حنان، مريم، فاطمة، سعاد، رضوان، وأمين،هي أسماء لتلاميذ لم يلتحقوا مع بداية الموسم الدراسي الجديد بمدارسهم رفقة أقرانهم، لأن الأقدار شاءت أن يلقوا مصرعهم خلال العطلة المدرسية، بسبب تعرضهم للدغات عقارب في القرى والبوادي. إنهم من بين عدد كبير من ضحايا غياب العلاج والأمصال والأدوية بالمراكز الصحية النائية. رغم مرور شهر على وفاة ابنتها فاطمة، ذات تسع سنوات بوزان، لم تنس الأم صورة فلذة كبدها وهي تفارق الحياة بسبب غياب الأدوية بالمركز الصحي ومحنة ومشاق الطريق من قرية نائية بوزان، مرورا بالمركز الصحي، ثم إلى المستشفى الإقليمي بالقنيطرة حيث توفيت. مصادفة غريبة من خلال التحقيق الميداني الذي أجرته "المغربية"، حول وفيات الأطفال نتيجة لسعات العقارب اكتشفت أن فاطنة لسيت الطفلة الوحيدة التي توفيت جراء لدغة عقرب وبسبب بعد المستشفيات وغياب المصل المضاد للسعات العقارب أو الأدوية والعلاج بالإنعاش، بل وجدنا عشرات الأطفال لقوا حتفهم بالأسباب ذاتها. صادفت "المغربية"، وهي تجري تحقيقا حول إصابة مواطنين بلسعات العقارب وتضارب الآراء حول العلاج بالأمصال أو الإنعاش، حالة سيدة لدغتها عقرب بدوار الباكرة، الذي يبعد عن مدينة سيدي بنور بحوالي 15 كلم، وهي تتلقى العلاج بمستشفى المدينة. قالت طامو رياض، البالغة 35 سنة، ل "المغربية"، إنها كانت بصدد طي الأغطية بالبيت، فإذا بها تفاجأ بلسعة عقرب سوداء اللون، فنقلها أحد أقربائها على وجه السرعة إلى مستشفى سيدي بنور، خوفا من أن يتسرب السم إلى جميع أنحاء الجسم. وحسب رياض، فإنها بمجرد ولوجها قسم المستعجلات حظيت بأولوية العلاج بسبب إصابتها بلدغة عقرب، ذلك أن إدارة المستشفى أعطت الأسبقية في العلاج للمصابين بلسعات العقارب والأفاعي. الدكتور كريم الخليط، طبيب رئيسي بمستعجلات مستشفى سيدي بنور، أكد لنا أن السيدة المذكورة حالتها ليست خطيرة، وأنه بعد مرور أربع ساعات من وقت الإصابة ستغادر المستشفى. وأفاد الخليط أن الأطفال أقل من سن 15 سنة هم الذين يحتاجون إلى العناية المركزة بقسم الإنعاش، من أجل إنقاذهم من الموت، مشيرا إلى أن الطفل المصاب بلدغة العقرب يظل تحت المراقبة مدة أربع ساعات، وفي حالة حصول مضاعفات يتطلب الأمر الدخول إلى غرفة الإنعاش. وقال الدكتور خليط إنه يتوافد على المستشفى، خلال الليلة الواحدة أزيد من 20 حالة إصابة بلدغات العقارب، مشيرا إلى أن كل مصاب يعالج حسب درجة التسمم في الجسم، وأنه لم تسجل وفيات، وأن الحالات الخطيرة تجري إحالتها على المستشفى الإقليمي بالجديدة. من جهته، أكد محمد كريم، بيولوجي، ضرورة العلاج بالأمصال المضادة لسموم العقارب ولدغات الأفاعي لمواجهة أخطار الموت، وإعادة فتح وحدة إنتاج الأمصال بمعهد باستور المغرب لإنقاذ الأطفال أقل من 15 سنة. شهادات صادمة بعد زيارة مستشفى الإقليمي بالجديدة، انتقلت "المغربية" إلى منطقة سيدي بنور والنواحي، حيث صادفنا حالات لعدد من الأطفال والشيوخ والشباب الذين تعرضوا للسعات العقارب، خلال فصل الصيف الجاري. رغم اختلاف أعمارهم إلا أنهم تعرضوا للدغات عقارب من النوع نفسه، هو "العقرب الأسود"، أغلب الحالات تلقت العلاج في مستشفى سيدي بنور وغادرته، بينما تم نقل المصابين بمضاعفات إلى مستشفى الجديدة. وأكد بعض السكان أن أغلب السكان يفضلون عند تعرض أحدهم للسعة عقرب استعمال الطرق التقليدية من قبيل "التبخاخ"، و"التشراط"، و"الحجامة"، ما يتسبب حسب تصريحاتهم في مضاعفات قد تتسبب في وفيات. وأفاد السكان أن بعض العائلات تنتظر مجيء السوق الأسبوعي، من أجل عرض المصابين على فقيه أو عشّاب، ما يزيد من خطورة الإصابة والمضاعفات. أما في منطقة العونات، بنواحي الجديدة، التي تنشر فيها العقارب السامة بشكل لافت، وجدنا بعض سكانها يطالبون الجهات الوصية بتوفير الأمصال والأدوية الضرورية لعلاج لدغات العقارب. بدوار أولاد طلحة بالعونات، تحدثت إلينا خديجة الكواكبي، البالغة من العمر 48 سنة، وعيناها تمعن النظر في أصبعها الذي أصيب بلسعة عقرب، إذ مازالت تشعر بالألم رغم مرور شهرين على إصابتها. قالت خديجة بعينين دامعتين "مازلت أتذكر يوم لسعتني العقرب بشكل مفاجئ، وكوابيس العقارب تطاردني في كل مكان". جففت خديجة دموعها وواصلت حديثها قائلة "لسعتني العقرب في العاشرة صباحا وأنا منهمكة في جمع الحطب، حينها شعرت بألم حاد وانتفاخ في اليد وفقدت الوعي ولم أتذكر شيئا، إلى حين العودة من المستشفى". وغير بعيد عن مسكن خديجة التقينا نادية لغريب من دوار باب الحرش بالعونات، البالغة 20 سنة، التي أكدت تعرضها للدغة عقرب، نقلت إثرها على إثرها إلى المستشفى، وبعد مرور أزيد من ساعتين غادرت المستشفى. مستوصف مغلق تزامنت زيارة "المغربية" لمنطقة العونات مع سفر بعض الأسر إلى مدينة الدارالبيضاء هروبا من هجوم العقارب على منازلهم وضيعاتهم، إذ أكد عون سلطة أن الدواوير المجاورة لمدينة الجدية فقدت فيها العديد من العائلات أطفالها بسبب بعد المستوصفات والمستشفيات. بعض الأسر تحفظت عن الحديث واعتبرت أن العلاج الوحيد لسم العقارب هو "التشراط". استغربت "المغربية" لإقفال المستوصف الصحي بسيدي بنور في حدود الثانية ظهرا، إذ طرقنا الباب ونادينا بصوت مرتفع، لكن الصوت ظل يردده صدى المكان حتى غادرنا نحو مدينة سطات.. تساءلت مصادرنا عن إغلاق مستوصف في منطقة تشهد انتشار العقارب ويتعرض سكانها بشكل يومي للدغات، بينما أكد مصدر آخر، المستوصف المذكور يوجد به طبيب وحيد، وربما في تلك الأثناء غادر المستوصف لتناول وجبة الغداء. بعد الجديدة كانت الوجهة إلى مدينة سطات وبالضبط نواحي أولاد بوزيري، التي شهدت هذه السنة ارتفاعا في عدد الإصابات بلسعات العقارب، إذ لا حديث لسكان هذه الدواوير سوى عن توالي انتشار العقارب بالمنطقة وارتفاع عدد الضحايا خاصة في صفوف الأطفال. ومن بين الأطفال الذين نجوا بأعجوبة من موت محقق، نادية ذات العشر سنوات، بينما الحاجة فاطمة مازالت تتذكر يوم إصابتها بلسعة عقرب. قالت الحاجة فاطمة بمنطقة أولاد بوزيري"نجوت بأعجوبة من الموت، قال لي الطبيب إن المسنين أكثر الأشخاص المهددين بالموت نتيجة لسعات العقارب بسبب ضعف المناعة". وأضافت "أحمد الله أنني تلقيت العلاج بمستشفى سطات وعدت إلى البيت بعد مرور أربع سنوات، إذ قال لي الدكتور الوردي الحمد لله على سلامتك عمرك باقي طويل". الأسبقية للمصابين باللسعات أكد الدكتور نبيل الوردي، طبيب بقسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي سطات أن الشخص المصاب بلسعة عقرب من الضروري أن يمر من قسم المستعجلات ويخضع للمراقبة مدة أربع ساعات وفي حالة وجود مضاعفات ينقل إلى قسم الإنعاش. وأكد الوردي أن الأولية داخل قسم المستعجلات تعطى للمصاب بلسعة العقرب من أجل إنقاذ حياته، مشيرا إلى أن المصاب يظل تحت المراقبة مدة 4 ساعات وفي حالة تجاوز مرحلة الخطر يغادر المستشفى، أما إذا حدثت مضاعفات ينقل المصاب على وجه السرعة إلى قسم الإنعاش. وأشار الدكتور نفسه إلى أنه في هذه المرحلة تظهر على المصاب أعراض من قبيل الرعشة و التقيؤ وارتفاع الضغط وفقدان الوعي، وتصبب العرق، مذكرا بأنه لا يوجد في العالم مضاد لسم العقارب. وتعد جماعة تامصلوحت بمراكش، أيضا، من بين المناطق التي تنتشر بها العقارب والأفاعي، إذ تعرض شاب، أخيرا، للسعة أفعى لذغته وهو يقضي حاجته البيولوجية، إذ نقل على وجه السرعة إلى قسم مستعجلات بمستشفى المامونية، حيث جرى إنقاذه بوضعه بقسم الإنعاش. أما منطقة قلعة السراغنة فتحتل الرتبة الأولى من حيث انتشار لسعات العقارب والإصابات بلسعاتها، خاصة في صفوف الأطفال.