لم تعد "قشابة" المراكشيين واسعة، بل بدأت تضيق كلما تجاوزت الحرارة 46 درجة. مراكشيون يفرون من قيظ بيوتهم إلى الشارع إذا كان الكثيرون من أهل سبعة رجال يستنجدون بضواحي مراكش، والقيام برحلة إلى منتجع أوريكة، الذي يتميز بطبيعة خلابة وجو رطب، أو التوجه إلى مدينة الصويرة للاستمتاع بمياه البحر الباردة، فإن أغلب المراكشيين يحاولون الاحتماء من القيظ الذي تعرفه مراكش خلال هذه الأيام بكل إمكانياتهم المتوفرة، كالسهر ليلا في الفضاءات الواسعة الخضراء، وتحديدا الأماكن الأكثر استقطابا مثل الواحة بحي سيدي يوسف، وباب الجديد، وشارع محمد السادس، ومنطقة أكدال، لتوفرها على النخيل الذي يعلو السماء والإضاءة إلى جانب ساحة ممتدة لكيلومترين، حيث العائلات تتسامر على مائدة تحتوي ما لذ وطاب من أكل وفواكه ومياه باردة. وتعرف مراكش وضواحيها موجة من الحرارة المرتفعة منذ عدة أيام٬ ما يضطر معه سكان المدينة وزوارها إلى تغيير عاداتهم من أجل إيجاد الوسيلة الملائمة لتلطيف الجو والتخفيف من أثر الحرارة التي تجعل شوارع المدينة طيلة ساعات النهار شبه خالية. وعاينت "المغربية" عددا من سائقي سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة، يضعون على رؤوسهم وبمحيط أعناقهم "فوطات" ومناديل مبللة بالمياه الباردة في محاولة منهم للتخفيف من قساوة الجو وحرارة الطقس. ويفضل عدد من المواطنين القيام بنزهة في الليل٬ في حين يلجأ آخرون إلى رفع تحدي شدة الحرارة التي تعيش على وطأتها المدينة الحمراء٬ عبر إعداد برنامج للترويح عن النفس٬ يبتدئ منذ الساعات الأولى من الصباح، باختيار٬ على سبيل المثال، قضاء اليوم في الطبيعة. وتقتصر الأسر التي لا تتوفر على الإمكانيات المالية للقيام برحلة إلى منتزهات طبيعية مماثلة٬ على قضاء وقتها "مختبئة" في منازلها في جو عائلي٬ علما أن العطل الصيفية تشكل مناسبة ينتظرها أفراد الأسر الكبيرة للاجتماع وتقاسم لحظات من الفرحة والانشراح. أما شباب الأحياء الشعبية بالمدينة القديمة٬ فيختلف برنامجهم عن ذلك٬ حيث يلجأون في مجموعات٬ للاستمتاع بوقتهم في السباحة بأحد مسابح البلدية بالمدينة٬ إذ يكون ثمن تذكرة الولوج إليها في متناول الطبقة المتوسطة٬ أو الذهاب لقضاء يومهم على ضفاف سد لالة تكركوست الذي يبعد بحوالي 30 كلم عن مراكش . أما الأطفال والشباب المتحدرون من أسر معوزة٬ فيفضلون الذهاب إلى بعض الحدائق مثل المنارة وغابة الشباب أو إلى الفضاءات الخضراء بمنطقة أكدال٬ للمبيت في هذه الساحات حتى طلوع الشمس، لمواجهة٬ حسب طريقتهم الخاصة٬ موجة الحرارة المفرطة والاستمتاع بالاستحمام في النافورات٬ أو بمجاري مياه السقي "السقايات". وفي هذا السياق، تجولت "المغربية" بعد مغيب الشمس، في بعض أزقة المدينة العتيقة كابن يوسف، وسيدي بنسليمان، وسيدي عبد العزيز، وحي القصبة، وعاينت عددا من الأسر تهرب من بيوتها من شدة الحرارة المفرطة، بحثا عن الهواء المنعش خارج منازلها، في إطار مجموعات لاحتساء القهوة أو شرب كؤوس من الشاي والماء البارد. وتشهد الفضاءات الخضراء التي تشكل المتنفس الحقيقي للمدينة الحمراء وفضاء للاستراحة والترويح عن النفس والاستمتاع بالنسمات العليلة، إقبالا كثيفا منقطع النظير من طرف زائريها، طيلة ساعات الليل، لكونها أصبحت ملاذا ووجهة مفضلة للمراكشيين الباحثين عن الهواء "البارد" والخضرة المنعشة. ومع غروب شمس كل يوم تتحول الفضاءات الخضراء إلى أماكن مفضلة لسكان مدينة سبعة رجال، من مختلف الفئات العمرية، بحثا عن رطوبة الجو والاستمتاع بجمال الطبيعة، لتبادل أطراف الحديث حتى وقت متأخر من الليل، حول مواضيع آنية أو حكي قصص ونكت وطرائف، أو المشاركة في لعب الأوراق أو الشطرنج والتي تتخللها فترات لاحتساء القهوة أو شرب كؤوس من الشاي وتناول مأكولات خفيفة جرى تحضيرها لهذه النزهة الليلية. من جهة أخرى، أكدت مصادر طبية أنه لتفادي المضاعفات السلبية لدرجات الحرارة المرتفعة، عرفت المؤسسات الاستشفائية بالمدينة الحمراء تعبئة كبيرة وسط أطرها، لاستقبال المرضى الذين يعانون ضيق التنفس بسبب الحرارة٬ في أحسن الظروف، فضلا عن إعداد برامج تحسيسية حول مخاطر ارتفاع الحرارة لدى الشباب والأشخاص المسنين لمساعدتهم على تجاوز هذه الفترة الحرجة بالنسبة إليهم .