بالمقابل، شدد هؤلاء، خلال مائدة مستديرة، نظمت أول أمس الخميس من طرف جمعية "حقوق وعدالة"، حول "الحريات العامة بالمغرب: أي قانون جديد للصحافة؟" بشراكة مع منظمة "هانس سايدل" الألمانية، على ضرورة العناية بالصياغة، مسجلين أنها جاءت "فضفاضة وإنشائية غير دقيقة"، وتفتح المجال لكثير من اللبس والتأويلات، وتمس بالأمن القانوني والقضائي"، مطالبين بضرورة ضبط الصياغة، وإشراك القضاة والممارسين في هذا الورش المهم، ومؤكدين على الارتباط الوثيق للحريات العامة باستقلالية السلطة القضائية. وقال محمد الخضراوي، مستشار بمحكمة النقض، ورئيس المرصد القضائي المغربي للحقوق والحريات، إن نصوص قانون الصحافة الجديد تتطلب مراجعة صياغة بعض مقتضياته، لأنها كانت أدبية أكثر منها قانونية، مع العمل على تكوين قضاة متخصصين في هذا المجال، وضمان تكوين قانوني لرجال المهنة، حتى يمكن محاسبتهم على مدى احترام المقتضيات القانونية ذات الصلة، مشددا على ضرورة خلق حلقات تواصل بن الطرفين، على اعتبار أن القاضي ملزم بالتطبيق العادل للقانون وضمان حقوق المواطنين، والصحافي ملزم بمعرفة حقوقه وواجباته في عمله، لأن حرية التعبير في المغرب مقيدة بعدد من القوانين والضوابط. واستعرض الخضراوي مجموعة من الأحكام القضائية في مجال الصحافة، الصادرة عن مجلة محكمة النقض، أكدت أن 60 في المائة من قضايا الصحافة أمام القضاء كانت بناء على شكايات مباشرة من أشخاص ذاتيين، و40 في المائة فقط من هذه القضايا جرت فيها متابعات من طرف النيابة العامة. وقال مراد فوزي، الكاتب العام لجمعية "حقوق وعدالة"، إن المائدة المستديرة تأتي في خضم مواكبة الإصلاحات الجارية، في إطار تفعيل مقتضيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، موضحا أن اختيار قانون الصحافة لافتتاح سلسلة ندوات جمعية "حقوق وعدالة" لسنة 2015، يأتي من أهمية الإعلام والصحافة في منظومة العدالة، واعتبارهما وسيلة من وسائل الرقابة الشعبية على عمل المؤسسات وضمان احترام الحقوق والحريات. وأبرز أن نجاح المقتضيات المطروحة للنقاش، كمشاريع قوانين الصحافة والنشر، رهين بتفعيل تنفيذ هذه المقتضيات بعد صياغتها على شكل قوانين، معتبرا أن "الأزمة في المغرب أزمة تطبيق، وليست أزمة تشريع، وتهيئة وتسهيل ظروف اشتغال الصحافيين المهنيين بتفعيل حق الوصول إلي المعلومة"، مستدلا بتجربة "جمعية إعلاميي عدالة" التي أنشأت العام الماضي، كأول جمعية لصحافيين متخصصين في مجال العدالة، في محاولة لخلق صحافة احترافية متخصصة. من جانبه، قال رضى علي أولامين، رئيس جمعية "حقوق وعدالة"، إنه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية أمام غياب حرية الصحافة، وأن الصحافة في المغرب لا تملك القدر الكافي من الحرية، مستشهدا بحالات اعتقال صحافيين ومتابعتهم في إطار القانون الجنائي. وأضاف "في حال عدم الحصول على حرية تعبير شاملة، يجب على الأقل تحديد ووضع قوانين واضحة"، متحدثا عن المراتب المتدنية التي احتلها المغرب في تقارير دولية حول حرية التعبير والصحافة، موضحا أن جمعية "حقوق وعدالة" تعمل على وضع إطار قانون في المغرب يحمي حرية التعبير. أما عبد العزيز النويضي، الأستاذ الجامعي والمحامي والمستشار بجمعية "حقوق وعدالة"، فيرى أن "القضاء أهم من قانون الصحافة، لأنه يتحكم فيها"، مشيرا إلى أن أكثر التهم التي توجه للصحافيين هي "نشر الأخبار الزائفة، والمس بالوحدة الترابية والمؤسسة الملكية والقذف". وسجل أن "الإعلام السمعي البصري مازال تحت الوصاية السياسية ويقصي الرأي المخالف، فيما يتعرض الإعلام المكتوب لكثرة القوانين وقلة التعددية، والإعلام الإلكتروني ليس إعلاما حقيقيا مستقلا". في السياق نفسه، قال سمير أيت أرجدال، رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، ورئيس المركز المغربي للمعالجة التشريعية والحكامة القضائية، إن حرية الصحافة مستجد من مستجدات دستور 2011، إذ تحدث الفصل 28 منه عن حرية الصحافة وعن تقييدها، موضحا أنه جرى "وضع قوانين تضييق عبر الصحافة، بينما الدستور عن تصنيفات إيجابية للحرية، واتسام الصحافي بالإبداع الفكري والثقافي، والحق في الوصول إلى المعلومة، معتبرا أن حرية الصحافة "حق مضمون، وهي ممارسة للديموقراطية". وحسب أيت أرجدال فإن "السلبيات تتجلى في أن التغطية الإعلامية مقيدة باستحضار النصوص القانونية، إذ يتعين على الصحافي، أثناء ممارسة المهنة، التقيد بالمراقبة القضائية، وبالسلوكيات الأخلاقية، واستحضار القيم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حسب الدستور في المادة 65، وبالتالي يجب على الصحافي ان يكون موسوعيا وثقافيا". وخلص إلى أن "حرية التعبير مقيدة بامتياز، وهي تحت المراقبة القضائية، بسبب الدور السلبي الذي يلعبه القضاء في الإعلام".