تتوجه المجلة، التي يتمحور موضوع ملف عددها الأول حول "السياسة والدين"، إلى الجمهور الواسع الذي يتعدى جمهور المختصين، كما تطمح أن تكون "فضاء للنقاش والإنتاج والمشاركة والتبادل بين الأجيال والحساسيات المختلفة في مجالات الثقافة والإبداع والفن والاقتصاد والاجتماع والسياسة والبحث العلمي..." وتريد "الربيع"، كما جاء في كلمة العدد، "الاشتغال على كل ما من شأنه خدمة إعادة وحدة خلاقة بين العلم والسياسة والمجتمع، وبالنتيجة، بين البحث والإنتاج العلمي والثقافي، كقوة حية للتغيير، وبين الالتزام الاجتماعي، المُواطني للعالِم/الباحث، وللمثقف، من حيث إن تلك الوحدة هي اليوم أحد أكبر رهانات ديمقراطية حقة". خصص ملف العدد الأول لموضوع "السياسة والدين"، في محاولة لفهم أسباب ومعنى هذه العودة للدين كرهان سلطة، وكأحد عناصر القوة السياسية الاستراتيجية بين من يمسكون بزمام السلطة ومن يعارضونهم وينزعون عنهم المشروعية، ليس فقط داخل حدود المجال الترابي الخاص بكل دولة، بل أيضا في الممارسة السياسية للعلاقات الدولية وصراعات الهيمنة الجيو استراتيجية بين الدول والأحلاف، التي تمزق عالم اليوم". وهو ملف ساهم في إغنائه أساتذة مختصون ومثقفون، ورجال سياسة وفكر، مثل محمد الساسي، الذي كتب، في المحور الأول الخاص ب "الاستبدادين السياسي واللاهوتي"، عن " الإصلاح المؤسسي في المغرب (1999- 2014) الحدود والتناقضات"، ومحمد الهلالي متحدثا عن "السياسة الدينية في المغرب بين التدبير والإصلاح"، والمصطفى المعتصم بمشاركته عن "الإصلاح الديني وعلاقته بالإصلاح السياسي"، فيما كتب نورالدين الزاهي، في محور "جدليات السياسة والدين" عن "المقدس الكلياني وموت الكتاب"، وادريس الكنبوري عن "مأزق ما بين الوصل والفصل في الفكر الإسلامي الحديث، ثم رشيد دوناس في "جدلية الديني والسياسي في الإيديولوجيا الصهيونية".. أما المحور الثالث للملف الذي تطرق إلى "الأسس والتاريخ والحداثة للسياسة والدين"، فجاءت مساهمات المفكرين مارسيل غوشيه، وباروخ اسبينوزا، ومحمد المدلاوي، وبريسيلا فورنييه، وكارل ماركس، لتطرح للنقاش مواضيع الإيمان والأخلاق وجدلية القضاء على حرية الرأي في دولة حرة، والعلاقات بين الدولة والدين والفرد المدني، والإسلام والعلمانية، وتحول النقد من الديني إلى السياسي... وتستضيف "الربيع" الأستاذ عبد الله حمودي في حوار حول المسار العلمي والأنتروبولوجيا والسلطة والسلطوية في الدولة والمجتمع، وحول الدين والتدين والسياسة والثقافة. كما تقدم "الربيع" قراءات حول "العلمانية والدينية عند محمد الجابري- حالة المغرب نموذجا" لإدريس جبري، و"العلمنة والتحديث لدى عزيز العظمة" لمراد زوين، وقراءة لنص سيجموند فرويد حول "كل مؤسسات الثقافة وتعاليم الحضارة ذات أصل بشري والدين عصاب وسواسي جماعي". ويتميز العدد الأول بالندوة التي نظمتها المجلة استكمالا لموضوع الملف "السياسة والدين"، بمشاركة مصطفى بوهندي، ومحمد أمين الركالة، وعبد الصمد بلكبير، وعمر إحرشان، ومحمد الساسي، مع تقديمها من قبل محمد العوني وعبد الرحيم تفنوت، وهي الندوة التي ناقشت إمكانيات فصل الدين عن السياسة وإكراهات الانتقال الديمقراطي في المغرب الذي يواجَه ويُجهض بالدين، في كثير من الأحيان، مستعرضة وقائع الظرفية الجديدة التي تكرس نعتها ب"الربيع العربي"، وما أحدثته من رجات في البنى السياسية والثقافية المحافظة، التي أعادت النقاش العمومي مجددا حول ضرورات وشروط الانتقال إلى نمط جديد من تمفصل السياسي والديني... المجلة تقدم، من جهة أخرى ضمن مواد العدد، بورتريه للعلامة محمد المختار السوسي، قدمه أحمد السليماني مستعرضا مساره وتجربته في التصوف كما يؤمن به خالصا لوجه الله في العبادة المنصوص عليها في الكتاب والسنة، وليس في تمظهراته الخارجية. مجلة الربيع لم تغفل الجانب الإبداعي والثقافي، بأن خصصت جزءا مهما لنصوص شعرية وقصصية ساهم فيها أدباء لهم مكانتهم المتميزة في الحقل الثقافي المغربي من أمثال أحمد بلحاج آية وارهام، وعبد القدار وساط، وعبد الدين حمروش، ومحمد الهرادي وعبد اللطيف النيلة وربيعة عبد الكامل وأغوتا كريستوف وأحمد بوزفور، بالإضافة إلى قراءة متميزة قدمها الأستاذ أحمد حبشي، في رواية "طائر أزرق يحلق معي" للكاتب يوسف فاضل. إذن هي خطوة أولى في مسيرة مجلة تزخر بالأفكار والنقاش، ستشكل حتما جسرا لإعادة العلاقة بين الثقافيّ والعلميّ والسياسيّ... كما ستكون "صوتا من أصوات هذا المغرب الآخر، العميق، البسيط، الأصيل والجميل، والذي يقاوم بكل ما يتيسر له من أشكال ووسائل، رغم أن ثمار مقاومته تُسرَق في كل مرة وتُحَول وتُثَمر في البيدر الخطأ...".