أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم، صلاة الجمعة بالمسجد المحمدي بالرباط، بحضور الوزير المالي المنتدب لدى وزير الإدارة الترابية المكلف بالشؤون الدينية، ثيرنو أمادو عمر ديالو. ذكر الخطيب، في مستهل خطبة الجمعة، بأن الأمة الإسلامية احتفلت قبل أيام بفاتح السنة الهجرية وفاتح صفحة جديدة في مسار الدعوة الإسلامية والرسالة الخالدة، التي شاءت الحكمة الإلهية أن تكون آخر اتصال بين الأرض والملإ الأعلى، وأن يكون صاحبها (صلعم) خاتم الأنبياء والمرسلين. وأوضح الخطيب أنه بعد ثلاث عشرة سنة من الدعوة إلى إخلاص العبودية لله، وتنقية التصورات الإيمانية للربوبية والألوهية من كل الشوائب، التي تراكمت في معتقدات الناس حقبا طويلة، وبعد معاناة الرسول الكريم، والقلة المؤمنة معه، من عناد وكفر وكيد كفار قريش، أمر الحق سبحانه بالهجرة من مكة، مسقط رأسه، إلى المدينةالمنورة، مبرزا أن الرسول هاجر رفقة صاحبه أبي بكر الصديق، وليس معه مال ولا متاع، يحمل معه فقط إيمانه وعقيدته. وأكد أنه إذا كانت هجرة الرسول حدثا تاريخيا مضى وانقضى، فإنه (صلعم) شرح لنا الهجرة في أحاديث متعددة بأنها تهم حياتنا على الدوام كأفراد وجماعات، وعلى أنها تغيير في الحياة بالخروج من كل ما هو فاسد إلى ما هو صالح، وهذا يعني أن أمام المسلم هجرات كثيرة ومتنوعة تنتظره في حياته ومعاشه، وهي هجرة الشك إلى اليقين وهجرة الوهم إلى الحقيقة وهجرة الكسل إلى العمل المثمر البناء لعمارة الأرض وبناء الحضارة وإسعاد الإنسان، ثم هجرة البغضاء والكراهية إلى المحبة والألفة، وهجرة الرذيلة إلى الفضيلة، التي تزكي النفوس وتطهر الأرواح، وهجرة التنازع والتطاحن إلى التعاون والتكافل، وإجمالا هجرة سبل الشر إلى مسالك النجاح والفلاح. وأضاف الخطيب أنه يتعين على المسلم بهذه الهجرات أن يخلد حدث الهجرة النبوية فيضع الموازين القسط والمكاييل العادلة، يميز بها بين أسباب البناء وعوامل الهدم، وبين الشر الخفي والمعلن، وبين خير الفرد والمجتمع والأمة، لأنه بهذا وحده سيحقق المعنى الأعم والأشمل للهجرة، الذي أشار إليه النبي (صلعم) في قوله "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه". وأشار الخطيب، من جهة أخرى، إلى أن من أيام الله البارزة والمشهودة في تاريخ المغرب الحافل بالأمجاد يوم السادس من نونبر، يوم انطلاق المسيرة الخضراء التي كانت ملحمة وطنية مجيدة شعارها القرآن وركيزتها الإيمان وغايتها تحرير الفرد والإنسان، وصلة الرحم مع سكان الأقاليم الصحراوية البررة الأوفياء، الذين حافظوا على التعلق بوطنيتهم المغربية الصادقة، وبرهنوا على الولاء والإخلاص لملوك الدولة العلوية الشريفة، والتشبث بالوفاء بالعهد الذي هو في ذمتهم للعرش العلوي المجيد. وقال إن المسيرة الخضراء كانت مسيرة شعبية تحررية فريدة من نوعها، جنودها من طبقات الشعب المختلفة، رجالا ونساء، جميعهم مسلحون بالإيمان بالله، وبعدالة القضية، مؤكدا أن المسيرة الخضراء ستبقى عملا جليلا وحدثا عظيما في تاريخ المغرب والعالم، حدثا من ابتكارات جلالة المغفور له الحسن الثاني، كما ستظل نصرا عزيزا، وفتحا مبينا تحقق به استكمال الوحدة الترابية بالالتفاف حول العرش العلوي المجاهد. وأضاف أنه منذ ذلك الحدث التاريخي الكبير والأقاليم المسترجعة تنعم بنعمة الحرية والكرامة والاستقرار وتسعد بكامل الهناء والاطمئنان، وتشهد كل سنة مزيدا من تواصل النماء والازدهار في كل المجالات والميادين، شأنها شأن جميع جهات وأقاليم المملكة. وأكد الخطيب أن خلف الحسن الثاني ووارث سره، أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يواصل اليوم، الجهاد الأكبر بمسيرات متتالية، مسيرة التنمية الاجتماعية، ومسيرة رفع الأمية ومحاربة الفقر، ومسيرة القضاء على أسباب الهشاشة والإقصاء، ومسيرة تكريم المرأة وإصلاح القضاء ومراجعة وتقويم منظومة التربية والتكوين، ومسيرة تنمية الاقتصاد وتأهيل المجتمع، ثم مسيرة التنمية البشرية، وهي كلها مسيرات تستلهم من المسيرة الخضراء روحها، وتنهج نهجها. وابتهل الخطيب في الختام، إلى الله عز وجل، بأن يوفق أمير المؤمنين في خططه وخطاه، ويكلل بالنصر المبين جهاده ومسعاه، وبأن ينصره نصرا عزيزا يعز به الدين ويجمع به كلمة المسلمين، ويقرعينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد. كما تضرع إلى العلي القدير بأن يغدق شآبيب مغفرته ورحمته على الملكين المجاهدين، جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، ويكرم مثواهما ويطيب ثراهما.