ركز محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة الجديد والوكيل العام لدى محكمة النقض، أمس الجمعة، على دعم جلالة الملك محمد السادس لاستقلال السلطة القضائية، وحرصه على إرساء قواعدها على أرضية صلبة، لتتمكن هياكلها المختلفة من تطبيق القانون، وفقا لمبادئ العدالة والإنصاف وسيادة القانون، مع الحرص على توازن الحقوق والواجبات، بما يضمن الحماية للأمن والنظام العام وسكينة الوطن وسكانه. وقال الرئيس الجديد للنيابة العامة خلال حفل تسليم السلط بينه وبين محمد أوجار، وزير العدل بمقر النيابة العامة الجديد بالرباط "بفضل الدعم الملكي نجتمع اليوم في بيت النيابة العامة، الذي ما كان ليكون جاهزا لهذا الاستقبال لولا الحرص الملكي على تسريع وتيرة دراسة مشروع القانون المتعلق برئاسة النيابة العامة من طرف البرلمان، وتعليمات جلالته السامية بشأن إيجاد مقر لائق لهذه المؤسسة القضائية المهمة كما جاء في بلاغ المجلس الوزاري المنعقد بالقصر الملكي العامر بمدينة الدارالبيضاء يوم 25 يونيو الماضي". وأضاف عبد النباوي في كلمته التي ألقاها واقفا باعتبار أنه رئيس للنيابة العامة يمثل القضاء الواقف، أن "استقلال النيابة العامة حدث تاريخي مرتبط باستقلال هذه المؤسسة القضائية التي يبلغ عدد قضاتها الألف عن كل تأثير سياسي، ما يعد دعما لاستقلال السلطة القضائية وإسهاما في تقوية هياكلها. وأوضح أنه ابتداء من منتصف الليلة المقبلة "ستولد ببلادنا مؤسسة قضائية جديدة يتم بها استكمال البناء الدستوري للسلطة القضائية المستقلة، التي انضافت إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية، لتكون واحدة من أهم الجواهر الحقوقية التي أتى بها دستور 2011" مضيفا أن مؤسسة النيابة العامة تخرج من حضن وزارة العدل لتعانق استقلالها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية بإرادة مشتركة بين جلالة الملك والمواطنين المغاربة. واعتبر رئيس النيابة العامة أن الأخيرة، رغم استقلالها عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، باعتبارها مكونا مهما من مكونات السلطة القضائية، فهي جزء من سلطات الدولة، التي، وإن كان الدستور ينص على فصلها، فإنه يقر توازنها وتعاونها لما فيه مصلحة الوطن والمواطنين. وشدد على أن سلطات النيابة العامة وتدخلاتها تخضع للمراقبة الفورية والصارمة للقضاء، ما يجعل كل قرارات أعضائها محل رقابة قضائية تحول دون كل إساءة لاستعمال السلطة، باعتبار القاضي هو من يتولى "حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون"، مشيرا إلى أن قراراتها تخضع للمراقبة القضائية سواء تعلقت بالحد من الحريات بما فيها الاعتقال الاحتياطي أو بغيرها من القرارات. وأضاف أن رئاسة النيابة العامة ليست بمنأى عن المساءلة والمحاسبة التي نص عليها الدستور، قائلا إنه "يظل مسؤولا عن كيفية تنفيذه للسياسة الجنائية أمام السلطة التي عينته، المتمثلة في رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية (جلالة الملك)، وكذا أمام هذا المجلس الذي يتعين عليه أن يقدم له تقارير دورية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة". وأبرز أن "تعليمات صاحب الجلالة ترسم لنا خطة للعمل وإطارا لتصريف أشغال النيابة العامة لتكون في خدمة المملكة المغربية والمواطنين المغاربة، حريصة على أمن الوطن، مساهمة في صيانة طمأنينة سكانه من المواطنين والمقيمين، حامية لحقوقهم وحرياتهم، دون مفاضلة ولا تمييز على أساس سياسي أو نقابي أو عرفي أو اجتماعي، وإنما بناء على ما تحدده الوضعيات القانونية لكل طرف وما يمنحه التشريع من حقوق وما يفرضه من واجبات فقط". وسجل الوكيل العام أن "استقلال النيابة العامة لا يعني انفصالها المطلق عن الدولة، لكن يعني عدم الخضوع لتوجهات حزب من الأحزاب أو جماعة من الجماعات، أو الانسياق وراء إيديولوجيا من الإيديولوجيات، والتقيد بما تمليه القوانين من أحكام والانخراط في معركة الدفاع عن القيم العليا للوطن، والحفاظ على حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم، وحماية مقدسات البلاد والمبادئ المثلى للإنسانية، ومعاداة الجريمة والمجرمين ومكافحة أنشطتهم دون كلل ولا ملل، حتى تنتصر قيم العدالة والإنصاف، ويستقيم تطبيق قواعد الديمقراطية، واستقلالها لا يعني أنها حرة في القيام بما تريد بمنأى عن كل مساءلة أو محاسبة". من جانبه، قال محمد أوجار، وزير العدل والحريات، في كلمته إن "خيار استقلال النيابة العامة لم يكن سهل المنال، إذ رافق المسار التشريعي لقانون رئاسة النيابة العامة نقاش حاد، بين أوساط القانونيين والحقوقيين والأكاديميين والسياسيين وكافة مكونات المجتمع المدني". وأضاف أن النقاش "طرح العديد من التساؤلات الكبرى بخصوص مركز رئاسة النيابة العامة داخل السلطة القضائية، وكيفية مراقبة عملها ومحاسبتها"، خاصة أن النيابة العامة "تتدخل في مجالات حساسة جدا ترتبط بالحقوق والحريات، وكيفية تتبع سير السياسة الجنائية وتقييمها، ومدى علاقة السياسة الجنائية بباقي السياسات العمومية للدولة".