قال المخرج المغربي، داود أولاد السيد، الذي افتتح بفيلمه "الجامع" فعاليات الدورة الثانية عشرة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، إن السينما المغربية شهدت، في السنوات الأخيرة تطورات ساهمت في تقديم منتوج بخصوصية مغربية. وأوضح، في حوار مع "المغربية"، أن عدد الأفلام الروائية المغربية المشاركة في المهرجان، التي وصلت هذه السنة إلى 19 فيلما سنويا، دليل على هذا التطور، الذي تبقى أبرز سماته التنوع في المواضيع، وفي الرؤية السينمائية، مضيفا أن السينما المغربية أصبحت تحتل المرتبة الثانية عربيا بعد السينما المصرية. ورغم ما تحقق، كما قال، فالجهات المسؤولة مطالبة بدعم هذه السينما لتظل محافظة على المكتسبات، كما عليها، أيضا، أن تجد حلولا لدعم القاعات السينمائية، وحل مشاكل التوزيع السينمائي في المغرب، لضمان استمرارية السينما المغربية وتطورها. وأكد المخرج المغربي، الذي قدم مجموعة من الأعمال، التي لاقت نجاحا ملحوظا، مثل "عود الريح "، و"باب البحر"، و"باي باي السويرتي"، و"في انتظار بازوليني"، وأخيرا "الجامع"، أن كل ما تحقق كان بفضل الدعم، الذي ساهم في تحقيق أحلام العديد من المخرجين الشباب، الذين حققت أفلامهم نجاحات باهرة في مختلف المحافل الدولية، موضحا أن الدعم، الذي يقدمه المركز السينمائي المغربي ما هو إلا تسبيق على المداخيل. وأبدى أولاد السيد رغبة كبيرة في إنتاج سينما بسيطة تنطلق من المجتمع السفلي، مضيفا أن هناك الكثير من المواضيع، التي تحتاج إلى تسليط الأضواء عليها، مؤكدا أن السينما التي يحلم بها هي تلك التي تتعامل بالصورة، كلغة عالمية، وتراعي خصوصيات الإنسان المغربي البسيط. ما هو شعورك لاختيار فيلمك "الجامع" لافتتاح المهرجان؟ بصراحة، كنت متخوفا من برمجة فيلمي في اليوم الأول من المسابقة الرسمية للمهرجان، لكن ردود الفعل الإيجابية للجمهور، الذي كان حاضرا بقوة لمتابعة عملي السينمائي "الجامع" حتى انتهاء "الجينيريك"، فاجأتني وأدخلت الفرحة على قلبي، وحتى لو لم أتمكن من الحصول على أي جائزة من المهرجان، فتصفيقات الجمهور الحارة، وتجاوبه التلقائي طيلة العرض أسعدتني، وبددت كل المخاوف، التي انتابتني قبيل تقديم العمل. ألم تكن الجوائز التي حصل عليها الفيلم في مختلف المحافل الدولية وتجربتك الطويلة في الإخراج كافية لمنحك الثقة اللازمة بالنفس وأنت تقدم فيلمك في الافتتاح؟ رغم أنني شاركت بفيلم "الجامع" في العديد من المهرجانات العالمية، ونلت عنه عدة جوائز، من بلجيكا، وفرنسا، وتونس، والقاهرة التي منحتني جائزة تقديرية عن جل أعمالي، التي قمت بإنجازها طيلة مساري الفني، إلى جانب رضا وقبول النقاد والجمهور، الذي تابعه بشغف كبير خارج المغرب، إلا أنني كنت متخوفا من الجمهور المغربي، الذي أعتبره جمهورا قاسيا إلى أبعد الحدود، لأنه لا يتساهل مع أي عمل رديء، كما لا يمكن إرضاؤه بسهولة. الملاحظ أنك غيرت طاقم الممثلين الذين كنت تتعامل معهم من قبل، كما أنك مثلت، أيضا، في الفيلم، ما هي الأسباب التي دفعتك إلى ذلك؟ بصراحة، فكرت في البداية بإسناد الدور، الذي أديته، إلى المخرج القدير، الجيلالي فرحاتي، لكنني تراجعت في آخر لحظة لأضفي على الفيلم لمسة واقعية، لأنه فعلا كذلك، فالفيلم قصة واقعية، عايشت أطوارها أثناء تصويري لفيلم "في انتظار بازوليني" بمدينة زاكورة، حيث قمت بإنشاء عدد من الديكورات الخاصة بالتصوير، ومن بينها ديكور مسجد، أصبح الناس يصلون فيه فتحول من مجرد ديكور لمسجد إلى مسجد حقيقي يؤمه الناس للصلاة، كما أنهم اختاروا له إماما، ومن ثمة جاءتني فكرة إنجاز شريط "الجامع" السينمائي، الذي يرصد محنة موحا، الذي تضيع أرضه بسبب بناء ديكور الجامع، الذي أصبح ملكا لسكان الدوار. في ما يتعلق بالممثلين، باستثناء بشرى أهريش، ومصطفى تاه تاه، وزكريا عاطفي، آثرت التعامل مع وجوه جديدة غير مستهلكة في السينما. ألم تخش المغامرة وأنت تتعامل مع وجوه جديدة؟ وهل تعتقد أن التعامل مع الوجوه الفنية نفسها في كل فيلم يسقط في فخ النمطية ؟ أولا، لم أقصد بالوجوه الجديدة، تلك الوجوه التي لم تمثل قط، فبطل الفيلم عبد الهادي توهراش، ممثل مسرحي ممتاز، ومعروف في مراكش، منذ 40 سنة، وكذلك باقي الممثلين. الجديد هو أنهم لم يمثلوا في السينما بالشكل المطلوب من قبل. ولا أعتقد أن التعامل مع الوجوه الفنية نفسها في كل فيلم يسقط في فخ النمطية، لأن الأدوار تختلف من فيلم لآخر، والمخرج الناجح هو الذي يستطيع اكتشاف طاقات الممثل، ويخلق منه شخصيات مختلفة تغني مساره الفني. ما هي حدود العلاقة بينك وبين الممثل؟ وما هي المعايير التي تعتمدها في اختيار الممثلين؟ أنا أومن بالعمل الجماعي وبروح الفريق، ففي جل أفلامي اعتمدت على الفريق التقني نفسه تقريبا، كما في كرة القدم، فانسجام أعضاء الفريق وتفاهمهم يوصل إلى النجاح. فالأخلاق في الفن والصدق في الأداء أهم بكثير من المهنية، لأن المهنية يمكن اكتسابها بالممارسة، أما الأخلاق فلا، كما أن العلاقة التي تجمعني بالجميع هي علاقة حب واحترام أكثر منها علاقة عمل. أشرت في فيلمك إلى صراع خفي بين الدين والسلطة من جهة، وبين البسطاء من الناس ومن يفسرون الدين على مقاسهم ويفتون حسب مصالحهم؟ أولا، حاولت ما أمكن تجنب إدراج النصوص الدينية من قرآن وسنة في النص، لأنني لا أملك ثقافة دينية كافية. الفقه بعيد تماما عن اختصاصي، لكنني حاولت في فيلمي أن أبحث عن إجابة لسؤال محدد، مفاده هل للشخص الذي أجرنا أرضه لنبني عليها ديكور مسجد لتصوير فيلم سينمائي، الحق في هدم المسجد أم لا؟ حقيقة لم أجد إجابة شافية، فكل ما هناك فتاوي متضاربة، فهناك من يجيز، وهناك من يحرم، والنقطة التي أثارت انتباهي في الموضوع، هي أن أي شخص يمكنه أن يؤول بعض النصوص كما يشاء، ويحلل ويحرم في أي وقت شاء، لذلك اكتفيت برصد بعض التناقضات من أجل كشف الاستغلال الفظيع للدين، خلال عمل سينمائي واقعي وبسيط. ما تقييمك للسينما المغربية؟ السينما المغربية حققت الكثير من المكتسبات في الآونة الأخيرة، إذ أصبحت تنتج قرابة 19 فيلما طويلا، وأزيد من 80 فيلما قصيرا، وهذا شيء إيجابي لأن الكم يعني التنوع، الذي يعني بدوره إرضاء كافة الأذواق، حيث نجد تعددا في المواضيع، كما نجد السينما التجارية، وسينما المؤلف. أعتقد أن السينما المغربية رغم بدايتها المتأخرة، نوعا ما، أصبحت تحتل الآن المرتبة الثانية بعد السينما المصرية، التي بدأت منذ قرن من الزمن تقريبا، فالسينما المغربية تشهد انتعاشا ملحوظا وبشهادة الجميع. ما هي الأسباب التي كانت وراء هذا الانتعاش في نظرك؟ وهل يمكن القول إن السينما المغربية بدأت تلامس القمة؟ أسباب الانتعاش في نظري ترجع إلى ارتفاع حجم الدعم المالي، الذي تحصل عليه الأفلام المغربية، فبعدما كان الفيلم يحصل على 15 مليون سنتيم، في بداية التسعينيات من القرن الماضي، أصبح الآن يحصل على 450 مليون سنتيم، وهذا شيء إيجابي، كما أن هناك اهتماما كبيرا، أيضا، بسينما الشباب، إذ يعمل المركز السينمائي المغربي منذ مدة على دعم الفيلم الأول، لتشجيع المخرجين الشباب، كما أن تشجيع الاستثمارات السينمائية في المغرب كان له أثر إيجابي في تكوين مجموعة كبيرة من التقنيين، والمخرجين، والممثلين، الذين عملوا مع عمالقة السينما العالمية بالمغرب، إضافة إلى انتشار المهرجانات السينمائية، التي يعود لها الفضل الكبير في توفير فرص احتكاك سينمائيين مغاربة مع نظرائهم العالميين، وتشجيعهم على الاستمرار في عملهم. ورغم ما تحقق، فالجهات المسؤولة مطالبة بدعم هذه السينما لتظل محافظة على المكتسبات، التي حققتها في الآونة الأخيرة. كما عليها، أيضا، أن تجد حلولا لدعم القاعات السينمائية، وحلا لمشاكل التوزيع السينمائي في المغرب، لضمان استمرارية السينما المغربية وتطورها. ألا ترى أن الدعم، الذي يقدمه المركز السينمائي المغربي لا يكفي لإنجاز فيلم بمواصفات فنية عالية؟ الدعم الذي يقدمه المركز السينمائي المغربي للسينما المغربية، ما هو إلا تسبيق على المداخيل، وليس ميزانية كاملة للفيلم، كما يعتقد الكثيرون، فهو مجرد جزء من الميزانية التي يتطلبها الفيلم، لذلك نجد العديد من المخرجين السينمائيين يطرقون الأبواب للحصول على المزيد من الدعم من جهات أخرى، داخلية وخارجية. في هذه الحالة، هل تقبل الجهات الخارجية منح الدعم من دون مقابل، أم أنها تفرض تنازلات معينة؟ وكيف تقيم هذا الأمر، وما هي انعكاساته على العملية الإبداعية في السينما؟ بالنسبة لقضية التنازلات، فالسينما بالإضافة إلى كونها إبداع، فهي، أيضا، صناعة وتجارة، ولا شك أن الذين يتكلمون عن السينما التجارية يتكلمون بشكل مختلف تماما، فالمبدع يتكلم عن الفن، وهم يتكلمون عن شيء آخر، وهذه العلاقة الثنائية تتطلب من المخرج أو من المنتج المغربي أن يكون على وعي كامل بما يفعل. كما أن هناك العديد من المقاييس المعتمدة، من طرف كل لجنة، وأعتقد أن شروط الحصول على الدعم تدخل فيها الكثير من الاعتبارات، منها شهرة المخرج ومكانته، وجودة السيناريو، بالإضافة إلى خلفيات الفيلم الثقافية والسياسية المرتبطة بالجهات المانحة. هل يمكن القول إن هناك سمات واضحة للسينما المغربية؟ أعتقد أن السينما لا ترتبط ببلد معين، لأنها كونية، فلغة السينما هي الصورة، ولغة الصورة يفهمها الجميع، فالسينما بدأت صامتة، ومع ذلك حققت نجاحا مبهرا، فمن منا لا يحب أفلام شارلي شابلن؟ إنها أفلام كونية يفهمها الكل ويحس بها، فلغتها سينمائية خالصة. السينما الناجحة في نظري هي تلك التي تعتمد على كتابة الصورة بلغة أبلغ من كل الكلمات واللغات، لأن الفيلم عبارة عن قصيدة عذبة، توظف لغة الصورة والضوء، والصمت والتأمل أكثر مما توظف النص الكلامي. ما هي السمات التي تميز الفيلم المغربي؟ وما هي نقاط الالتقاء والاختلاف بين السينما في المغرب وفي باقي دول العالم ؟ السينما المغربية تعكس تفكير مخرجيها، كل على حدة، فكل مخرج سينمائي يفكر بشكل مختلفا تماما عن الآخر، وينهل من المدارس التي تأثر بها، وبالتالي يأتي كل فيلم مختلف عن الفيلم الآخر، ولعل هذا ما يميزها عن باقي المدارس السينمائية الأخرى، أما عن نقط الاختلاف والالتقاء، فكما سبق القول، ورغم الخصائص والمميزات، التي تميز كل اتجاه سينمائي عن الآخر، تبقى للسينما لغة واحدة كونية تجمع بين كافة الاتجاهات، ألا وهي لغة الصورة. ما هي أهم المواضيع التي تطرحها السينما المغربية، وما هي المواضيع التي تفضل طرحها أنت شخصيا؟ السينما المغربية مازالت لم تتطرق لمواضيع كثيرة ومختلفة، شخصيا أفضل مواضيع تخص الناس العاديين، والكادحين المشردين، الذين يعيشون على الهامش، وأفضل النزول إلى الشارع لتصوير هؤلاء البسطاء، والفضاءات التي يتحركون داخلها، فهؤلاء هم الهوية وهم الوطن، فأنا أتجه دائما نحو السهل الممتنع. وما هي السينما التي يحلم بها داود أولاد السيد؟ السينما التي أحلم بها هي تلك السينما البسيطة، التي تحمل لغة الصورة وتراعي خصوصية الإنسان المغربي البسيط، وتتعامل مع الوطن بنظرة إيجابية تبرز تراثه وتقاليده، بعيدا عن الإساءة والتشويه. فالسينما في نهاية المطاف لا تملك لغة معينة ذات خصوصيات محلية، لأن السينما في مصر هي نفسها في أميركا، وفرنسا، والاختلاف الموجود هو في الخلفية الثقافية، التي تنطلق منها كل واحدة. في رصيدك خمسة أفلام سينمائية طويلة كانت كلها أفلام ناجحة بكل المقاييس بدليل أنك حصدت العديد من الجوائز، ترى ما السر في ذلك؟ ليس هناك أي سر كل ما هنالك أنني أركز على سيناريو جيد، إذ أنني أحرص على التعامل مع أبرز كتاب السيناريو المغاربة، لأن النص السينمائي يختلف في بنائه عن باقي النصوص الإبداعية الأخرى، بالإضافة إلى إشراك الممثلين في كل صغيرة وكبيرة، باعتبارهم فريق عمل واحد حتى أضمن نجاح العمل، كما أن الاقتراب أكثر من الإنسان البسيط ومشاكله يعطي للعمل شعبية تضمن له النجاح، بالإضافة إلى أن الاعتماد على الكتابة بالصورة والصوت كلغة كونية تجعل الفيلم مقبولا في أي مكان من العالم، كما أن الدعاية ضرورية لنجاح الفيلم ووصوله إلى أكبر فئة من الناس، وهذا ما ينقصنا في المغرب، فالتسويق السينمائي ما زال لم يصل إلى المستوى العالمي، عموما أنا دائم البحث عن كل ما من شأنه أن يضمن نجاح الفيلم.