جاء كتاب "فكرة الإخراج السينمائي... كيف تصبح مخرجا عظيما؟" نتيجة لتجربة التدريس التي قام بها الناقد السينمائي الأمريكي الشهير، كين دانسايجر، لطلبة الإنتاج السينمائي في جامعة نيويورك، بالإضافة إلى تجربته مع المنتجين وفناني المونتاج المحترفين في معهد "مارريتس بينجر" بأمستردام. عبر تاريخ السينما، لم يكن المخرجون على الدوام تلك الشخصيات المحورية التي أصبحوا عليها اليوم، فعندما تطورت هوليوود إلى صناعة كان النجوم و المنتجون أكثر بكثير بالمقارنة مع المخرجين، وعلى سبيل المثال فإن المدير التنفيذي للأستوديو ديفيد سيلزنيك أصبح منتجا مهما وبالتالي كان الشخصية الإبداعية المحورية وراء فيلم "ذهب مع الريح"، وإن كان لا يتذكر أحد المخرجون الأربعة أو العديد من كتاب السيناريو، الذين اشتركوا في صنع الفيلم. وعندما يتحدث المرء عن فيلم "كازابلانكا" فإننا نتذكر همفرت بوغارت، والأخوين إبستين اللذين كتبا السيناريو، أكثر من تذكرنا للمخرج مايكل كيرتز. من جانب آخر، فقد بدأ أوتو بريمينغر وجو ما نكفيتش رحلة صعودهما في عالم السينما باعتبارهما منتجين، ثم ترك كل منهما فيما بعد بصمته كمخرج . أما بيلي وايلد و بريستون ستيرجيس فقد بدأ ككاتب سيناريو، وكانا من مخرجي هوليوود المهمين مثل جون فورد، وفرانك كابرا، وهوارد هوكس، لكنهما كانا يقومان أيضا، كلما استطاعا، بدور المنتج في أفلامهما. وحتى اليوم، فإن هناك منتجين مهمين في صناعة السينما مثل جيري بروكهايمر وبرايان جريزر. لدلك كله، كيف اكتسب المخرج تلك الأهمية التي أصبح يمتلكها الآن؟ كان الحدث الحاسم في فرنسا وليس في هوليوود، عندما تجمع نقاد سينمائيون مثل فرانسوا تروفو، وكلود شابرول، وإيريك رومير، والتفوا حول جريدة "كاييه دو سينما" (كراسات السينما) التي كان أندريه بازان رئيس تحريرها. وفي فرنسا ما بعد الحرب العالمية الثانية، قاموا بدراسة أفلام مخرجين موهوبين والكتابة عنها وعنهم، مثل جون فورد، وهوارد هوكس، وألفريد هيتشكوك، وأنطوني مان، وسام فوللر، واعتبروا هؤلاء المخرجين الأمريكيين مؤلفي أفلامهم، ووجهوا انتقاداتهم لبناء صناعة السينما الفرنسية والأفلام التي تصنعها، وبدأوا في صنع أفلامهم على نحو مستقل، وبميزانيات ضئيلة، وبأساليب متحررة تشبه الأفلام الأمريكية. لقد كان تأثير هذه الحركة ثوريا، عندما تم اعتبار هؤلاء المخرجين هم مؤلفو أفلامهم، أو أنهم الشخصية الإبداعية الرئيسية، وراء هذه الأفلام، وهو المفهوم الذي تلقفه السينمائيون في إنجلترا، عندما بدأ كاريل رايز وليندساى أندرسون الكتابة عن السينما بالروح نفسها، وصنعا أفلاما تشبه "الموجة الجديدة" الفرنسية، بذلك الأسلوب الأكثر حرية والأكثر شخصية. وفي أميركا، تم سريعا تبني مفهوم سينما المؤلف بواسطة جون كاسافيتيس، وآرثر بين، ومايك نيكولز، وسيدني لوميت، ومن جانب آخر، كان هناك تيار صحفي مثقف على يدي أندرو ساريس يدعم هذا المفهوم، في مراجعاته النقدية، ثم لاحقا في كتابه "السينما الأمريكية"، قام ساريس بشرح نظرية سينما المؤلف وتطبيقها على كل السينما الأمريكية. وهكذا وصلت ثورة سينما المؤلف إلى أمريكا، وأصبحت مدارس السينما ومعاهدها مرتعا خصبا لها. لذلك أصبح خريجو هذه المعاهد في أواخر الستينيات، خاصة مارتين سكورسيزى، وفرانسيس فورد كوبولا، وجورج لوكاس يشكلون دعما لهذه النظرية، وكان واضحا منذ أفلامهم الأولى أن سينما المؤلف سوف تسيطر على هوليوود. في الحقيقة أن هذا لم يحدث، فقد اكتسب الممثلون ووكلاؤهم والشركات الكبرى أهمية متزايدة، رغم ارتفاع قيمة المخرج ووضعه. لقد أصبح الجميع في عالم السينما، الممثلون، وفنانو المونتاج، وكتاب السيناريو، والموسيقيون، نجوما ساطعة (سوبر ستارز) تماما كما حدث للمخرجين، وكلما كانت المخاطر والمغامرات الاقتصادية تتزايد، تزايدت أعداد النجوم الساطعة في هوليوود. وعمقت العولمة والتكنولوجيا من هذا الاتجاه، ولكن المخرج اليوم يحتل القمة في السلم الهرمي للحرف المختلفة في صناعة السينما.