أسدل الستار، مساء يوم الأحد المنصرم، على معرض الصناعة التقليدية المغربي، الذي احتضنه على مدى أسبوع الحي الثقافي (كتارا) في العاصمة القطريةالدوحة، حيث شهد إقبالا جماهيريا كبيرا على فعالياته المتنوعة، سواء من أفراد الجالية المغربية المقيمة في قطر، أومن سكان الدوحة، قطريين كانوا أم مقيمين. شهدت هذه التظاهرة الثقافية مشاركة ما يزيد عن 20 حرفيا تقليديا جاؤوا من مختلف أقاليم المملكة ليقدموا معروضاتهم، التي تكشف ما يتمتع به المغرب من إرث حضاري عريق ومتنوع، يتناسب مع خصوصيات كل جهة، لتشمل الأعمال الحرفية مجالات عدة، من ضمنها الفخار والأواني النحاسية، والمنتوجات الجلدية والنسيجية والخشبية، وصناعة الزيوت (الأركان)، علاوة على الملابس التقليدية. وأعجب زوار عرض الصناعة التقليدية بما تبدعه أنامل الحرفيين المغاربة (رجالا ونساء) من تحف فنية بديعة وفي غاية الروعة والجمال، تنم عن مدى احترافية هؤلاء (المعلمين) في إضفاء طابع التفرد على تحف قل نظيرها، ما جعل الزوار الذين ضاقت بهم أروقة المعرض يتسابقون لاقتنائها. وأضفى رواق الحرف التقليدية، بما يقدمه من لوحات فلكلورية وأغان تراثية دفئا غير مسبوق على الحي الثقافي (كتارا)، ما جعله قبلة مفضلة لدى سكان الدوحة، في ظل ما تشهده هذه الأخيرة من أجواء باردة عند المساء. ومما زاد الرواق دفئا وإقبالا، الأهازيج الفلكلورية الشعبية التي أبدعتها على مدى أسبوع كامل الفرق التراثية، التي أثثت بأغانيها جنبات الرواق، وأضفت أجواءا بهيجة تفاعل معها الحضور الغفير، حيث قدمت الفرق المشاركة على مدى أزيد من ثماني ساعات لوحة فنية غنية لتراث حضاري متفرد. هكذا، ألهبت فرقة (كناوة) برئاسة المعلم إبراهيم بامبرا، حماس الحضور الغفير، الذي استمتع بأنغام موسيقى كناوة الأصيلة، المتميزة بقوة الإيقاع والرقصات الفنية الباهرة، وتغنت هذه الفرقة بأشهر أغاني المعلمين الكناويين من أمثال حميد القصري وباقبو وغيرهما. كما استمتع الجمهور بفن الحضرة العرائشية، حيث قدمت خلاله الفرقة النسوية للأمداح من مدينة العرائش قصائد في مدح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وشذرات من فن المديح والسماع، شدت أنظار الحاضرين لطابعها المتميز وغير المألوف لدى سكان الدوحة من قطريين ومقيمين. ومن أقوى اللحظات التي ميزت الأمسيات الساهرة التي يشهدها معرض الصناعة التقليدية في الدوحة، معاينة الحضور الطقوس المصاحبة للعرس المغربي، حيث عمد المنظمون إلى تمثيل هذه الاحتفالية، من خلال عروس المغربية بلباسها التقليدي (القفطان) محمولة على العمارية، تتقدمها مزينتها (نكافة)، على إيقاعات الأغاني التراثية التي ترافق عادة هذا الصنف من الاحتفالات . فقد كانت هذه التظاهرة فرصة قيمة اطلع من خلالها الجمهور على صورة مصغرة عما تعرفه ساحة (جامع الفنا) بمراكش من نوادر وطرائف مستمدة من التراث الشعبي المغربي، عند التقائهم في ما يعرف بالحلقة التي أسست لفن شعبي عريق اعتمد طويلا على الحكي وبراعة الإيماء والتشخيص ليجمع بين الفكاهة والحكمة والفرجة. وأجمع الحضور من أفراد الجالية المغربية ومواطنين قطريين، إضافة إلى المقيمين من سكان الدوحة، على أن أسبوع الصناعة التقليدية في الدوحة كان متميزا، لكونه أفلح في إطلاع الجمهور على أحد أوجه الثقافة المغربية، وهي الحرف التي لا تمثل مجرد مصنوعات فحسب، بل هي تختزل في دواخلها موروثا ثقافيا وحضاريا كبيرا وعميقا، وتقدم صورة مصغرة عن تاريخ عظيم لحضارة مغربية عريقة وأصيلة.