كما شكلت هذه الانتخابات مرحلة مهمة في تاريخ الجهات، على اعتبار الاختصاصات القانونية الجديدة، التي ستتمتع بها، والتي تمنع إمكانية التذرع بثقل سلطة الوصاية الإدارية التي كانت عقبة أمام حركة الجماعة الترابية، وتضع على الوحدة الجهوية عبء بناء المستقبل والتنافس الخلاق بين الجهات حول تقديم نماذج تنموية رائدة وجذابة. وستكون مجالس الجهة أمام اختبار لكفاءة تدبيرية نوعية، تتجاوز منطق إدارة جماعية محدودة الرهانات، بالنظر إلى المجالات الواسعة بتشكيلات سوسيولوجية، وتوزيع جغرافي ومقومات تنموية مختلفة، تسائل القدرة على خلق التوازن والتكامل بين القطاعات والمناطق، والانخراط في الشراكات الناجحة، وتقسيم العمل مع الوحدات الترابية الجماعية، ومع سلطات اللاتمركز الإداري، فضلا عن العمل مع المجتمع المدني. أولى الرسائل التي حملتها هذه النتائج تجلت في نسبة المشاركة، التي أبانت عن تكريس وتيرة الإقبال على صناديق الاقتراع، إذ بلغت نسبة المشاركة في اقتراع 4 شتنبر 53,67 في المائة، مقابل النسبة نفسها تقريبا في الانتخابات الجماعية لسنة 2009. مرور الانتخابات الجماعية والجهوية في مجموع التراب الوطني في أجواء عادية، يشكل رسالة قوية، أيضا، على احترام الضوابط التي تضمن الشفافية ومصداقية العملية السياسية والمسلسل الانتخابي. وحسب ما صرح به محمد حصاد، وزير الداخلية، فإن الانتخابات مرت في "أجواء عادية ووفق ضوابط تضمن شفافية ومصداقية العملية السياسية والمسلسل الانتخابي، باستثناء تسجيل بعض الأحداث المعزولة، كاقتحام مكاتب تصويت بجماعات قروية". وحسب حصاد يعتبر الاقتراع "محطة جوهرية ضمن مسلسل الأوراش في إطار تنزيل مقتضيات الدستور الجديد"، والمتمثلة في انتخاب مجموعة من المؤسسات المنتخبة متجلية في انتخابات ممثلي المأجورين، والغرف المهنية والمجالس الجماعية والجهوية ومجالس العمالات والأقاليم، إضافة إلى انتخاب أعضاء مجلس المستشارين يوم 2 أكتوبر المقبل. أما الرسالة الأخرى فتجلت في معرفة ثقل كل حزب داخل المشهد السياسي، رغم أن هذا الثقل السياسي سيكون رهينا بسياسة التحالفات، التي ستنسجها مختلف الهيئات الحزبية داخل المجالس المنتخبة. وستكون الجهات ال12 مقبلة على الاضطلاع بدور القاطرة التنموية، بالنظر إلى النصوص المرجعية التي تؤطر الجهوية الموسعة، والتي منحت الجهة كجماعة ترابية كامل الإمكانيات القانونية والمادية للاضطلاع بدور القاطرة التنموية، ما يجعل النخب، التي ستشكل مجالس الجهات، مطالبة بالوعي بالمسؤولية التاريخية التي تقع على كاهلها، وخلق دينامية في مجالس تتحقق فيها خصال المبادرة الخلاقة، والقوة الاقتراحية المجددة وقدرة عالية على تثمين إمكانيات الجهة، واستشراف فرص النهوض بها، والتحكم في المتغيرات، التي ستجعل من الفضاء الجهوي مجالا للنمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتضامن والمواطنة. كما تشكل نتائج اقتراع 4 شتنبر مرحلة تأسيسية، تضع لبنات منظور جديد للتدبير الترابي للمجال الوطني، وعلاقة تكاملية مستقبلية بين الإدارة المركزية والوحدات الجهوية، التي روعي في تحديد مجالاتها الجغرافية امتلاك كل منها إمكانية تحقيق الانسجام والتكامل والتضامن بين المقومات الثقافية والموارد الاقتصادية والبشرية، لبلورة دينامية تنموية، في إطار مبادئ الاستقلالية والقرب وتثمين الخصوصية، كرافد للوحدة الوطنية.