محمد اشويكة يتم تداول مصطلح سينما المؤلف في الحقل السينمائي المغربي بكثير من الخلط والتداخل... فالسينما المغربية تروج في ثناياها العديد من التداخلات: كاتب السيناريو هو المخرج، والمخرج هو المنتج، وفي بعض الأحيان هو الموزع... فالفيلم المغربي، لا زال محصور التداول والانتشار رغم كل المجهودات المبذولة على مستوى التلقي، كما أن الجمهور لم يطلع على كل التجارب السينمائية المغربية، إن السينما أمام هذه المحدودية التداولية، تشبه سينما المؤلف من حيث قلة الانتشار ومحدوديته، خلافا للسينما التجارية... يعلمنا درس تاريخ السينما أن الكثير من الأفلام قد نجحت بسبب عمق رؤية مخرجيها، أو بفعل استثمار مخرجيها لمواضيع ذات طابع خاص، أو بفعل أهمية نجومها التشخيصية، أو بفعل المجهودات الفنية والأدبية لكتاب سيناريوهاتها... وعليه، فالسينما المغربية لم تتمايز فيها هذه الأمور بشكل واضح، رغم التراكم النسبي على المستوى الفيلموغرافي، فهناك أفلام حققت نجاحا جماهيريا (بالمواصفات المغربية طبعا) لأنها تعالج موضوعات أقرب إلى الوجدان العام كالأفلام المرحة ذات الحس الفكاهي (البحث عن زوج امراتي، مبروك، لالة حبي، ولد الدرب، فيها السكر والملح وما بغاتش تموت، المختار الصولدي...)، أو بسبب دغدغة المكبوث العام (حب في الدارالبيضاء، ماروك...). فكيف يتحدد إذا سؤال المؤلف في السينما المغربية؟ أليس المخرج هو سيد الموقف في هذه السينما مهما كان الأمر؟ وهل استطاع الجمهور المغربي تحصيل الوعي البصري اللازم ليصل إلى إدراك الأجناس والمدارس والاتجاهات السينمائية... ليلج القاعة وفق مباديء فرجوية مسبقة تؤهله للفرز والتصنيف الفني؟ 2 لقد داع في أدبيات السينما أن مصطلح سينما المؤلف يشير إلى الأفلام التي تحمل وتعكس الخصائص الفنية والجمالية والفكرية والإيديولوجية... لمخرجيها. إذ يتعلق الأمر برؤية ذاتية للمخرج السينمائي حول قضية أو إشكالية معينة، والمصطلح بذلك يتمايز عن السينما التجارية وتنسحب عليه مقولة سينما الفن أو سينما البحث أو سينما التجريب... لكن السؤال الإشكالي المطروح: هل يستطيع أي مخرج أن يتخلى عن رؤيته داخل أي عمل أنجزه؟ هل عندما ينجز المخرج فيلما دعائيا مثلا لا يحمل بصمة صاحبه؟ هل الرؤية الذاتية قبعة نستطيع ارتداءها/خلعها متى نشاء؟ أظن أن الأمر في غاية التعقيد فلسفيا. 3 نستطيع أن نعصف بالأطروحة التالية: لم تخرج السينما المغربية في عموميتها عن سينما المؤلف، أو هي سينما مؤلف في عموميتها، لأنها لم تتمكن لحد الآن من إرساء أسس متينة لاتجاهات أو تيارات أو مدارس أو أساليب... سينمائية واضحة المعالم، بل هناك أفلام وتجارب وأساليب تنسب لأصحابها، وهم أنفسهم يقدمون أفلام غير متشابهة، وغير منسجمة سواء من خلال الرؤية العامة أم الأسلوب السينمائي... يشكل كل فيلم جزيرة معزولة عن المنجز الفيلمي ككل؛ هذا إذا رأينا الأمر من الزاوية التي حقق من خلالها المخرجون المغاربة تراكما فيلميا تجاوز عتبة الأربعة أفلام... أما التجارب المحدودة في الفيلم الأول أو الثاني، والذي تجاوز الفارق بينهما حقبة من الزمان أو ما يزيد، فالحكم عليه مستعص جدا، فهناك عدة مخرجين من الجيل الأول لم يتجاوزوا سقف الفيلم الأول، بل منهم من لم يتجاوز حاجز الفيلم القصير. 4 تاريخيا، تبلورت سينما المؤلف في سياق حركية نقدية في الساحة السينمائية الفرنسية خلال الستينيات من القرن المنصرم، عندما تآلفت آراء النقاد وبعض المفكرين والمخرجين، وتقاطعت أفكارهم حول ما يسمى بالموجة الجديدة لتحطيم الطابع الأكاديمي للسينما الفرنسية وعلى رأسهم Renoir. وهكذا سار الكثير من المخرجين ك Godard, Truffaut, Varda... على خطى دروب مغايرة مستلهمين آثار بعض السينمائيين الذين برزوا بتجاربهم المتميزة ك Ford, Hanks, Hitchcock... وهكذا بدأت سينما المؤلف كحركة فنية وفكرية وإيديولوجية تعارض علنا التوجه العام الذي كانت تنهجه الآلة الصناعية الهوليودية معتبرة السينما مجرد منتوج بسيط للفرجة، وتعاملت في إنتاجه بعقلية تتشابه مع عقلية صانع أي منتوج استهلاكي آخر. اعتبرت هذه الموجة أن المخرج يجسد فكرته وأسلوبه بنفس الطريقة التي يشتغل بها الكاتب لإبداع قصة أو رواية أو قصيدة مثلا. فمجال البلاغة مفتوح أمامهم بالتساوي، فالأول يجسده عبر القلم، أما الثاني فعبر الكاميرا، وبالتالي نصبح أثناء إخراج الفيلم أمام لعبة بلاغية تتحول خلالها الكاميرا إلى قلم "Caméra stylo". 5 ساهمت الظروف المحيطة بإنتاج السينما المغربية، أن ترتاد مسارات وسراديب لم تتوضح معالمها الفنية لحد الآن، فاتصالها بالدولة من جهة، وتطلعها لمعانقة أموال المنتج الأجنبي، وتراوح مخرجيها بين الهواية والسينيفيليا والعصامية والتكوين بالخارج... جعل أمرها معقدا، فنحن لم ننتج لحد الآن أسلوبا سينمائيا مغربيا خالصا يعكس الخصائص العامة للمجتمع المغربي، رغم أن سؤال "ما المغربي؟" ورشا كبيرا للاشتغال الفكري والتأملي المتعدد، فالإجابة عنه ستكون بمثابة الخروج من عنق الزجاجة على مستويات عدة...
6 تماشيا مع ما أومأنا إليه أعلاه، يتمظهر أن سينما المؤلف في المغرب، تحايث الرأي القائل بتحكم السينمائي في فيلمه، وخصوصا التحكم في عملية المونتاج باعتبارها عملية تقف خلفها اختيارات و... رغم أن بعض المخرجين المغاربة يمارسون عملية المونتاج بأنفسهم خصوصا بعد انتشار المونتاج الرقمي وسهولة البرامج المستعملة لهذا الغرض. أظن أن المخرج المغربي، بصفته يشتغل على واجهات عدة في الفيلم الواحد، وبسبب ممارسته للكتابة السيناريستية خاصة... يجعلنا نصطدم وجها لوجه بالمفارقة التالية: هل ممارسة السينمائي المغربي لعدة مهام داخل الفيلم الواحد، أداة للتحكم في الفيلم أم سبب في إضعافه واستنزاف مجهودات القائم بذلك؟ ألا يعتبر التخصص منهجا فعالا للرقي بالمنتوج السينمائي المغربي؟ صحيح أن بعض التجارب أثبتت بأن بعض المخرجين تسلموا سيناريوهات جيدة، لكن سرعان ما بعثروها ودمروا مجهودات مؤلفيها... ولكن ذلك لا يمكن أن يمنع من حدوث العكس. فهناك من يعتبر أن كاتب السيناريو هو المبدع الحقيقي للفيلم. إن هذا الأمر يحمل في طياته إشكالات عديدة، فالفيلموغرافيا العالمية تسهد بأن اختيار المخرج يشكل نقطة الحسم في الرؤية الجمالية والإيديولوجي والفكرية... وهذا ما يجعل أبوة كاتب السيناريو للفيلم غير قادرة على الصمود. إن ما يعزز الأطروحة التي ندافع عنها، ابتعاد السينما المغربية عن المنظومات الإنتاجية السينمائية الكبيرة، والأستديوهات العملاقة، وكذا انعدام إنجازها تحت الطلب "Cinéma de commande"... سينما تكاد تكون مستقلة نسبيا، ولا ترضخ لنزوات جمهور معين أو توجه سينمائي ما يجعلها مكتوبة بطريقة خاصة أو تخضع في إخراجها لتقطيعات ومساطر فنية معينة... انطلقت من توجهات مسبقة أًرِيدَ من خلالها استهداف عينة بعينها. طوال تاريخ السينما المغربية، ظل الهاجس المحرك للكثير من المخرجين يتمثل في الجمهور، لكنها رغم ذلك لم تستطع أن تلقى التفافا كبيرا من طرفه باستثناء تجارب قليلة منها. وهكذا ظل المبدع السينمائي المغربي منشطرا بين هاجس البحت جمهور ما، وظل الجمهور بنفسه يبحث عن سينما ما... ترى كيف يتم معالجة الأمر خصوصا وأننا في حاجة إلى جمهور خاص بالفيلم الوطني، يطلبها بدافع وطني رغم الإخفاقات والخيبات التي يمكن أن يتعرض لها؟ أظن أن التربية على السمعي البصري، مدخل مهم لتحقيق هذا الأمر. طرحت مشكل الجمهور لأن الكثير يعتقد بأن سينما المؤلف تقع على النقيض من السينما التجارية، رغم أن الأمر معقد من حيث الفصل في الحقل السينمائي المغربي، فنحن لم نصنع نجوما بالمعنى المتعارف عليه، ولم نحقق بعد دخولا سينمائيا "Entrée cinématographique"، ولم نصنع "Box office" مغربيا، ولم نحقق صناعة سينمائية خارج دائرة الدعم في مجال إنتاج الفيلم الروائي الطويل، ولم يستطع المخرج المغربي خصوصا الذي راكم تجربة كمية مهمة أن يكون لنفسه اتجاها فنيا يعرفه الجمهور به؟... بمعنى أننا لم نصل بعد إلى مواصفات المنظومة السينمائية التجارية... 7 إذا، ف"المؤلف" السينمائي المغربي يعتبر نفسه مثقفا ونخبويا... ويشتغل في إطار ميزانيات محدودة مما يجعله صارما حتى لا نقول متقشفا... ويدفع بمقولة الحب أولا (أقصد حب السينما)... إنسان عاشق ومغامر... فهل هو مؤلف بهذا المعنى؟ www.chouika.com