورونا"، وخوفهم من نقل العدوى إلى عائلاتهم، رغم تقيدهم بالاحتياطات الضرورية، خصوصا بالنسبة إلى الأشخاص الذين تفرض عليهم طبيعة عملهم التواجد الفعلي في مكان العمل، رغم حالة الحجر الصحي، مثل الأطباء والممرضين وباقي العاملين في قطاع الصحة ثم الذين يعملون في القطاع البنكي وباقي الخدمات الأخرى التي تستمر في فتح أبوابها في وجه المواطنين في هذه الظرفية الصحية الاستثنائية. كيف تتمظهر لديهم هذه المخاوف والوساوس القهرية؟ للجواب على هذا السؤال، سنتحدث عن وجود فئات من المتصلين، الفئة الأولى تتمظهر صعوباتها النفسية على شكل اضطرابات نفسية لكنها تعطي أعراض جسدية، تكون على شكل مشاكل في ضيق التنفس وارتفاع في دقات القلب وحدوث تقلصات معوية وغيرها. بل إن بعض هؤلاء الأشخاص من سبق له الاتصال بالرقم الأخضر لوزارة الصحة المخصص لتلقي مكالمات الاستفسار عن الإصابة بكورونا. الفئة الثانية من المتصلين، تتعلق بالذين لديهم سوابق نفسية مرضية ولها أرضية قلق وتتابع علاجا دوائيا، فاستجد لديها المرض مع وضعية الحجر الصحي، كما هو الأمر بالنسبة إلى مرضى الاكتئاب واضطرابات التوتر، إلى جانب المصابين بأعراض أكثر تعقيدا، مثل تلك التي تظهر لدى المصابين بثنائي القطب والتوتر المعمم. أما الفئة الثالثة، فتتعلق بالعنف الزوجي الذي بات أكثر الحالات المسجلة منذ أيام، لأسباب متعددة منها وضعية الحجر الصحي التي جاءت مفاجئة والتي لم يكن أفراد الأسرة على استعداد للتعايش معها دون مشاكل، ثم وجود الأطفال والوالدين بشكل مفاجئ وقصري داخل البيت، حيث تنشأ الصراعات في تدبير أمور الأسرة، في ظل وضعية تتسم بالخوف وعدم الشعور بالطمأنينة من المستقبل والخوف من ضباب رؤيته. وتتنامى هذه المشاكل في ظل قضاء فترات طويلة بشكل جماعي، كما قد ترتبط بالوجود في فضاء ضيق من حيث المساحة، حيث يمكن أن ينشأ الخلاف حول عدم احترام الأمكنة وتوزيع الأدوار. فتزيد هذه الاضطرابات مع عدم امتلاك آليات تدبير الانفعالات ودون سابق معرفة وقدرة على تدبير المشاكل اليومية والانفعالات التي قد تتسبب في بروز خلافات تهم تفاصيل دقيقة من الحياة داخل بيت الأسرة. أما الفئة الأخيرة، فتتعلق بالطلبة الذين يستفسرون عن مصيرهم الدراسي ويعبرون عن قلقهم بخصوص صعوبات استقبال واستيعاب الدروس عن بعد بسبب عدم ولوجيتهم للأنترنيت واعتراضهم مشاكل متنوعة ذات صلة بالدراسة والامتحانات ما طبيعة الحلول التي تقدمونها إلى المتصلين بكم؟ أول شيء، نحاول تهدئة مخاوف المتصلين بنا، نحاول أن نبعث في نفوسهم الاطمئنان لتهدئة مشاعر الخوف والهلع الكبير الذي ينتابهم. نوجه المدمنين على متابعة الأخبار، بوقف تتبع الأنباء حول الإصابات والوفيات وغيرها المرتبط بفيروس "كورونا"، إلى جانب دعوتهم إلى تفادي تلقي الشائعات حولها. ثم نعرفهم بطرق التحكم في طريقة التنفس والاسترخاء وسبل مواجهة الخوف، مع تمكينهم من بعض آليات تدبير الانفعالات. كما أننا نركز كثيرا على طرق طرد الأفكار السلبية وحثهم على الانشغال بأنشطة وأعمال تصرفهم عن التفكير في "كورونا"، كل حسب قدراته واهتماماته، ما بين الانشغال بالطبخ والقراءة وسماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام والتواصل مع العائلة عبر الهاتف ووسائل التواصل المتاحة.