صار مألوفا أنه كلما اشتد الخناق حول الماسكين بزمام الأمور في الجزائر، واستشعروا الخطر بسبب الغليان الداخلي إلا بحثوا عن تصريف خارجي. وصار مألوفا، أيضا، أن يكون المغرب المصب، ورغم أن هذه اللعبة صارت مكشوفة، فإن قلوب من يكنون العداء للمغرب عميت، أيضا، وليست أبصارهم فقط، ولم يتنبهوا إلى ذلك، فصاروا يكررون المشهد نفسه. لكن الجزائر فضحت نفسها هذه المرة أمام العالم، وهي تتاجر بشكل بئيس بمعاناة اللاجئين السوريين، الذين طردتهم من ترابها نحو المغرب عبر حدوده الشرقية المغلقة، لأنها تفصح عن دعمها لنظام بشار، عبر هذا السلوك الانتقامي. إن السلطات الجزائرية، مع كامل الأسف، لم تأخذها الرأفة بهذه الفئة من أبناء الشعب السوري الشقيق، التي اعتبرت نفسها محظوظة، بعد أن تمكنت من الفرار من جحيم قنابل جيش النظام السوري بقيادة بشار الأسد، الذي شن حرب إبادة في حق كل من عارضوه، ومن ساقهم حظهم السيء إلى المواقع المستهدفة، هذه الفئة من الأشقاء توسمت الخير في كل البلدان لذلك تفرقت شيعا، لكن الذين قادتهم الظروف نحو الجزائر، التي لنظامها باع طويل في الطرد بطرق مهينة، واجهوا موقفا لم يكن في حسبانهم، إذ لم يتخيلوا أن من يدعون دعم الشعوب لتقرير مصيرها، لن تأخذهم بهم رأفة ولن ترق قلوبهم لا للنساء ولا الأطفال أو الرضع، إلى أن أماط مسؤولو الجزائر اللثام عن وجوههم القبيحة، وهم يكررون المشهد المألوف، ألا وهو الطرد نحو المغرب، واتباع سياسة النعامة، إذ أن الجارة الشرقية عمدت إلى تهجيرهم في ظروف صعبة على دفعات نحو المغرب، كما كانت تفعل في السابق مع أبناء دول إفريقيا جنوب الصحراء، الذين كانت ترمي بهم بلا رحمة في فيافي الصحراء أو على الحدود مع المغرب، ومع ذلك تلصق ببلدنا أفعالها التي لا تمت للإنسانية بصلة. ولأن الغاية هي التصريف الخارجي للمشاكل، التي باتت قابلة للانفجار في وجه مسؤوليها رغبت الجزائر في جر المغرب إلى السجال فاستدعت بدورها سفير المملكة لديها محاولة منها إخفاء الشمس بالغربال، لتوهم الشعب الجزائري الشقيق بأن الخطر ليس هو نهب ثرواته وتركه يواجه كل أصناف المشاكل الاجتماعية، بل إن الخطر الحقيقي هو المغرب، فتكيل له التهم الموجودة في خيالها المريض. الخطر الذي يشكله المغرب على الجزائر ولا يريد قادتها أن يعترفوا به هو أنه يشهد نماء، وتحولات اجتماعية في إطار مشروع مجتمعي يضع المواطن في دائرة الاهتمام، رغم أنه ليس بلدا بتروليا، بل إن فاتورة الطاقة تستنزف منه الكثير، في حين يسمع الشعب الجزائري جعجعة البترول والغاز، ولا يرى طحنا، ويتساءل دائما عن سر التحول في المغرب والتعثر في الجزائر، رغم الاختلاف من حيث سخاء الطبيعة في البلدين. أمام ما سلف كان أمام الجزائر خياران إما أن يكف الجاثمون على صدور أبناء الشعب الشقيق عن الاستنزاف ويمكنوه من العيش في ظروف جيدة، وإطلاق مشاريع تعود عليه بالنفع، وهو الخيار الأفضل، أو أن يستبلدوا شعبهم ويوهموه أننا فعلا خطر محدق بهم، وأننا وإن كنا ساهمنا في استقلال بلدهم لا نحتهم ونستهدفهم و... وهذا طبعا خيار خاطئ، لكن من يعيشون الألفية الثالثة بعقلية مرحلة الحرب الباردة آثروه. من يفضل الخيار الخاطئ لا يمكن له إلا أن يخطئ، ومن خطايا قيادة الجزائر اعتقادها أن المغرب سيرد على فعلتها الدنيئة بمضاعفة إهانة الأشقاء، الذين ينزف القلب، ويعتصر ألما، لما لحقهم من أذى من نظام بشار، ويعيدهم إليها لتلعب ورقة مكشوفة وتلصق به تهمة التصرف غير الإنساني، لكن ذكاء القادة الجزائريين الذين يشكل لهم المغرب عقدة حقيقية خانهم هذه المرة، لأنهم تناسوا أن مغرب الألفية الثالثة منفتح بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويحترم التزاماته، فالبلد الذي تتحين الجزائر الفرصة للإساءة له، قطع شوطا مهما في مجال التعامل مع المهاجرين، وتمتيعهم بالكثير من الحقوق، تفعيلا لرؤية جلالة الملك في مجال سياسة الهجرة، التي يشهد العالم بأنها لم تبق حبرا على ورق، فبعد الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، الذي أعلن فيه جلالته عن مبادرته حول الهجرة نظمت المملكة اجتماعا حول هذا الموضوع بمقر الأممالمتحدة، لشرح المبادرة الملكية لسياسة الهجرة، التي تأخذ كرامة الإنسان بعين الاعتبار وتتميز بطابعها متعدد الأبعاد، وقبل أن تحل اللحظة التاريخية التي حياها العالم، حظيت المبادرة بحظ وافر من الثناء من قبل قادة الدول والهيآت الدولية، وما هي إلا أسابيع معدودة حتى هيأ المغرب كل الوسائل التي تكفل للمهاجرين الموجودين في وضعية غير قانونية تسوية وضعيتهم، وهو ما جعل المغرب الذي كان وما يزال محط اهتمام عالمي يكبر أكثر في كل العيون، في حين شكل قادة الجارة الشرقية الاستثناء. إن الجيران واهمون وهم يعتقدون أن المغرب الذي خطا خطوات إلى الأمام قد يتراجع ملمترا واحدا إلى الوراء ويعامل الأشقاء السوريين بطريقة يستهجنها. السلوك غير الإنساني، وغير الأخلاقي للنظام الجزائري، رفضه المغرب واحتج عليه بطريقة حضارية عبر استدعاء سفيرها بالمملكة لم يرق للحكام إياهم، فشرعوا في تأليف حكايات الخيال العلمي، زاعمين أن المغرب هو الذي طرد سوريين عبر حدوده مع الجزائر و... لكن ترى ما عساهم يقولون بخصوص الجوازات المختومة في مطار هواري بومدين، والتي تدون، أيضا، المغادرة التي جرت عبر حدود مغلقة، إنهم يدورون مع الأسف في حلقة مفرغة. أما المغرب فأرسل مساعدات إنسانية للاجئين السوريين في الأردن وتركيا، وأقام مستشفى في مخيم الزعتري في الأردن، حيث تقدم الخدمات الطبية لأبناء الشعب السوري الشقيق، وتخفف عنهم العناء، وقبل أن تفتعل الجزائر قصة طرد السوريين حل الكثير منهم ببلدنا ومازالوا بيننا نتنافس في الإحسان إلى المحتاجين منهم. إن بلدنا يساعد اللاجئين السوريين في مناطق بعيدة عنه فكيف يمكن له أن يطردهم وهم في أرضه، إن كرم المغاربة سارت بذكره الركبان، وللذين يرغبون في المتاجرة بمعاناة اللاجئين السوريين نقول أسأتم إلى أنفسكم، أما نحن فأبوابنا مفتوحة وستظل كذلك بدون رياء والله من وراء القصد.