أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمس، صلاة الجمعة بمسجد ولد الحمراء بالدارالبيضاء. (ح م) وأبرز الخطيب في مستهل خطبة الجمعة، أن شهر رمضان مليء بالأحداث العظام في تاريخ الأمة الإسلامية، فهو شهر نزول القرآن، وشهر الانتصارات والملاحم، بحيث فيه وقعت غزوة بدر الكبرى (17 رمضان من السنة الثانية للهجرة)، التي كانت فيصلا وفرقانا بين الحق والباطل. وأوضح أن هذه الغزوة الكبرى رسخت في الأمة الإسلامية مجموعة من المبادئ الإنسانية، بحيث تبين من وقائعها أن الإيمان أقوى حافز لتحقيق المقاصد وبلوغ الغايات، فما كان للمسلمين أن يحققوا ذلك النصر الكبير لولا قوة إيمانهم بالدين، وأثره في نفوسهم، وشدة ثقتهم في الله ووعده، وفي الرسول صلى الله عليه وسلم وقيادته. ففي غزوة بدر، يقول الخطيب، تجلى مبدأ العدل والرحمة بين الناس، مشفوعا بحسن تحمل المسؤولية، وعمق الإحساس بالاشتراك في الأمانة، مبرزا أن الرسول الكريم كان يتناوب في الطريق إلى بدر مع علي بن أبي طالب، ومرثد الغنوي، رضي الله عنهما، على بعير واحد. كما ترسخ في غزوة بدر مبدأ الاحتراز من الخبر الموجه الكاذب والماكر، وعدم التأثر بالدعايات المغرضة والانسياق مع الشائعات والمكائد المبيتة. وأوضح الخطيب أن القيادة النبوية الحكيمة استطاعت، خلال هذه الغزوة، أن تبطل الدعاية الخارجية، التي بثتها قيادة الشرك في نفوس جنودها، وفي سكان يثرب، بأن هناك مصيرا واحدا محتوما لا خيار فيه، فإما قتل محمد صلى عليه وسلم وأصحابه وطردهم من المدينة، وإما احتلال المدينة واستباحتها من طرف أهل مكة، لكن الرسول الأمين، المؤيد بالوحي، رد كيد الكفار ونادى في شباب المدينة أن يقفوا صفا واحدا متراصا لإعلاء كلمة الله وإظهار دينه الحق. وأضاف الخطيب أن من المبادئ التي أظهرتها غزوة بدر، أيضا، أهمية الطاعة والامتثال للأوامر، وعدم مخالفة أمر القيادة، لما في الطاعة من الخير والفلاح، مشيرا إلى أن أهم مبدأ تقرر في هذه الغزوة العظيمة هو مبدأ الشورى في تدبير شأن الأمة، بحيث عقد النبي (صلعم) قبل أن تنطلق المعركة، مجلسا استشاريا أعلى، بين فيه الوضع العام وتطوراته وتوقعاته، وقال للناس "أشيروا علي"، هادفا من ذلك ترسيخ مبدأ الشورى بإشراك صحابته الكرام في اتخاذ القرارات المصيرية قبل خوض هذه المعركة الفاصلة. وقال الخطيب إن من أهم ما يستفاد من أحداث هذه الغزوة كذلك، مبدأ إصلاح ذات البين، والاحتكام في الأمر كله إلى الشرع، أي إلى الله ورسوله، والاشتغال بمهمات الأمور، وعدم ترك الفرص للوهن أو للثغرات الفاتنة، أو الفجوات القاتلة، لأن رص الصف الداخلي وتقويته هو أهم ما يجب القيام به في المراحل السابقة لأي تحرك وأي إجراء. وأكد الخطيب أن المتأمل في غزوة بدر الكبرى، وفي السيرة النبوية، سيلاحظ أن النهج النبوي ركز على إيجاد الإنسان القرآني الفعال، إذ كان هم الرسول صلى الله عليه وسلم، في مستهل الدعوة، متجها إلى وضع الأسس المتينة للتوحيد وبناء مقومات الدولة، كما انصب اهتمامه على بناء الهمم العالية القادرة على استيعاب مقومات المنهج القرآني في بناء الإنسان، وعلى تحمل مسؤولية قيادة قطار الحضارة الإنسانية . وتحقيقا لرسالة القرآن العالمية الخالدة، يضيف الخطيب، يأتي اعتناء أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس، بالقرآن الكريم في هذا المضمار، مواصلة من جلالته للعناية الفائقة التي حظي بها، وما يزال، كتاب الله العزيز من لدن أسلافه المنعمين، تحفيظا للناشئة وتدريسا بالمدارس والمعاهد، وقراءة في بيوت الله، ونسخا وطباعة وتوزيعا في مختلف الأمصار والآفاق . وأضاف أن أمير المؤمنين، لبلورة هذه العناية في إطار تنظيمي، قرر إحداث مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف، لتضطلع بمهمة العناية بكتاب الله، تسجيلا وطبعا، ونشرا وتوزيعا، مع كل ما يقتضيه ذلك من السهر على ضمان استمرار ضبطه ورسمه وقراءته، بما يلزم من الدقة والأمانة، وصونا لسلامة المصاحف داخل المملكة من كل خطأ أو تحريف، مذكرا بأن جلالة الملك قام، أول أمس الخميس، بتدشين مقر هذه المؤسسة العتيدة بمدينة المحمدية، واطلع جلالته على الآلات الحديثة، التي طبع بها المصحف المحمدي، الذي يعد باكورة أعمال هذه المؤسسة. وفي الختام، ابتهل الخطيب إلى الله عز وجل بأن يحفظ أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ويكلأه بعنايته، ويقرعينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وبسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة. كما تضرع إلى العلي القدير بأن يمطر شآبيب رحمته على الملكين المجاهدين، جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، ويسكنهما فسيح جناته.