سيظل التاريخ يذكر أن الزعيم الإفريقي الراحل نيلسون مانديلا واحد من أصدقاء المغرب الأوفياء، الذين وجدوا في بلدنا خير سند لهم، وظلوا يعترفون بالدور التاريخي الذي لعبه المغربي في كفاحه ضد الميز العنصري، لأن المغرب ومانديلا لم يكتبا تاريخا فحسب بل صنعا تاريخا عصيا على النسيان. وأبرزت البرقية التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، إلى جاكوب زوما، رئيس جنوب إفريقيا، إثر وفاة نيلسون، أول رئيس لجمهورية جنوب إفريقيا لفترة ما بعد الميز العنصري، العلاقة التاريخية للمملكة المغربية بالفقيد. وأعادت إلى الأذهان الدور الحيوي للمملكة وروح المسؤولية المتبادلة، إذ وجد الزعيم مانديلا في المغرب خير سند له في كفاحه ضد العنصرية والميز، ونضاله من أجل بناء جنوب إفريقيا جديدة. لن ينسى التاريخ أبدا أن نيلسون مانديلا توسم خيرا في المغرب في فجر استقلاله، وهو الذي عرف عنه دعمه للكثير من البلدان الإفريقية في مواجهتها الاستعمار، فحل بالمملكة سنة 1962، أي بعد مضي عام على اعتلاء جلالة الملك الراحل الحسن الثاني العرش، راجيا المساعدة، وهو الأمر الذي لقي ترحيبا من جلالته. وسيظل التاريخ يذكر أن دعم المملكة فاق توقعات وتطلعات المناضل الإفريقي، الذي نهل الكثير من التجارب المغربية في الكفاح، شأنه شأن رفاقه في منظمة المؤتمر الوطني الإفريقي، الذين وجدوا في المغرب خير سند لهم، فتنوع الدعم والمساندة بين المعنوي والمادي واللوجستي، وتمثل ذلك في تمكينهم من السلاح وتدريبهم على استعماله لبلوغ هدفهم المنشود، ألا وهو القضاء على الميز العنصري، وهو ما عبرت عنه البرقية الملكية بأنه "كانت تربط الراحل علاقة متميزة ببلدي، الذي سانده، منذ البدايات الأولى لكفاحه ضد نظام الأبرتايد. كما أقام الفقيد لفترات طويلة بالمغرب، في أوائل ستينيات القرن الماضي، حيث نال دعما رائدا لعمله النضالي، على المستويين السياسي والمادي". وحفلت السيرة الذاتية للراحل نيلسون مانديلا بالإشارات إلى الدور الذي لعبه المغرب في مرحلة مهمة من تاريخ كفاحه ضد الميز العنصري، وهو جزأ لا يتجزأ من تاريخ جنوب إفريقيا، إذ كان الدعم الذي لقيه مزعجا لنظام الميز ما جعلها تستنطقه بشكل أساسي حول المرحلة التي قضاها في المغرب، رغبة منها في معرفة سبب اختياره العيش فيه خلال مرحلة من حياته، وما كان يفعله، وما تلقاه في المغرب من دعم... وظل الراحل مانديلا وفيا للمغرب معترفا بالدعم، بل إنه كان يؤكد أن المغرب لعب دورا مهما في تاريخ كفاحه ضد الميز العنصري، وكان عاملا من عوامل نجاح رفاقه في منظمة المؤتمر الوطني الإفريقي. وشددت البرقية الملكية على أن العلاقة التاريخية للراحل نيلسون مانديلا بالمغرب تواصلت، إذ قال جلالته في البرقية ذاتها "أصر الفقيد على زيارة المملكة في شهر نونبر 1994، للتعبير عن شكره لتضامن المغرب الكامل مع شعب جنوب إفريقيا الشقيق. وبهذه المناسبة، كان والدي المنعم جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، منحه أعلى وسام في المملكة، تقديرا لكفاحه الاستثنائي في سبيل المساواة والعدل". الواقع أن وفاة الزعيم نيلسون مانديلا والبرقية الملكية أنطقتا مرحلة مهمة في التاريخ، بل إنهما تستنهضان الهمم، وتوقظان البعض من غفوته للاعتراف بالدور التاريخي للبلدان الإفريقية ورجالتها، التي يأتي على رأسها المغرب بقيادة جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، وهو الدور الذي تعزز في عهد جلالة الملك محمد السادس، إذ أكد جلالته في برقيته إلى الرئيس الجنوب إفريقي "هذه الوشائج المتميزة، التي كانت تربط الفقيد مع شعب المغرب وملكه، عرفت المزيد من التطور بعد اعتلائنا العرش، خاصة خلال الزيارة الخاصة التي قام بها إلى الرباط في شهر غشت 2005". وتعد الزيارة الخاصة للمملكة من قبل الراحل مانديلا إشارة واضحة وصريحة إلى المكانة التي كان المغرب يحتلها بالنسبة إلى مانديلا، وتعبيرا عن الاقتناع باستمرار المغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس في لعب دوره الحيوي في القارة الإفريقية، نظرا لاعتزازه بجذوره، وإيمانه بحاجة قارته له وحاجته إلى قارته ورجالها الذين أصبحوا جزءا لا يتجزأ من تاريخها. هيأة التحرير