اشتهرت مدينة مراكش بعدة أسماء من بينها "سبعة رجال"، وارتبطت برجالاتها، الذين بصموا حياتها الدينية والروحية، وألهموا الكثير من الكتاب والأدباء وشعراء الملحون، من خلال حسهم الإنساني والأخلاقي، ما دفعنا إلى الالتفات لظاهرة هؤلاء الرجالات. كان هاجس عبد السلام الجبلي تأسيس خلايا مسلحة ضد الاستعمار، رغم اعتراض قيادة حزب الاستقلال على ذلك في بداية الأمر، قبل أن تقتنع بأن المرحلة تقتضي ذلك. يحكي أحد المقربين من عبد السلام الجبلي، في لقائه مع "المغربية"، كيف أن اجتماع الجبلي ببعض الشباب بغابة "بناكوال" الموجودة حاليا بشارع محمد السادس (فرنسا سابقا)، من أجل إقناعهم بالعمل المسلح، سيستنفر قيادة حزب الاستقلال، لترسل عضوا بارزا للبحث في عنف عبد السلام، الأمر الذي انتهى بتجميد عضويته في الحزب، دون إخباره بذلك. أسس عبد السلام الجبلي عدة خلايا للمقاومة المسلحة، أبرزها خلية مبارك البناي، التي تضم رحال بن احمد، وعلال بن احمد، وحمان الفطواكي... وخلايا المقاومة في سوس سنة 1953 و1954، مع محمد بولحيا، وإبراهيم السائق، واستقطب عددا من المقاومين مثل الحاج محمد العربي المودن، ومحمد الفكيكي بوراس، وعمر الحريري البيضاوي، والفقيه البصري، ومحمد أوقلا والمقاوم بوشعيب البيضاوي... من بين أعمال عبد السلام الجبلي أحد الرموز التاريخيين في المقاومة المسلحة التخطيط خلال المرحلة الاستعمارية، وتحديدا سنة 1954، لهجوم على ملعب الفروسية بمدينة أكادير، مستعملا في ذلك القنابل ضد الباشا بنحيون، والجنرال "داسي دييست"، كما خطط في السنة نفسها للهجوم بالقنابل ضد الباشا الكلاوي، والجنرال غيوم، بعرصة مولاي عبد السلام بمراكش، إضافة إلى تنفيذه هجوما بالقنابل ضد ضيعة السلطان محمد بن عرفة، رفقة محمد أوقلا، والحاج محمد بلعربي الموذن، الذي أدخل القنابل. دخل مولاي عبد السلام للمغرب بشكل نهائي في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، بعد 19 سنة من مغادرته للمغرب، وهي مرحلة الصراع السياسي وما تخللها من معاناة، وقرر الاستقرار بمنطقة تامصلوحت ضواحي مدينة مراكش. يقول مولاي عبد السلام الجبلي، خلال حديثه مع "المغربية" عن علاقته مع أحمد بن بلة أول رئيس جزائري بعد الاستقلال، "في سنة 1956 التقينا بن بلة في القاهرة بمناسبة عيد الجلاء، كان الراحل جمال عبد الناصر استدعانا رفقة عدد من المناضلين من مختلف البلدان العربية، وكان هدفهم كمغاربة أن نؤكد للجزائريين أنه رغم استقلال المغرب، فإنه سنواصل الكفاح المشترك من أجل استقلال الجزائر في أفق بناء المغرب العربي الكبير، كنت مكلفا بالاتصال بأحمد بن بلة لتأكيد النضال المشترك خصوصا أن الجزائريين كانوا يرون أن استقلال المغرب سيضعف من دعم الكفاح الجزائري، والفرنسيون كان لهم طبعا غرض في استقلال المغرب وتونس وهو الانفراد بالجزائر وإحكام القبضة عليها، فالجزائريون اعتقدوا أننا تخلينا عنهم، لكنني أكدت لبن بلة بأن المغاربة مازالوا متشبثين بالكفاح إلى جانب إخوانهم الجزائريين ودعم الثورة الجزائرية إلى غاية الحصول على الاستقلال، كما أن عددا من المناطق المغربية مازالت محتلة كالصحراء وإفني وسبتة ومليلية وأن جيش التحرير سيستمر في دفاعه ومواجهة المستعمر إلى أن يخرج". يواصل مولاي عبد السلام الجبلي، حديثه بعد استحضاره لتجربة المنفى وكيف غادر الجزائر ليستقر في فرنسا، قائلا "من الجزائر انتقلنا إلى فرنسا لأنني اختلفت مع بن بلة في ما يتعلق بحرب الحدود، وكان لدي موقف صريح مع الجزائريين، خصوصا أن هذا المشكل يضرب في الصميم مشروع بناء وحدة المغرب العربي، المصريون انحازوا للجزائريين مع العلم أن قضية الحدود هي قضية مصطنعة، قلت لهم ليس لديكم الحق في مساندة الجزائر والانحياز لها ضد المغرب، لأن لنا الحق في أرضنا، اقترحت عليهم بدل أن يكونوا عنصرا مساندا ومتحيزا، أن يعملوا بكل حياد على الإصلاح، قلت لبن بلة بأن الصراع على الحدود خطير وسيعمق الأزمة، وستكون نتائجه وخيمة على مستقبل المغرب العربي على المدى البعيد، خرجت إذن من الجزائر ورحلت إلى فرنسا، فهناك ستكون لدي كامل الحرية، ولن أرتبط بأية مساعدة، في البلدان العربية لن أكون حرا، أما في فرنسا سأبني مستقبلي بنفسي وفق ما أريد، وعند وصول الهواري بومدين إلى الحكم، اتصل بي يعرض علي العودة إلى الجزائر باعتبار أنها بلدي الثاني، اشترطت عليه الاعتراف بحقوقنا وحل مشكل الحدود، طبعا الجزائريون كانت لديهم أهداف سياسية، حيث أرادوا السيطرة وفرض الوجود في المنطقة باعتبارهم دولة كبيرة". لم يستجب مولاي عبد السلام الجبلي لطلب بومدين، لأن هذا الأخير لم يقبل الشروط، لكن هاجس مولاي عبد السلام هو أن يربط أبناءه بالوطن، وهو ما دعاه سنة 75 أن يبعث بهم إلى المغرب وبالضبط إلى بيت السي عبد الرحيم بوعبيد مدرسة النضال.