أثار فيلم "سليمان" "رجل الشمس") (solei-man للمخرج المغربي الأمازيغي الشاب، المقيم بين إسبانيا وهولندا، محمد البدوي، جمهور مهرجان طنجة خلال عرضه في المسابقة الرسمية للفيلم الطويل. وأجمع المهتمون على أن "سليمان" من أجود الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، لا متلاك صاحبة حسا شاعريا عميقا وتقنيات سينمائية جديدة على السينما الأمازيغية تعتمد على الصورة أكثر من الحوار. عن هذا الفيلم الأمازيغي يقول المخرج محمد البدوي في حوار ل "المغربية" إنه أول فيلم يتحدث ب"الريفية" ويصور بمدينة الحسيمة، للكشف عن طبيعتها الجميلة، والقاسية في الآن نفسه، وعن معاناة سكان المنطقة مع مرض السرطان، بسبب الغازات السامة، التي ألقيت في المنطقة من طرف الإسبان، في فترة حرب الريف. ويضيف أن"سليمان" فيلم روائي طويل من إنتاج مشترك مغربي وإسباني، من تأليف وإخراج محمد البدوي، الذي شارك فيه بدور "سليمان" إلى جانب ممثلين أجانب، ومغاربة غير معروفين، مثل الممثلة المسرحية أنيسة إيكري، والطفل عمر بوعمار. ولتقريب مخرجه للقراء، فإن صاحب الشريط من مواليد سنة 1979 بمدينة الحسيمة، بالريف المغربي، عاش طفولته بين هولندا وإسبانيا، حيث حصل على ماستر في السمعي البصري بجامعة مدريد، تقدم "المغربية" هذا الحوار. من أين جاءتك فكرة فيلم "سليمان" وما سبب هذه التسمية؟ هي قصة واقعية لشخص يدعى "سليمان"، لكنها ليست سيرة ذاتية، بل معاناة عاشها سكان الريف في الماضي جراء الاستعمار الإسباني، الذي تسبب في انتشار مرض السرطان بسبب استخدام قنابل كيماوية والغازات السامة لردع مقاومة الريف. بعد عودتي من هولندا التي قضيت بها 25 سنة، فوجئت بعدم تغير الأحوال، لذا كان لزاما علي تقديم شيء ينقل معاناة هذه الفئات المتضررة من المجتمع المغربي، ومساعدتها بعض الشيء عن طريق الترويج لمناطق الريف والحسيمة وما تزخر به من مؤهلات طبيعية تجعل منها قبلة سياحية رائعة. هل واجهتك صعوبات في إنتاج هذا الفيلم؟ إنتاج الأفلام غالبا ما يتطلب إمكانات مادية كبيرة، لكن ميزانية فيلم "سليمان" كانت في المتناول، لأنني بدأت في تصويره من مالي الخاص وبتجهيزات عادية، زد على هذا صعوبة إيجاد منتج يتبنى عملي وهو أول تجربة لي، وبالتالي كان من الصعب كسب ثقة أحد المنتجين أو الدفع بهم للمغامرة في تجربة بهذا الشكل، لكن إصراري، رغم انسداد جميع الأبواب في وجهي، فتح أمامي بوابة أخرى تمثلت في أربعة منتجين إسبان مولوا هذا الفيلم. وماذا عن صعوبات التصوير؟ واجهتني صعوبات عديدة خلال التصوير، منها صعوبة التنقل في مناطق الريف نظرا لطابعها الجبلي، وعدم توفرها على طرق معبدة تسهل عملية التنقل، علما أن جميع مشاهده صورت إما في الجبل أو في البحر، بالإضافة إلى عدم قدرتي على تصوير بعض المشاهد في مناطق محددة لأسباب أمنية، من ناحية أخرى كانت لي بعض المشاهد التي أردت تصويرها في المستشفى العمومي لكن القائمين على مستشفى محمد الخامس بالحسيمة رفضوا الأمر ما اضطرني إلى تصويرها في مستشفى خاص، وكذا إظهار العلامة التجارية لهذه المستشفى اعترافا بالجميل. هل توقعت نجاح الفيلم في هذه الدورة من مهرجان طنجة الوطني؟ لم أكن أتوقع هذا التجاوب الكبير مع الفيلم، فعلا سبق وحقق "سليمان" في مهرجان القاهرة نجاحا وإقبالا جماهيريا واسعا، لكنني لم أكن أنتظر نجاحا بهذا الشكل بالنسبة للمهرجان الوطني، فالجمهور تتبع الفيلم حتى النهاية وصفق له كثيرا، كما أن المهتمين أثاروا نقاشا عميقا حول الفيلم، زيادة على الاهتمام الإعلامي اللافت بهذا العمل، الذي لا يزيدني سوى إصرارا على تقديم المزيد. هل سيدفعك هذا النجاح إلى إخراج أعمال أخرى؟ فيلم "سليمان" مجرد بداية أما الآن فلدي فيلمان أولهما كتبته بالريفية والثاني بالإسبانية وتتمحور أحداثه حول الأزمة المالية الخانقة التي عصفت باسبانيا ومدى انعكاسها على وضع المغاربة المقيمين هناك، وهو محاولة لعكس واقع معيش لمسته من خلال هجرتي واستقراري بالخارج لمدة طويلة. كيف ترى واقع السينما في الريف؟ فيلم "سليمان" هو أول فيلم ريفي بكل مكوناته، حيث سبق وصورت العديد من الأفلام، لكنها لم تكن أفلاما ريفية، بل كانت هذه المنطقة مجرد مسرح لتصوير هذه الأعمال، كما أن الحديث عن سينما ريفية لم يكن مثارا بالمرة، منذ رحيل الاستعمار هدمت قاعات السينما وعوضت بدور للسكن، وهو ما يبرر غياب ثقافة سينمائية في هذه المناطق. ما السبيل للنهوض بمنطقة الريف سينمائيا؟ من الممكن النهوض بالسينما في أي مكان حول العالم عبر إيصالها للناس، وهذا ما حاولت فعله بعد دعوتي لعدد من المهتمين بالشأن السينمائي والعاشقين لهذا النوع من الفن كي يمضوا فترة تدريب على مستوى التمثيل وكذا تقنيات التصوير، تزامنا مع تصوير فيلم "سليمان"، ولعل من ثمار هذه الخطوة صدور عمل ريفي آخر تحت عنوان "وداعا كارمن" للمخرج محمد العمراوي، الذي كان حاضرا في تصوير فيلمي، واشتغل مع فريق عملي بعد حوالي أربعة أشهر. وهو من أهم الأفلام المغربية المشاركة في المهرجان، كما سبق له المشاركة في العديد من المهرجانات العالمية. بعد أدائك دور البطولة في فيلمك الأول، أيمكنك قبول المشاركة في عمل مغربي كممثل وليس مخرجا؟ بالفعل هذا شرف لي، في السابق دعيت للعب دور في فيلم مشترك بين إسبانيا وإيطاليا وقبلت العرض، فلم لا أقبل الاشتغال مع مخرج مغربي، لكن يبقى شرطي الوحيد لقبول أي دور كان هو اقتناعي به وبقدرتي على تجسيده، للحفاظ على صورتي وبدايتي هذه، وحرصا على منتوج المخرج الذي قد يدعوني للعب دور قد لا يتماشى مع أفكاري وقدراتي. ما رأيك في السينما المغربية؟ في اعتقادي السينما المغربية في تقدم مستمر، لكنني أناشد المخرجين الشباب من أجل خلق سينما جديدة وتفادي التكرار الذي يتفشى في هذا المجال بسبب استمرار الوجوه نفسها في الساحة السينمائية، وأملي كبير في المبدعين الشباب لخلق أفلام جديدة تتصف بالعالمية، بحيث تكون لها القدرة على مجابهة كبار السينما عبر العالم عبر المشاركة في مسابقات رسمية لمهرجانات دولية مثل كان والبندقة وبرلين. هناك من يقول إن السينما تعيش أزمة تمويل وليس إبداع، فما رأيك؟ لا يمكن للتمويل أن يكون مبررا لغياب الإبداع، فمع وجود إبداع يتبخر الحديث عن التمويل، فمثلا كيم كيدوك مخرج كوري ومنتج في الوقت نفسه لا يقدم سوى أعمال صغيرة وبسيطة بإمكانيات عادية، لكنها قمة في الإبداع ما يجعله دائم الحضور في كان وبرلين وغيرهما من المحافل العالمية. هل تتطلع إلى التتويج، وكيف تنظر إلى جوائز المهرجان؟ في اعتقادي جوائز المهرجان تحفيز مهم للفنان والمبدعين، والحصول على إحداها ما هو إلا دفعة معنوية تجبرني على تقديم المزيد.