وقف تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تشخيص للخدمات الصحية بالمغرب، عند مجموعة من نقاط ضعف هيكلية على مستويات عدة تهم تدبير وتنظيم شبكة المؤسسات الصحية العمومية، وتثمين الموارد البشرية المخصصة لها، وولوج المواطنين إلى الأدوية. وانطلاقا من هذا التشخيص، الذي اعتمد على معطيات لوزارة الصحة، ونتائج دراسات ميدانية لمنظمات وطنية سبق تداولها، خلص التقرير، الذي يقدم فيه المجلس رأيه المتعلق بالإحالة الموجهة من طرف رئيس الحكومة حول "الخدمات الصحية الأساسية، نحو التعميم والمساواة في الولوج"، إلى مجموعة من التوصيات، أبرزها إعادة تنظيم شبكة المؤسسات الصحية الأساسية، عبر تعزيز التغطية على الصعيد الوطني، مع إيلاء اهتمام خاص لسكان المناطق القروية والمعزولة، وتفعيل الجهوية كمبدأ أساسي في التخطيط وإدارة الخدمات الصحية، وتمكين الجهات من الموارد البشرية اللازمة. كما أوصى التقرير، الذي قدمه المجلس في ندوة صحفية أمس الاثنين بالرباط، بإعداد إطار قانوني وتنظيمي، يساهم في تطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ووضع آليات المراقبة والتتبع، ومحاربة أوجه اللامساواة في الولوج إلى العلاجات الصحية، والوقاية من الرشوة ومحاربتها، عبر تبني مقاربة استراتيجية شاملة. وأكد المجلس على أهمية تفعيل القانون الإطار09-34 المتعلق بالمنظومة الصحية والعرض العلاجي، وتحديد الخريطة الصحية الوطنية، والخرائط الجهوية للعرض العلاجي، وإقرار استراتيجيات قطاعية مندمجة للوقاية، مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة التلقائية الوقائية من الأمراض غير المنقولة، وأشكال العجز والإعاقة. وفي ما يتعلق بالأدوية، دعا المجلس إلى تسريع إعداد وتفعيل السياسة الوطنية للدواء، مع إشراك كل الفاعلين، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الأدوية، ووجود نظام غير فعال لتخزين وتوزيع الأدوية، إلى جانب أن توصيف الأدوية في مؤسسات الخدمات الصحية الأساسية يحتاج إلى الترشيد والعقلنة. وأوصى المجلس بالاستثمار بكثافة في الموارد البشرية، مع إضفاء الصبغة الجهوية على قدرات التكوين والتوظيف، وتثمين الطب العام، وإقرار تدابير تحفيزية لاستبقاء المهنيين المعالجين في المناطق الفقيرة، ودعم وتطوير آليات التمويل، عبر إدماج تمويل الخدمات الصحية في نظام التغطية الصحية الأساسية للرفع من قدراتها. وقال نزار بركة، رئيس المجلس، إن "هذا التقرير يعد مقاربة شمولية مندمجة، تأخذ بعين الاعتبار الانتظارات والإشكاليات المطروحة على أرض الواقع، وتتماشى مع مبادئ الدستور، بأن يكون هناك تطبيق للجهوية المتقدمة، وبُعد ترابي للسياسات العمومية، وتنسيق ترابي، ما قد يساهم في التقليص من الكلفة الصحية". واعتبر تقرير المجلس أن "الولوج المنصف إلى علاجات صحية أساسية ذات جودة، سواء في الوسط الحضري أو القروي، يعد هدفا يصعب بلوغه، بسبب التعقيد في مجال الصحة، والإكراهات العديدة، التي تعانيها المنظمة الصحية". ويرى المجلس أن التغلب التدريجي والفعال على هذه الصعوبات، يستوجب قيادة إصلاح جذري للمنظومة الصحية، مدعومة بإرادة سياسية حازمة، وتوسيعا تدريجيا للتغطية الصحية.