يشكل "قصر البحر" بآسفي شاهدا على التاريخ الإنساني المشترك المغربي-البرتغالي. وقد صنف خلال عهد الحماية الفرنسية في فبراير سنة 1924 كأول معلمة أثرية في التراث المغربي، باعتباره تحفة فريدة تتميز بالطراز الفني المعماري المنويلي، كان يحمل اسم القلعة البرتغالية، نسبة إلى البرتغاليين الذين بنوه كحصن عسكري سنة 1508 على المحيط الأطلسي. تحفة معمارية يتميز "قصر البحر"، الذي تعرض للتآكل جزئيا، بجمالية من حيث شكله العمراني، فهو يحتوي على ساحة واسعة، كما أنه يشرف على موقع استراتيجي على المحيط الأطلسي من أجل حماية المدينة من الغزاة، كما يتوفر على مخازن للحبوب والأسلحة، فضلا عن صهريج كبير كان يستغل لتخزين الماء. أما داخل القصر، فهناك، حسب العديد من الأبحاث الميدانية، باب خلفي لا يفتح إلا عند قيام حرب أو اشتعال الحرائق. وكانت ساحة القصر استغلت في أغلب الأحيان مخزنا للسلاح، مثلما وظفت فضاء للتدريب على الرماية والقتال والمناورات العسكرية، كما يتضمن القصر المذكور تحصينات دفاعية على شاكلة الطراز الهندسي الحربي البرتغالي، باعتباره كان يشكل حصنا عسكريا لحماية المدينة. وقد صمم في أول الأمر ليكون مركزا تجاريا نظرا لموقعه الاستراتيجي على الشاطئ وقربه من الميناء، إذ كانت تعبر إليه السلع بكل أنواعها دون مشاكل تذكر. حالة مزرية تشير العديد من الدراسات الخاصة بعلم الآثار إلى أن معلمة قصر البحر وعلى مدى خمسة قرون، ظل يواجه تقلبات الزمن وأمواج المحيط العاتية، التي نخرت الجرف الصخري الذي أقيم عليه، بالإضافة إلى التسربات المائية نتيجة التساقطات المطرية التي جرفت الأثربة الكلسية للسور الوقائي المحاذي للبرج، إضافة إلى هشاشة الوضعية الجيولوجية للجرف بصفة عامة، ما يهدد المنطقة المذكورة بالانهيار، وخلصت الدراسة المذكورة إلى التأكيد على أن الطبيعة الجيولوجية لجرف "أموني" تتكون من طبقات كلسيه صفراء، وتتميز بالهشاشة والتأثر السريع بعوامل التعرية، ما ساعد على ظهور مغارات في باطن الأرض، علاوة على تأثير أمواج البحر على الواجهة العمودية للجرف، وهو ما يعرضه للانجراف وبالتالي يهدد بنيته التحتية وفي مقدمتها معلمة قصر البحر. أراء المختصين يقول الباحث في علم الآثار، سعيد شمسي، إن التهديدات المحدقة بقصر البحر مرتبطة أساسا بالوضعية الجيولوجية الهشة للجرف البحري "أموني"، الذي شيد عليه، إذ زادتها تفاقما عوامل طبيعية وبشرية، بمعنى أن هذا الجرف الممتد على مسافة ثلاثة كيلومترات يتعرض لتعرية حادة تتسبب في تآكله بفعل تفاعلات ميكانيكية وكيميائية، ما أدى إلى ظهور تشققات عمودية بالصخرة، مشكلة تجاويف ومغارات أسفلها تهدد قصر البحر وباقي البنيات التحتية المقامة على صخرة الجرف. ويرى مدير مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي، أبو القاسم الشبري، أن هناك سببين أساسين لتدهور هذه المنشأة العمرانية، أولهما التآكل المهول في حافة الجرف، الذي يقف عليه قصر البحر، بحيث يتطاير الماء من بئر توجد في ساحة القلعة بنحو 20 مترا في الفضاء حين يكون المحيط في حالة هيجان، بل إن مياه المحيط دخلت تحت القصر ووصلت إلى شارع الرباط بمدينة آسفي. أما العامل الثاني، فيكمن في الارتجاجات الهوجاء، التي يحدثها قطار البضائع الذي يدخل الميناء مرات عدة في اليوم، ويرجع السببان معا إلى إنشاء رصيف ميناء آسفي عام 1930، حيث وضعت الحواجز الاسمنتية لتغيير وجهة الأمواج، وهو ما ضمن للبواخر الرسو في هدوء، وسبّب في المقابل اضطراب أبراج القصر بعد فترة من الزمن، لأن الأمواج أصبحت تتكسر على بنيان صخرة الجرف التي يستقر فوقها القصر فتتآكل مع تكرار الاهتزازات. وأرجع العديد من الباحثين أسباب تدهور هذه المعلمة التاريخية، أيضا، إلى الحواجز الاسمنتية التي تم وضعها بجانب الميناء لتغيير وجهة الأمواج التي تسببت في اهتزاز قوي للقصر، إضافة إلى المرور اليومي لقطار البضائع المحمل بالفوسفاط بالقرب من "قصر البحر" في اتجاه الميناء الصناعي، الذي يحدث بدوره ارتجاجا في هذه المعلمة التاريخية، ويهددها بالانهيار. وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور الباحث، سعيد اللقبي، أن انهيار جزء من أحد أبراج قصر البحر مرده، بشكل أساسي، إلى الانكسارات القوية لأمواج البحر، وعوامل التعرية، وقد ساهم هذان العاملان، بحسبه، في الانهيارات المتتالية لذلك البرج، بسبب تسرب المياه تحته، "رغم بعض المحاولات لإنقاذه التي خضع لها البرج من قبل المصالح المعنية، حيث تم وضع أكياس جيو بلاستيكية تحتوي على الاسمنت والرمل الممزوج بالماء، قصد الحد من حدة وقوة الانكسارات والتعرية...". كما أن إخلاء أبراج قصر البحر من المدافع البرونزية، المصنوعة في عهد السعديين والمدافع الحديدية الأثرية، كان سببها، حسب سعيد اللقبي، التخوف من الانهيار الكامل لتلك الأبراج، حيث تم وضع تلك المدافع وسط ساحة قصر البحر، حتى تسهل عملية إنقاذها في حالة انهيار أبراج القصر. إمكانيات الإنقاذ قدم الباحث في علم الآثار سعيد شمسي بعض المقترحات لتفادي خسارة هذه المعلمة الأثرية، ومنها "ملء المغارات والكهوف بأكياس اسمنتية، وبناء حائط اسمنتي مائل يستند إلى الجرف الذي بني عليه قصر البحر، لكي يصد ضربات الأمواج المتلاطمة، إلى جانب بناء حاجز اسمنتي على شكل أرصفة الموانئ ينطلق من البرج الجنوبي حتى جرف الميناء الحالي، ليكون بمثابة حاجز للأمواج من جهة ويسمح بإيجاد ميناء ترفيهي". أما مدير مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي، أبو القاسم الشبري، فيقدم اقتراحا عمليا يتمثل في إنشاء حاجز صخري عائم يحيط بالمعلمة التاريخية، وسيكون هذا الحاجز أحد أهم أسباب إنقاذ القصر من الانهيار، ثم استبدال الميناء الصناعي بآخر ترفيهي قبالة قصر البحر، ما يمكن من تحييد أمواج البحر العاتية والناسفة، ويزيد من جمالية المدينة، ويدر عليها أموالا طائلة بفعل أنشطته الرياضية والترفيهية، الوطنية والعالمية". وأشار اللقبي إلى ما أوصى به الخبير العالمي "بيدرو فيريا" في دراسة سبق وأن أنجزها على قصر البحر، والداعية إلى ضرورة خلق شاطئ اصطيافي مع توظيف سنابل رملية، وملء ثقب المغارات بالأحجار واستثمارها بحريا مع ربطها بخرسانة متينة، وبناء حاجز وضخ حوالي ملياري متر مكعب من الرمال، وذلك تبعا لدراسات مشابهة سبق وأن أنجزت في جنوب إسبانيا والبرتغال، وكان لتطبيقها وقع إيجابي. وذكّر في الوقت ذاته بالدراسة العلمية، التي تم إنجازها حول منطقة الكورنيش وقصر البحر من طرف المختبر الوطني للدراسات الجيولوجية ومكتب الإنقاذ الدولي لمدن الشواطئ، والتي أقرت بخطورة الوضع، ورفعت وقتها عدد من التقارير إلى الدوائر المركزية مصحوبة بدفتر التحملات، وكذا الدراسة التي أنجزت في الموضوع من طرف وزارة التجهيز سنة 2004، وخلصت إلى أن حماية جرف "أموني" تتطلب إقامة حاجز واق اسمنتي على طول الجرف، وسيكلف المشروع ما يقارب 300 مليار سنتيم، بالنظر إلى أن المنطقة الممتدة من معلمة قصر البحر البرتغالي والكورنيش على مسافة 6 كيلومترات تستدعي تدخلا عاجلا لإنقاذ هذه المعلمة التاريخية، ما يقتضي تعبئة قطاعات وزارية عدة ومؤسسات عمومية لإنجاز هذا المشروع الحيوي لمدينة آسفي تدخل جميع الشركاء والمتدخلين.