دعا المتدخلون في هذا اليوم، الذي نظمه مرصد الحكامة وتدبير الشأن العام بشراكة مع اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهتي فاس-بولمان ومكناس-تافلالت، أخيرا، بفاس، إلى التفكير في حلول تحد من الاختلالات، وضمان تقسيم ترابي يضمن التوازن العادل في تقسيم الثروات الطبيعية، واستفادة كل الجهات من الفرص الاستثمارية المتاحة. كما أثاروا إشكاليات الموارد المالية للجهة. وقدم المشاركون في اليوم الدراسي البنية التركيبية لأهم موارد الجهات في ظل قانون مالية الجماعات الترابية، وقانون الجبايات المطبق حاليا، مبرزين إشكاليات تحقيق استقلالها المالي، معتبرين أن مشروع القانون التنظيمي للجهات يرسخ التبعية المالية لها تجاه الدولة، ما يكرس وضعية التفاوت التنموي بين الجهات في تقسيمها الحالي، سواء على مستوى بنية الميزانية الجهوية، أو استحواذ الأقطاب الرئيسية لكل من الدارالبيضاء وطنجة والرباط ومراكش وأكادير على الحصة الكبرى من الموارد والاستثمارات، رغم التنصيص على إحداث صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات. وجرت أشغال هذا اليوم في إطار جلسة افتتاحية، تحدث فيها رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهتي فاس-بولمان ومكناس-تافلالت، عبد المجيد مكني، عن أهمية الموضوع، الذي يهم مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية في إطار بحث مدى تفعيل وتنزيل مقتضيات الدستور الجديد، وأهمية فتح النقاش حوله. وتمحورت الجلسة الافتتاحية حول الأسس والمبادئ العامة التي تؤطر الجهوية بالمغرب، والتطور التدريجي لمنظورها في أفق تحقيق جهوية متقدمة، مع استحضار الصعوبات والنواقص، التي تعتري التجربة المغربية، مقارنة مع بعض التجارب الدولية. واعتبر أحمد مفيد، الكاتب العام لمرصد الحكامة وتدبير الشأن العام، في مداخلته، أن الجهوية خيار استراتيجي يهدف إلى تعزيز الديمقراطية والشفافية والتنمية البشرية، وأن "التنمية الشاملة هي المحققة لجاذبية التراب وجماليته، والضامنة للعيش الكريم لمجموع المواطنين"، مذكرا بإصلاحات دستور 1992، التي قال إنها "فتحت المغرب على أوراش اجتماعية واقتصادية كبرى، لكن دون أن ترقى هذه الجهوية إلى المستوى المطلوب، بسبب عوامل عدة، مثل ضعف الاختصاصات وهزالة الموارد المالية، وعدم ملاءمة النظام الانتخابي لفلسفة الجهة، وتواضع مستوى بعض المنتخبين، وعدم إشراك السكان في اتخاذ القرارات وغياب منظومة قوية للحكامة". وأوضح أن الجهوية في ظل دستور 2011، تتمثل في مبادئ جوهرية، منها مبدأ التدبير الحر للجهات كمنطلق لإلغاء الرقابة القبلية على مقررات المجالس الجهوية، وكآلية تمكن من ربح رهانات تحقيق التنمية الشاملة، ودعم مسار اللاتمركز، ومبدأ التفريع المعتمد في توزيع الاختصاصات بين الدولة والجهات، لتقوية دور المنتخبين وتسهيل إشراك المجتمع المدني في الحوار، ومبدأ التضامن، الذي ينبني على إحداث صندوق التأهيل الاجتماعي، وصندوق التضامن، لتحقيق التوازن وتقليص التفاوت بين الجهات، ثم مبدأ الاستقلال المادي للجهات الذي يسمح بتوفير موارد مالية خاصة بها وتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية محلية شاملة. وتناولت أشغال هذا اليوم اختصاصات الجهة والرقابة الإدارية، والرقابة الإدارية على مقررات مجالس الجهات، ودور الجهة في تعزيز الديمقراطية التشاركية ومأسسة العلاقات مع المحيط، وهي مداخلات أثارت مختلف إشكاليات تبني جهوية شاملة، من قبيل تحديد معايير اختصاصات الجهة، وطبيعة الاختصاصات المخولة لها بالمغرب، ومدى ضرورة اعتماد مقاربات متعددة لتناول الموضوع، دستورية وقانونية وسياسية حقوقية، كأساس لدعم الديمقراطية المحلية والتشاركية. وأجمع المتدخلون على الدور الريادي للمجتمع المدني في إعمال مبدأ التشاركية وتتبع السياسات العمومية، فيما جرى تهميش هذا الدور في مجال التدبير عن قرب للشأن العام المحلي والجهوي. كما أشاروا إلى أهمية إعادة النظر في الدور الرقابي للمجالس الجهوية للحسابات الذي يجب أن يكون الهدف منه التخليق والتقويم والرقابة، لا للرقابة القضائية والزجرية. وقدم المشاركون في الندوة توصيات، من شأنها أن تبني علاقة تشاركية جديدة بين مختلف المتدخلين في العملية التنموية بالجهة، مطالبين بتوفير آليات حكامة جيدة، تضمن الشفافية والديمقراطية في التدبير، وإقرار مقاربة النوع.