بينما تحصي الأحزاب المغربية المتنافسة في اقتراع 4 شتنبر نجاحاتها وإخفاقاتها في الخريطة الانتخابية الوطنية، ينفتح في الأفق عهد جديد أمام الجهة كجماعة ترابية كرس دستور يوليوز 2011 أولويتها وموقعها كحجر زاوية في هندسة التوازن وتقسيم العمل بين القرار المركزي والمبادرة المحلية والجهوية. وبغض النظر عن انتماءاتها الحزبية، سيكون على النخب التي ستشكل مجالس الجهات الاثني عشر أن تعي المسؤولية التاريخية التي تقع على كاهلها، ذلك أن النصوص المرجعية التي تؤطر الجهوية الموسعة، والتي منحت الجهة كجماعة ترابية كامل الإمكانيات القانونية والمادية للاضطلاع بدور القاطرة التنموية، تعول على دينامية مجالس تتحقق فيها خصال المبادرة الخلاقة والقوة الاقتراحية المجددة وقدرة عالية على تثمين إمكانيات الجهة واستشراف فرص النهوض بها والتحكم في المتغيرات التي ستجعل من الفضاء الجهوي مجالا للنمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتضامن والمواطنة. هي مرحلة تأسيسية تضع لبنات منظور جديد للتدبير الترابي للمجال الوطني، وعلاقة تكاملية مستقبلية بين الإدارة المركزية والوحدات الجهوية، التي روعي في تحديد مجالاتها الجغرافية، امتلاك كل منها إمكانية تحقيق الانسجام والتكامل والتضامن بين المقومات الثقافية والموارد الاقتصادية والبشرية، لبلورة دينامية تنموية في إطار مبادئ الاستقلالية والقرب وتثمين الخصوصية كرافد للوحدة الوطنية. بعد أن تقاسمت 678 مقعدا تنافست عليها لوائح الأحزاب المغربية، لن يغيب عن وعي النخب التي ستشارك في التجسيد المادي لهذا الورش أن النجاح في هذه المهمة التأسيسية يرتبط برهان وطني كبير يتمثل في مشروع الحكم الذاتي الذي ارتضاه المغرب إطارا لتسوية مشكل الصحراء. إن مجالس الجهة ستكون أمام اختبار لكفاءة تدبيرية نوعية تتجاوز منطق إدارة جماعية محدودة الرهانات، ذلك أن الأمر يتعلق بمجالات واسعة بتشكيلات سوسيولوجية وتوزيع جغرافي ومقومات تنموية مختلفة، تسائل القدرة على خلق التوازن والتكامل بين القطاعات والمناطق والانخراط في الشراكات الناجحة، وتقسيم العمل مع الوحدات الترابية الجماعية من جهة، ومع سلطات اللاتمركز الإداري من جهة أخرى، فضلا عن العمل مع المجتمع المدني. إن الاختصاصات الجديدة التي باتت تتمتع بها الجهات قانونيا، تمنع إمكانية التذرع بثقل سلطة الوصاية الإدارية التي كانت بالفعل عقبة أمام حركة الجماعة الترابية، وتضع على الوحدة الجهوية عبء بناء المستقبل والتنافس الخلاق بين الجهات حول تقديم نماذج تنموية رائدة وجذابة. يذكر أن دستور 2011 خصص الباب التاسع للجماعات المحلية ممثلة بالجهات والعمالات والأقاليم والجماعات. وتكريسا للديموقراطية المحلية، تم التنصيص على أن تنتخب مجالس الجهات بالاقتراع العام المباشر. وأكد الفصل 136 أن التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامنo ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة. ومضى الفصل 143 أبعد حين أورد بأن الجهة تتبوأ، تحت إشراف رئيس مجلسها، "مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية". وتكريسا لاستقلالية ومركزية دور الجهات، من حيث العلاقة مع ممثلي السلطة المركزية، جاء في الفصل 145 أن الولاة والعمال يساعدون رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية. وهي إشارة لا تخفى في اتجاه إطلاق مساحات المبادرة والإنجاز أمام الجهات.