صدر مؤخرا كتاب جديد لإدريس الكراوي بعنوان "إشكالية التشغيل، مقاربات وتوجهات". ويشكل الكتاب الجديد، الصادر عن منشورات جمعية الدراسات والأبحاث للتنمية، ثمرة تأملات تشمل فترة تمتد على مدى تلاثين سنة، يقف من خلالها المؤلف على تطور الجوانب الرئيسية للفكر الاقتصادي حول هذه الاشكالية، وذلك من خلال رصد المعالم الجوهرية التي طبعت ولاتزال تطبع السياسات العمومية لانعاش التشغيل. ولهذا الغرض، يرتكز الكتاب على دراسة المحددات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية لهذه السياسات، محللا أبعادها المرتبطة بأزمة منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتجلياتها المجالية، مبرزا نوعية التحديات التي تطرحها عولمة المبادرات وتحرير البنيات الانتاجية على مستوى الشغل، ومستخلصا عبر كل هذا التوجهات المستقبلية الضرورية، والآفاق الممكنة لانعاش الشغل بصفة عامة، وإدماج الشباب على وجه الخصوص محليا ووطنيا ودوليا. ويختم المؤلف، الذي يشغل حاليا منصب الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، هذه الدراسة بقناعة مفادها أن النظام الاقتصادي العالمي الحالي يوجد أمام نفق مسدود حقيقي يتجلى في احتدام مفارقات وتناقضات تجعله أمام استحالة موضوعية للتحقيق المتوازي للنمو والتشغيل التام لمجموع الساكنة النشيطة التي تلج سنويا الاسواق الوطنية والدولية للشغل. وبناء عليه، يحث المؤلف في خاتمة الكتاب، الجيل الجديد من الساسة المنفتحين على قضايا العصر، والمؤسسات المعنية بقضايا التشغيل على ضرورة إحداث قطيعة مع النموذج الاقتصادي والاجتماعي الذي ميز كافة مكونات السياسات العمومية لانعاش التشغيل، خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين، هذا النموذج المرسى على قاعدة العلاقة الأجرية وعلى فرضية التشغيل التام. ومبعث هذا التوجه، الذي يعتبره المؤلف أمرا لا مندوحة عنه، في الايمان الراسخ بحتمية تطوير أنماط للإنتاج والتبادل تؤسس للمرحلة ما بعد الصناعية التي يعرفها النظام العالمي الحالي، والتي بإمكانها، إن توفرت لها كافة الشروط، أن تؤدي إلى ميلاد نهضة اقتصادية جديدة من شأنها أن تفتح آفاقا واعدة لأشكال نوعية من الادماج المهني والاجتماعي قد تفرز جيلا جديدا من نماذج النمو والتنمية ذات آثار جذب إيجابية في مجال إنعاش التشغيل، خاصة لفائدة الشباب. والسيد الكراوي أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد الخامس أكدال بالرباط ومستشار سابق برئاسة الحكومة (1998 - 2011) ، وعضو المكتب التنفيذي للمجلس العالمي للعمل الاجتماعي، رئيس جهة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.