جاء كتاب "فكرة الإخراج السينمائي... كيف تصبح مخرجا عظيما؟" نتيجة لتجربة التدريس التي قام بها الناقد السينمائي الأمريكي الشهير، كين دانسايجر، لطلبة الإنتاج السينمائي في جامعة نيويورك، بالإضافة إلى تجربته مع المنتجين وفناني المونتاج المحترفين في معهد "مارريتس بينجر" بأمستردام. يستخدم المخرجون استراتيجيات عديدة لكي يعثروا على فكرة المخرج، وبالطبع فإن ذلك يقترن بشخصية المخرج واهتماماته وخبرته، مما يجعل المخرج يتبنى اختيارات بعينها دون الاختيارات الاخرى، لكن عناصر محددة في كل فيلم قد تساعد المخرج أيضا في العثور على فكرته الإخراجية الواضحة. ولكي تصبح فكرة المخرج أكثر وضوحا لديه فإن من المهم أولا أن يفهم لماذا انجذب إلى سيناريو بعينه، وبشكل عام فإن المخرجين ينجذبون إلى السيناريو بسبب شخصية معينة، هي في العادة الشخصية الرئيسية، بالإضافة إلى الموقف الحياتي الذي تعيشه هذه الشخصية والطريقة التي اختارتها الشخصية للتعامل مع هذا الموقف. ولكي نقترب من الفكرة الإخراجية علينا أن نفهم تماما إذا ما كنا نريد هذه الشخصية الرئيسية ضحية أم بطلا: هل نحن مهتمون بتركيبتها النفسية، والمحيط الذي تعيش فيه، والمجتمع من حولها، أم أننا أكثر اهتماما بالبعد السياسي في القصة؟ إن لكل قصة تلك الأبعاد جميعا، فأي بعد منها يجذبنا أكثر من غيره؟ هناك عنصر آخر وهو الحبكة بالنسبة إلى السرد الروائي، فبالنسبة إلى بعض المخرجين، مثل ستيفن سبيلبيرغ وريدلي سكوت، تكون الحبكة شديدة الأهمية، وبالنسبة إلى مخرجين آخرين، مثل أنطوني مينجيلا أو ستيفن سوديربيرج، تكون الحبكة أقل أهمية. وإذا كانت الحبكة مهمة وحاسمة، فإن الشخصيات تصبح أكثر سطحية، أما إذا كانت الشخصية هي الأهم، فيلعب التركيب النفسي دورا حاسما، بينما تصبح الحبكة ثانوية. ويحتاج المخرج أيضا، أن يضع في المقدمة وبشكل واضح قيمه الخاصة: ما هي هواجسه حول الحياة؟ إن فكرة المخرج تتيح له أن يوضح القيم المهمة بالنسبة إليه الموجودة في القصة ويجسدها، وجميعنا بشكل أو بآخر مهتمون بإبراز شخصيتنا، لذلك فإن المخرج الذي يريد أن يكسب حب الجمهور يجب عليه أن يكون فاتنا وظريفا وهو يحكي لنا قصة الفيلم، أما المخرج الذي يريد إثارة إعجابنا فسوف يبحث عن أكثر الطرق تعقيدا وتحديا لكي يروي لنا القصة، غير أن هناك مخرجا آخر قد ينجذب إلى التحدي الكامن في المشروع نفسه، فبقدر ما فيه من تحديات يأخذ المخرج على عاتقه إخراج الفيلم. إن مخرجي الأفلام الكوميدية يبحثون عن اكتساب حب الجمهور (مثل فيلم " قابل عائلة فوكر"). أما مخرجون مثل ستيفن سبيلبيرغ في"قائمة شيندلر" مثلا فإنهم يسعون إلى حب الجمهور واحترامه معا، بينما في فيلم "2001: أوديسا الفضاء"، أخذ ستانلي كوبريك على عاتقه مهمة تحدي تناول التاريخ الإنساني وتلك القضايا الفلسفية مثل الوجود أو الإنسان في مواجهة التكنولوجيا، وبالنسبة إلى كوبريك كان التحدي هو هدفه لخلق تأمل بصري للإنسان والتكنولوجيا. إن هذه الأهداف هي المرشحات المهمة التي تمر خلالها قرارات المخرج لكي يجد فكرته الإخراجية. إن ما أحاول تأكيده هو أن المخرج يجب أن تكون لديه شخصية واعية، ومجموعة خلاقة من الاهداف، عندما يقرر إخراج قصة ما، وهذا الالتزام من جانبه يحتاج إلى توضيح كيف يشعر المخرج تجاه شخصيته الرئيسية وماذا يطلب منها. والمخرج يبدأ في تطوير فكرته الإخراجية مع تفسيره للنص: ما هو المفهوم الأساسي أو المقدمة المنطقية الأولى للقصة؟ ومن الأفضل أن ننظر إلى المقدمة المنطقية في ضوء اختيارين متعارضين يواجهان الشخصية الرئيسية: فالحب أو المال هو الاختيار الذي يواجه الشخصية الرئيسية في فيلم "تيتانيك "، أما في فيلم "الأصدقاء الأربعة "يكون الاختيار بين أن يكون البطل مهاجرا شبيها بأبيه، أو مختلفا عنه، بينما الاختيار في فيلم "حكم المحلفين "يكون بين البقاء بقية الحياة باحثا عن الإنقاذ أو استعادة الكرامة.