كشف تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حول "الارتقاء بمهن التربية والتكوين والبحث العلمي" أن منظومة التربية والتكوين تعرف صعوبات وإشكاليات بنيوية ناتجة عن تراكم عدة اختلالات شابت تدابير المهن التربوية، من بينها اختلالات تهم رصد الحاجات والتوقعات من الخصاص في الأطر التربوية. وأشار التقرير، الذي قدم أمس الثلاثاء، في لقاء تواصلي، عقده المجلس بمقره بالرباط، أن الحاجات المستقبلية من المدرسين حسب معطيات قطاع التربية الوطنية، ستصل إجمالا في الفترة بين 2017 و 2030 إلى ما يزيد عن 124 ألفا و 500 مدرسة ومدرسا بشكل متفاوت حسب الأسلاك والسنوات، فيما ستصل حالات التقاعد في الفترة ذاتها إلى 73 ألفا و 500 مدرسة ومدرسا، ما يُبين أن ثلث الهيئة الحالية سيتجدد في أفق 2030 ، وإذا أضيفت إلى ذلك عدد الإحالات على التقاعد النسبي التي ينتظر أن يعرفها التعليم المدرسي خلال هذه الفترة، فإن نسبة التجديد مرشحة لتصل إلى نصف الهيئة الحالية. كما توقف التقرير، الذي أعد بشراكة بين اللجنة الدائمة لمهن التعليم والتكوين والتدبير وبين قطب الدراسات والبحث،عند الضعف في ملاءمة المواصفات المهنية للفاعلين التربويين والنقص المتزايد في التأطير المهني للفاعلين والفاعلات، وضعف تحصين المهن التربوية من بعض الظواهر ذات الصلة بالتنظيم المؤسساتي أو المخلة بنبل المهن التربوية وقدسية الفضاء المدرسي. كما سجل التقرير اختلالات تتعلق بالمؤسسة، وعلى رأسها هيمنة التدبير الممركز، والتوزيع الجغرافي اللامتكافئ للموارد البشرية، فضلا عن اختلالات تتعلق بتقييم الفاعلين ومن أهم تجلياتها الافتقار لمعايير موحدة ودقيقة، وغلَبة المراقبة التربوية وعدم انتظامها، وربطها بالترقية. من هذا المنطلق اقترح التقرير إطارا استراتيجيا للارتقاء بمهن التربية والتكوين والبحث والتدبير، يقوم على ثلاثة مرتكزات اعتبرها المجلس مجالات متداخلة لإطلاق دينامية التغيير، وتهم المهننة كشرط لازم لتأهيل الفاعلين التربويين وفق مواصفات وأدوار وقيم مهنية تستجيب لمتطلبات الجودة وانتظارات المجتمع، فيما يهم المرتكز الثاني، المؤسسة التربوية القائمة على الاستقلالية وثقافة المشروع والتكامل الوظيفي بين المهن وتنمية الحياة المهنية، ويقوم المرتكز الثالث على التقييم المندمج متعدد الصيغ والأساليب لأداء الفاعلين التربويين ومردودية المؤسسات التربية والتكوين، على اعتبار أن التقييم المنظم والمنتظم للعمل والاداء التربويين في مختلف المهن، منطلقا أساسيا لترسيخ الوعي بمسؤولياتهم المهنية، وتأهيلهم المستمر والتمكين من التتبع المثمر للفعل التربوي داخل المؤسسة، ولأجل الارتقاء بوظائف هذا التقييم المندمج. ويقترح هذا المرتكز الأخير مداخل، الأول يهم تقييم الأداء المهني الفردي، والثاني يهم تقييم العمل الجماعي للهيئات المهنية وأداء المؤسسة التربوية ومردوديتها، فيما الثالث يتعلق بالتقييم الذاتي للفاعلين والمؤسسات بناء على مؤشرات الجودة الكاملة التي يقضيها تحسين أدائها وتعزيز موقعها بين باقي المؤسسات. وللارتقاء بمهن التربية والتكوين والتدبير والبحث من خلال المهننة والمؤسسة والتقييم لكي تسهم المنظومة التربوية بفعالية في تحقيق التنمية المجتمعية، أوصى المجلس بعدد من التوصيات، من بينها توخي الشمولية في التعاطي مع التوصيات والمقترحات الواردة في التقرير، واعتماد آلية التعاقد حول مشاريع التغيير وفق الغايات المرسومة في التقرير، علاوة على نهج تدبير قائم على المواكبة والحفز ورصد النتائج والمسؤولية والمحاسبة، وتعزيز المنهج اللامركزي في التدبير، وتنسيق القطاعات المعنية بالتربية والتكوين والبحث العلمي عند إعداد التدابير الاجرائية للتفعيل مع الوزارات المكلفة بتحديث القطاعات العامة ووزارة المالية والأمانة العامة للحكومة. كما أوصى التقرير، على مستوى التفعيل، بتسطير خطة عمل تمتد على المدى القصير أو المتوسط يتم تخصيصها للتدابير ذات الأولوية، وإطلاق برنامج لتأهيل الفاعلين التربويين المزاولين حاليتا بالقطاعين العام والخاص، بحسب خصوصيات كل قطاع من قطاعات التربية والتكوين. والعمل على استكمال سد الخصاص من الفاعلين التربويين وتدبير أنجع للموارد البشرية المتوافرة محليا وجهويا.