جاء كتاب "فكرة الإخراج السينمائي... كيف تصبح مخرجا عظيما؟" نتيجة لتجربة التدريس التي قام بها الناقد السينمائي الأمريكي الشهير، كين دانسايجر، لطلبة الإنتاج السينمائي في جامعة نيويورك، بالإضافة إلى تجربته مع المنتجين وفناني المونتاج المحترفين في معهد "مارريتس بينجر" بأمستردام. كما أن المخرجين الأمريكيين يتعاملون مع حياتهم المهنية على نحو أكثر مرونة، فمخرج مثل سبايك لي يصنع الأفلام التسجيلية والإعلانات في الفترات التي تفصل بين صنعه لأفلامه الروائية، ومارتن سكورسيزي يصنع الأفلام التسجيلية بين الحين والآخر، وستيفن سوديربيرج ينتقل بين الفيديو الرقمي والأفلام قليلة التكاليف خلال صنعه لأفلامه الأكثر تجارية، كما أن باري ليفينسون يقوم بإنجاز مشروعات تلفزيونية جريئة بالإضافة إلى أفلامه الأكثر محافظة (والأكثر تجارية). أما أوليفر ستون فقد أنجز فيلما تسجيليا قليل التكاليف عن كاسترو للشبكة التلفزيونية "إتش. بي. أو" لينتقل إلى إخراج فيلم روائي عن "الإسكندر الأكبر" بميزانية 200 مليون دولار، وفي أوروبا يقوم لارس فون تيريير بتجريب أساليب متعددة، وينتقل روجر ميشيل من السينما إلى التليفزيون إلى المسرح، كلما أتيحت له الفرصة لذلك. ومن الأمثلة المثيرة للاهتمام على تلك المرونة، ما يصنعه المخرج أنج لي، الذي ينتقل بين الافلام الكوميدية التي تتناول التقاليد العائلية الإثنوجرافية (كما في "أكل شرب رجل امرأة")، إلى الكوميديا العائلية المأخوذة عن رواية لجين أوستين (مثل"العقل والعاطفة")، إلى فيلم مغامرات وحركة باللغة الصينية ("نمر رابض، تنين مختبئ")، إلى فيلم مغامرات وحركة أمريكي ("العملاق الأخضر")، ناهيك عن الأفلام الوسترن التي أخرجها، بالإضافة إلى أفلامه التي لا تتبنى خطا سرديا ممتدا. إن هذه الدرجة من التنوع تجعل المخرج في حالة تحد دائما وقبول للمخاطرة بدلا من تجنبها. إن ما أريد تأكيده هو أن المخرج اليوم نجم ساطع، لكن الطرق للوصول إلى هذه الدرجة من النجومية، بالإضافة إلى المحافظة عليها، أصبحت طرقا أكثر تعقيدا بكثير مما كانت عليه. ينقسم هذا الكتاب إلى جزأين: يركز الأول على السؤال: ما هو الإخراج؟، ويناقش كيف يمكن للمخرج أن يصل إلى فكرته الإخراجية الخاصة. والنصف الأول من هذا الجزء يقدم تعريفا لفكرة المخرج، وتحديدا للفروق بين المخرج الحرفي المتمكن من أدواته التقنية، والمخرج الجيد، والمخرج العظيم. وأنا أعلم أن صفات مثل "المتمكن الحرفي" و"الجيد" و"العظيم" تحتمل العديد من المعاني التي تختلف في تفسيرها بين فرد وآخر، وهي صفات تحمل دلالة أن هناك مستوى أفضل من الآخر، وقد لا يتفق تفسيري لها مع تفسير القارئ، ومع ذلك فإنني سوف أستخدم هذه المصطلحات لكي أجسد مفهومي الخاص عن أن هناك طريقا يمكن من خلاله للمخرج أن ينتقل إلى مستوى إخراجي أفضل، وهو ما يتطلب مقدمة منطقية يقوم عليها هذا التطور، وتلك هي فكرة المخرج، التي يمكن له بواسطتها أن يحسم اختياراته وقراراته أثناء صنع الفيلم. وهذه الاختيارات – إدارة الممثلين، وتحديد أنواع اللقطات، ومدى اقتراب أو ابتعاد الكاميرا عما تقوم بتصويره، وقرار أن تكون الكاميرا ثابتة أحيانا، وأخيرا تفسير النص أو السيناريو – هي مادة النصف الثاني من هذا الجزء الأول. أما الجزء الثاني فيتألف من 14 دراسة حالة لمخرجين بعينهم، وهذه الدراسات قد تم تنظيمها على النحو التالي: 1_ إيضاح فكرة المخرج. 2_ كيف قام المخرج بتطبيق هذه الفكرة. وقد تم اختيار مشاهد من أفلام كل مخرج يمكن من خلالها دراسة معالجته لفكرته الإخراجية، وتتضمن مناقشة هذه المشاهد: 1_ ملخصا للمضمون السردي للحدث. 2_ أداء الممثلين، وكيف تم تطويعه ليتلاءم من الناحية الوجدانية مع فكرة المخرج. 3_ كيف قام التصوير السينمائي بتجسيد فكرة المخرج. 4_ كيف أسهمت الإضاءة، والصوت، وتصميم المناظر، في تجسيد فكرة المخرج. 5_ ملخصا للطريقة التي اجتمعت بها كل هذه العناصر لدعم فكرة المخرج.