اقتحمت "المغربية" مكان اعتصام مصطفى سلمى في نواكشوط بموريتانيا، وهو في إضراب مفتوح عن الطعام، بأسئلة تعيد قضيته إلى الواجهة، بعد مضي قرابة 3 سنوات على تصريحه في مدينة السمارة، عندما زار أهله، وأعلن تأييده لمبادرة الحكم الذاتي وهو القيادي الأمني السابق في البوليساريو، ما أثار عليه سخط الجبهة، التي تلقت أوامر من السلطات الجزائرية بمنعه من العودة إلى المخيمات، ووصل الأمر بها إلى إطلاق تهديدات بتصفيته، واعتقاله في حال عودته إلى مخيمات تندوف. لكن مصطفى أصر على العودة، معتقدا أن قيادة البوليساريو، التي ظلت تعد الصحراويين ب"تقرير المصير"، ستسمح له بحرية الرأي والتعبير واختيار المصير الذي يريده، فما كان له إلا أن تعرض للاختطاف والاعتقال، ولو لا حركة الاحتجاج الواسعة، التي انطلقت في المغرب وعبر عواصم عالمية، لكان مصطفى في عداد المفقودين، وهي احتجاجات نزلت بوابل من الانتقادات على الجزائر والبوليساريو، إلى أن قررتا الإفراج عنه وتسليمه إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي استوطنته في موريتانيا، واعدة إياه بحل في أقرب الآجال للاجتماع مجددا بأهله. لكن الحل لم يأت، ومصطفى لم يلتق أهله، وهو مستمر في الاحتجاج، وفي ما يلي نص الحوار الذي خص به "المغربية". بداية، كم مضى من الوقت على منفاكم في موريتانيا؟ - مضى على إبعادي إلى موريتانيا حتى هذا الحين 912 يوما. * كيف وصل بكم المطاف إلى هذا المنفى وما هي خلفيات قرار إبعادكم من المخيمات من قبل جبهة البوليساريو؟ - الخلفيات واضحة، وتتلخص أساسا في رغبة من يديرون المخيمات بشكل مباشر أو غير مباشر في أن يبقى الإنسان الصحراوي هناك أداة لتنفيذ أجندة معينة، ويمنع عليه المشاركة في تقرير شؤونه، مثل بقية خلق الله. * من المسؤول عن حالة الإبعاد القسري هذه، البوليساريو أم السلطات الجزائرية؟ - بالدرجة الأولى الجزائر، لأنها صاحبة السيادة على المخيمات، وسلمت لمفوضية غوث اللاجئين رسالة بمنعي من دخول المخيمات، والدرجة الثانية، تقع على عاتق قادة البوليساريو، فقد كانوا هم أداة تنفيذ القرار الجزائري، كما هو دأبهم دائما. * ما هو دور المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في قضيتكم؟ - المفروض بأنني لاجئ مشمول بحماية مفوضية غوث اللاجئين، لكنني لم أشعر بتلك الحماية منذ توقيفي، ولا أثناء فترة اعتقالي، ولا في قرار إبعادي، ولأنها الجهة المسؤولة عن حمايتي، فقد وقفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وقفة المتفرج، دون أن تحرك ساكنا، حتى ورطتها الجزائر وأدخلتها شريكا في جريمة إبعاد لاجئ، تنص القوانين الدولية على أنه في حالة طرده يجب أن تعطى له فرصة للتقاضي واستئناف الحكم. * قررتم جعل حل مشكلتكم جزءا من الحل الشامل لقضية الصحراء، هل أنتم واعون بأنه ما لم تحل قضية الصحراء لن تحل مشكلتكم؟ - مصطفى ليس الصحراوي الوحيد المعني بقضية الصحراء، ونضاله من أجل التسريع بإنهاء هذا المشكل، الذي يعانيه أهله قبل غيرهم، وليس من عاداتنا أن نرحل دون أهلنا، لذلك، هذا قدرنا، أن نظل نناضل حتى يعود كافة الصحراويين المشتتين إلى أرضهم. * أيدتم فكرة مشروع الحكم الذاتي، وفضلتم الاحتفاظ بصفتكم داخل جبهة البوليساريو، وكان الجزاء هو اختطافكم واعتقالكم ثم إبعادكم من طرف الجبهة، من هو خصمكم المباشر في هذه الظروف؟ - جبهة البوليساريو لم تترك للصحراويين خيار الخروج عنها، فهي تفرض نفسها الممثل الشرعي الوحيد لهم، وبحكم قانونها هذا، فعليها أن تتقبلني وتتقبل غيري، مهما كانت آراؤنا، وإما أن تقر بأنها ليست الممثل الوحيد للصحراويين، كما تدعي، وعليها أن تعترف بوجود وجهات نظر مخالفة لها بين الصحراويين. إذن، خصمنا هو النظام الشمولي في البوليساريو، الذي يناقض نفسه، فعلى جبهة البوليساريو إما أن تتقبلنا، وإما أن تسمح لنا ولغيرنا بالتعبير عن رأيه، وتأسيس الجمعيات السياسية، التي، بالتأكيد، ستكون منافسة للبوليساريو. * قابلتم المبعوث الأممي كريستوفر روس خلال إحدى جولاته في المنطقة، ماذا دار بينكم؟ - المبعوث الأممي مستمع جيد. * وجهتم رسائل احتجاج عدة لإثارة انتباه المنتظم الدولي، لكن دون جدوى، إلى ماذا تحتاجون لحل قضيتكم؟ - نحتاج مزيدا من الصبر في نضالنا، فالمجتمع الدولي لا يعرف شيئا عن وضع المخيمات للأسف، وما لديه من معطيات هو ما تسوقه البوليساريو والجزائر، خدمة لمصالحهما، ثم إن المجتمع الدولي تحكمه مصالح، ونحن لا بترول ولا غاز لدينا في المخيمات، لكننا متسلحون بالحق، ولذلك نحارَب (بفتح الراء)، وفي النهاية سينتصر الحق، هذا وعد من ربنا، وإيماننا به كبير. * أنتم تعرفون أن جبهة البوليساريو ليست سيدة مصيرها، هل هناك جهات أخرى وراء السلطات الجزائرية تملي مصير الجبهة؟ - الجزائر هي السيدة على قرار البوليساريو بلا شريك، على ما يبدو. * كيف تفسرون انشغال منظمات حقوقية غربية بحالات صحراويين داخل المغرب، فيما يقع تجاهل قضيتكم وقضايا صحراويين آخرين في المخيمات داخل الأراضي الجزائرية؟ - لقد قلت لكم إنه لا بترول لدينا ولا غاز، وإذا كانت هذه الجهات صادقة حقيقة في ادعاءاتها، فكيف لا نسمع باهتمامها بحرق الأقلية الروهيفية في ميانمار، ولا بالقمع في الجزائر نفسها، التي تعتبر منطقة مغلقة أمام المنظمات الحقوقية الدولية. لقد فضحت هذه المنظمات نفسها، ولنا الشرف أنها لا تدعمنا. * كيف هي وضعية حقوق الإنسان في المخيمات؟ - في المخيمات، لا يعرفون أن لديهم حقوقا، فكل شيء هو منة من منظمة البوليساريو، التي تسير كل شيء، فأنا، مثلا، لم أختر المدرسة التي درست فيها، ولم أختر أن اذهب إلى الجزائر ولا إلى ليبيا، ولم أختر التخصص، الذي درسته في الجامعة، ولم أختر أن أحصل على تكوين في الأمن، وهذا حال كل أهل المخيمات في كل حقوقهم، لذلك اخترت اختصار الأمر في أننا لا نعرف بأن لنا حقوقا، وكل ما جادت علينا به المنظمة، هو حق وما منعته عنا هو غير حق. * كلمة أخيرة من مصطفى سلمى في منفاه. - سأواصل النضال، ليس أمامي من خيار، مستقبل أبنائي وعشيرتي وأهلي يحتاج أن نصبر، ومالنا من سبيل غير أجسادنا وإرادتنا، لنفهم العالم بأن عليه أن يستمع إلينا، وأن يقف إلى جانبنا، كي ننعم بما ينعم به كل البشر من حقوق.