نظرا لهالتها وتأثيرها في أجزاء واسعة من العالم العربي الإسلامي، تقوم الصوفية، باعتبارها بامتياز مدرسة للروحانية والحكمة، بدور جوهري في محاربة التطرف والتعصب ونشر قيم السلم والتسامح والوسطية التي يدعو إليها الإسلام في صفوف أتباعها. وبالفعل فإن تفشي العنف المذهبي الذي تغذيه تيارات متطرفة تسعى لترويج أطروحاتها الهدامة لدى السكان مستغلة القصور القائم في التربية والتأطير الديني، يجعل من الضروري "تفعيل دور التصوف في إشاعة الأمن الروحي، ونشر قيم المحبة والوئام، وتطهير النفوس من جذور التعصب والحقد والكراهية"، كما أبرز ذلك جلالة الملك محمد السادس أمير المؤمنين في الرسالة التي وجهها إلى المشاركين في الاجتماع الثالث لأتباع الطريقة التجانية بمدينة فاس (ما بين 14 و16 ماي الجاري). وسيتيح الاجتماع بالأساس مناقشة كيفية تمكين الطريقة التيجانية، إحدى الزوايا الصوفية الأكثر تأثيرا، من خلال أزيد من 300 مليون من أتباعها فقط في إفريقيا، من أداء هذه المهمة التربوية والروحية التي تكتسي أهمية كبرى في الحفاظ على استقرار المجتمعات ورفاهية وسكينة الأفراد. وشدد جلالة الملك على أن "هذا المطلب الملح، لا يمكن أن يتحقق إلا بالتعبئة الجماعية لكافة الدعاة إلى الإسلام الوسطي، ومنهجه السني في ديار الإسلام لسد الطريق أمام دعاة التطرف والإرهاب والتجزئة والانقسام، والمذاهب الضالة"، من أجل "رفع تحدي التطرف الأعمى ونزوعات الانفصال والانقسام". وانطلاقا من الأفكار المؤسسة والتعاليم الخاصة بهذه الحركة الصوفية التي شكلت باستمرار مصدر أمن روحي لأتباعها وحصنا أمام التطرف والظلامية، فإن التيجانيين مدعوون، حسب الرسالة الملكية، إلى "رسم خطط العمل للنهوض بالتربية الروحية بما يلائم المستجدات"، والذي يشكل فعلا أحد القضايا التي سيتطرق إليها المشاركون في هذا الاجتماع الثالث. ويتعلق الأمر بورش مهم جدا لدى إمارة المؤمنين، باعتبارها مؤسسة تعمل على إرساء ممارسة دينية سليمة وفق تعاليم القرآن والسنة بعيدا عن جميع أشكال التطرف وغياب التسامح. وتجسد ذلك فعلا عبر مبادرة جلالة الملك محمد السادس أمير المؤمنين التي تهم تكوين 500 إمام مالي في المغرب، وقرار جلالته الاستجابة لطلبات بلدان أخرى كغينيا وتونس وليبيا التي قدمت أخيرا، طلبات تعاون مع المغرب في مجال تدبير الحقل الديني، مما يعكس جاذبية التجربة الدينية المغربية القائمة على الإسلام الوسطي والداعية للاعتدال والتسامح عبر تعزيز قدرات المستفيدين في مجال التأطير الديني للسكان ونشر قيم الانفتاح والتعايش السلمي.