في حوار حصري خص به " العلم" بمقر منفاه ولد سلمى يكشف خيوط الغزل التي تسقط شرعية البوليساريو في تمثيل الصحراوين كانت دهشتنا كبيرة حين بلغنا مكان اعتصام المناضل الصحراوي مصطفى سلمى أمام مقر ممثلية المفوضية السامية لغوت اللاجئين بنواكشوط، خلال زيارتنا الأولى له هناك قبل شهور، كان رجل يقبع مكانه تحث شجرة تحميه حر الطقس، لكن مشهد الاعتصام كان ينقصه شيئا اعتدناه وهو صور أطفاله، وكان الرجل في حالة صحية استحال لنا معها إجراء حوار مطول بهذا الشكل، فما كان أمامنا غير ضرب موعد آخر معه، لنعرف تفاصيل ملفه العالق، وكانت المفاجئة أكبر خلال زيارتنا الثانية له قبل أيام، بعد قفله سنة كاملة في منفاه القسري، حين كشف لنا عن خيوط الغزل التي تسقط لا شرعية البوليساريو عن تمثيلها للصحراويين، فاضحا عمالة القيادة الحالية للجزائر وكيف باعت لها الصحراويين مقابل مصالح مشتركة، و أشياء أخرى أكثر خطورة ضمن هذا الحوار الحصري الذي خص به جريدة "العلم" تفضح تواطأ المفوضية مع من سلبهم حقوقهم الشرعية.. **************************** 1. ماذا لو حاولت تذكيرنا بأهم محطات رحلة النفي و الفرقة عن الأهل التي قفلت سنة كاملة دون حل يرجى؟ أذكر أنه يوم 10 أكتوبر جاءني شخص في محل الاعتقال للتفاوض معي بصفة شخصية، بعد اصدار البيان الكاذب في 6 أكتوبر المتعلق بإطلاق سراحي، قلت له أنني لن أغير موقفي وما قلته للمحققين لازلت عليه، وأي يوم يمر ليس في مصلحة القيادة، فأنا لم ارتكب أي جرم أعاقب أو أعتقل بسببه، وكلما طالت مدة اعتقالي فهي إدانة لكم وليس لي، واليوم المسؤول عني هو قاضي التحقيق وإن أردتم الإفراج عني، عليك أن تقدم قرارا عن هذا القاضي فأنت تعرفه وتعرف مكان سكناه، و حاول هذا الشخص أن يمتحنني في الأول، كي أتراجع عن تصريحاتي، أو أواصل كي أصبح جاسوسا لهم، فقلت له :"أنت تتعب نفسك ، أنا قضيت حياتي كلها في جهاز الأمن، وقد كرهتها كوظيفة إذن أرجو أن تعبر الموضوع منتهي ومحسوم فيه". 2. وهل انتهى موضوع المساومة عند هذا الحد أم انقلب إلى ضده؟ لا طبعا، بعد يومين عاد ليقول لي أن الجماعة قررت إطلاق سراحي وتسليمي لمنظمة دولية، و في صباح يوم الموالي اتصل بي مسؤول عن المفوضية السامية لغوث اللاجئين، استفسرته عن سبب الاتصال، وقال لي أن الجزائر رفضت أن أظل مقيما فوق أرضها، وطلبت من المفوضية ترحيلي إلى أحد البلدان، و سألني عن اختياراتي بالترتيب، قلت له انني اليوم غير متواجد فوق التراب الجزائري فأنا فوق تراب أجدادي حيث ولدت، وابعد عن مسقط رأسي المهيريز بثلاثين كلم فقط، و أنا غير محتاج لترك ترابي، أصر على الأمر وطلب خيارات ، فقلت اختار أولا اسبانيا، موريتانيا، المغرب و جعلت الجزائر من بين الخيارات. 3. لماذا جعلت الجزائر من بين الخيارات وأنت تعلم أنها هي من أمرت بترحيلك؟ كنت أريد أن أتبت أن ما قمت به يتعلق بموقف مصيري يخص الصحراويين فقد دون غيرهم، خصوصا وأن الجزائر تدعي دوما، في المحافل الدولية، أنه لا علاقة لها بملف الصحراء، فكنت أريد أن تصدق أو تفعل إدعاءاتها ولو مرة في تاريخ هذا الملف الذي كان عمر طويلا، لأنها تحرك جهاز تحكم من خلف سيثار، وكنت أيضا أريد أن أبرهن للعالم وللمفوضية نفسها أنه لا عداء لي مع الجزائر يجعلها تتدخل في حرية رأيي وتطالب بترحيلي، فأنا لم أبدي أي رئي يمس النظام الجزائري أو يهدد أمنها القومي، هذا من جهة من جهة أخرى كنت أحاول من خلال اختياراتي أن أبقى قريبا من منطقتي، أي بمحاذاة الصحراويين وكل أهلي، وقيدت اختياراتي بشروط وهي: مهما كان هذا المكان والذي لابد أن لا يخرج عن هذه الخيارات، أن تحترم فيه مواقفي، خاصة تلك المتعلقة بكون الصحراويين مسئولين عن تقرير مصيرهم. 4. اخترت بلدانا قريبة من المنطقة حيث أطفالك، هل كنت تتوقع أن يكون اختيارهم دولة فلندا مثلا، كما حصل فعلا؟ أولا أنا عشت في المخيمات و اشتغلت مسؤولا أمنيا مدة طويلة وبالتالي كنت أعرف جيدا طريقة تفكير الجزائريين وقادة الجبهة، وقد عشنا حالات مماثلة، لذلك كنت أتوقع اختيارا مثل فلندا أو كندا أو غيرهما من دول النفي وليس اللجوء، ثانيا طلبت من المسئول أن نلتقي وأقرر مصير لجوئي وجها لوجه، لكنه برر رفضه بأنه لا يستطيع بلوغ المكان الذي أتواجد فيه، بعد يومين لم يطرأ أي جديد ولم يتغير شيء، فأخذ الأمر يأخذ عندي نوعا من الضبابية في الرؤيا، فطلبت من مسئول الحرس المكلف باعتقالي أن يبلغ المسؤوليه، طالما لم يتم إتخاذ أي إجراء بخصوص إطلاق سراحي وتسليمي للبعثة، أو يسمحوا لأبي أو احد أبنائي أو إخوتي بزيارتي أو بمحامي أوكله قضيتي، وعدني هذا الشخص بإيصال الرسالة، ثم عاد لي ليخبرني أن جوابهم كالتالي: هو أن الموضوع أصبح لا يعنيهم، وأن ذلك من اختصاص البعثة التي باتت مسؤولة عني، حين اتصلت بالمفوضية قلت لهم نفس الشيء، فوعدوني أنهم سيدرسون الموضوع مع البوليساريو، بعد ذلك كان ردهم ببساطة: "نحن عاجزون عن تلبية طلبك لأن البوليساريو رفضت ذلك، كما اننا لا نستطيع القدوم إلى مكان اعتقالك، لا يمكننا إحضار عائلتك لك ونريد منك أن تساعدنا.."، قلت: طيب، في ماذا عساي أفعل كي أساعدكم؟ فطلبوا مني أن أرافقهم إلى موريتانيا وهناك سيناقشون كل مطالبي، وافقت على الأمر، وحين سلمتني البوليسلريو لهم وجئنا إلى موريتانيا، اكتشفت أن المفوضية بدأت تلعب معي نفس لعب البوليساريو و تعزف على نفس وترهم، لقد حاولوا أن يبعدوني عن مجال البوليساريو و الجزائر كي أقرر الدخول إلى المغرب، حيث كانت توقعاتهم كتوقعات البوليساريو، وهي أن موقعي الطبيعي هو المغرب، ظلوا خلال ثلاثة اشهر يناقشون أمر توجهي للمغرب، فكانوا يطرحون علي دائما نفس السؤال، لماذا لا تتوجه إلى المغرب؟ فكنت أجيب أن لا دخل لهم في الموضوع، قلت طيب أي مكان من المغرب تقترحون على الذهاب إليه، هل الاراضي الذي تحت السلطة المغربية ومحور النزاع تعتبرونها مغربية، قالوا لي لا، وهل الاراضي المحررة التي تحت تسيير البوليساريو تعتبرونها محررة ومستقلة، فقالوا لا، بل هي اراضي نزاع، اذن كيف تطلبون من شخص اللجوء في ارض نزاع أمرها لم يحسم بعد، فيمكن أن يحكمها هذا الطر ف كما أن يحكمها الطرف الآخر، إذن أين هي الحماية التي وعدتموني بها، قالوا هل لديك اقتراح جيد؟ فقلت أرجعوني من حيث أتيت، أنا لم أقل لكم رحلوني، ومادمتم لا تتوفرون على حل أرجعوني من حيث جلبتموني، قال هذا الأمر لا نستطيع القيام به، خيرتموني، اذن فالنمشي في خياراتي، ان لم تفوا بالتزاماتكم أرجعوني وينتهي الموضوع، فانا ليس لدي مشكل لا مع البوليساريو ولا مع الجزائر ولا أي دولة في العالم، أنا فقط رجل عبر عن رأيه بخصوص تقرير مصيره إن كانت هناك ديمقراطية، لكن المفوضية قررت الاستمرار في اللعبة و اختارت دول إعادة التوطين، فبحثوا عن الحل السريع، وقالوا انهم قاموا بمشوارات مع هذه الدول من ضمنهم اسبانيا والجواب الاجابي جاء من عند فلندا، وطالبتهم برد الرفض الذي بعثته اسبانيا لكنهم لم يمكنوني من أي وثيقة لحد الساعة، قررت الاعتصام الذي دام تقريبا ثمانية أشهر والقصة تعرفونها كاملة، وبعد قرابة اربعة اشهر من الاعتصام قاموا بسحب اللافتات التي تحمل صور أبنائي بحجة أنها تحجب كاميرات المفوضية. 5. وفي نظرك ماهي الدوافع الحقيقية وراء هذا التصرف؟ السبب انني قمت بمراسلة المفوض السامي بجنيف عبر مكتب انواكشوط، بخصوص التصرف الذي قامت به مسؤولة بعثة غوت اللاجئين بالرابوني السيدة فانيسيا اتجاه ابني واتجاه المعتصمين بالرابوني، الذين يطالبون ببطاقات اللاجئ فأرسلتهم إلى مصلحة الهلال الأحمر الصحراوي، وكأن القاضي والمقضى منه أصبح واحدا بالنسبة للصحراويين، فالجلاد هو الطبيب، وكأننا مقصييون من التنعم بحماية المنظمات الدولية لنا كسائر البشر، فقالت لي المسؤولة هنا عن البعثة وهي من نفس بلد السيدة فانيسيا، أن أكف عن بعث الرسائل عبر مكتبهم، طلبت منهم عنوان مكتب جنيف أو هاتفهم هناك فرفضت أيضا، ثم أنني لاجئ تابع لكم من حقي مراسلتكم. لكنها اعطتني عنوان مكتب الرابوني فقلت هل يعقل ان أشكو انتهاكات مكتب الرابوني إليه، وكأنهم يعيدون قصة الهلال الأحمر، أما بخصوص تزويدي بالماء والكهرباء فذلك منذ اليوم الأول من الاعتصام، حيث أعطت السيدة المسؤولة أوامرها للحراس بأن يمنعوني من استعمال الحمام وغيره، والحمد لله أن الجيران قاموا بالواجب.. 6. قلت لي خلال الدردشة قبل الحوار أنك تحضر بيانا للرأي العام بمناسبة اليوم العالمي للإنسان تصرح فيه بآخر مستجداتك مع المفوضية بعد تعليقك للاعتصام أكثر من شهر لحد الآن؟ فعلا، أريد أن أكشف للرأي العام أن المفوضية عجزت أن تجد لي حلا واقعيا ومنطقيا، خارج المقترح الذي قدمته لي قبل سنة، والذي لا يخدمني بقدر ما يخدم البوليساريو، لأني اعتبره عقابا وليسا حلا، ونفيا وليس لجوءا، فقد كثرت الانتهاكات في حقي سواء منها القديم بفعل استهتار البوليساريو والجزائر بكل المواثيق الإنسانية الدولية أو الجديد بسبب تماطل المفوضية في تسوية وضعيتي إن لم يكن إهمال عمدي، جسدته الضغوطات الأخيرة التي مورست علي من خلال الرسالتين الأخيرتين اللتين توصلت بهما بتاريخ 22 و 30 من شهر ديسمبر 2011، ففي الأولى تشعرني المفوضية بأنه علي تدبر أمور إقامتي ومعاشي بموريتانيا ب30 دولار/ الشهر ، ويعزون ذلك لرفضي قبول مقترح اللجوء في فنلدا، وتتناقض المفوضية مع نفسها في الرسالة الأخرى التي تطلب مني الرد على مقترح اللجوء في فنلدا ، وكأنها تنفي الرفض الذي بنت عليه موقفها الأول. وحينما طلبت من المفوضية كاستفسار هل مقترح اللجوء في فنلدا يشمل أبنائي أجابوا شفاهة بالنفي، ورفضوا الرد المكتوب، في الوقت الذي كانت كل الاتفاقات السابقة تنص على أن عائلتي سترافقني حيث سألجأ . فهل تريد المفوضية أن تبعدني أكثر عن أبنائي بنفيي إلى القطب الشمالي؟، وحين استفسرتهم عن إمكانية حصولي على جواز سفر في موريتانيا أجابوا شفاهة أيضا بالنفي، فهل بالمحصلة تريد منظمة غوث اللاجئين التي تعنى بشؤوننا أن تكون شريكا هي الأخرى في انتهاك حقوقنا بدل الدفاع عنها؟، وهل نستطيع الوثوق في عهودها ما دامت تنقضها كل مرة؟. 7. إذن ما هي خطتك الدفاعية عن حقوقك، هل سأستأنف الاعتصام بعد هذه المعطيات الجديدة أم ماذا؟ بل سأستأنف نضالا بشكل تصعدي حتى الاستماتة، بالموازاة سأمارس حياتي بشكل طبيعي، لأنني أعتبر اعتصامي الذي دام ثمانية أشهر لم يأتي بنتيجة وقوبل بالتجاهل التام من طرف المفوضية، وبالتالي فهو مجرد خطوة إلى الوراء، لذلك مادامت البوليساريو خلقت مني قضية فإنني سأخوض معركة نضالية من نوع آخر في سبيل الدفاع عن حقوقي الإنسانية وحقي في تقرير مصيري كواحد من الصحراويين الذين تتلاعب بهم الجزائر والبوليساريو. 8. ما هي مشكلتك اليوم بالضبط؟ مشكلتي اليوم أنني رجل محروم من رؤية اطفاله، واكتشف انه كان طموحا اكثر من اللازم بل طماعا أكثر من اللازم قبل سنة ونصف من اليوم، حين كنت في طريق العودة الى المخيمات كنت اطمع في أن اعبر عن رأي في تحديد مصير ومصير أهلي، واخترت حل الحكم الذاتي كحل سينهي النزاع بسرعة وبسلم، ويعجل بجمع الشمل والخروج من ازمة الشتات، لكنني اليوم اكتشفت أنني لست قادرا حتى على بلوغ حقي المشروع في رؤية اطفالي، كنت اريد جمع شمل شعب باكمله وبت محروما وعاجزا من جمع شملي مع أبنائي وزوجتي الذين هم من حقي، ألم أكن طماعا وحالما اكثر من اللازم؟ 9. كيف ترى اليوم تطورات ملفك خصوصا و أنك ذكرت أن البوليساريو صنعت منك قضية سياسية؟ ربما منظوري لقضيتي يختلف عن منظور العالم، أنا لدي قضية بسيطة ليس للمزايدة، وانه لولا الاعلام ما كنا لنعرف ماذا يجري في سوريا، رغم أن سوريا متحكمة في الإعلام، على الأقل سوريا فيها انترنيت والمخيمات ليس فيها اعلام ولا انترنيت فكيف يمكن للعالم أن يسمع و يرى ما يجري في المخيمات، و ما هي الضمانات التي توفر الحماية لللاجئين هناك حتى ولو تم حرق كل أهل المخيمات وإبادتهم، من سيعلم بما حل بهم، يمكن للبوليساريو أن تقول أنهم رحلوا، نريد ان تتغير هذه الصور عندنا كصحراويين بغض النظرعن قناعاتنا السياسية، وقضيتي هي إنسانية بدرجة أولى أما ملف الصحراء الذي يتعاملون مع قضيتي من خلاله، فأنا مجرد حبة رمل وسط كثبانه، فإذا كان حله ليس بيد المغرب أو الجزائر أو البوليساريو فكيف يعقل أن يكون بيدي، فالكل يعلم أنه ملف دولي معروض لدى مجلس الأمن، ولا يمكن لأحد أن يبث أو يتدخل فيه خارج إرادة هذا الجهاز الدولي، بالأمس كانت القضية بين أيديهم هم كسلطات، أما اليوم فهي بيد التحكيم الدولي، لقد وقفت عملية التحرير ودخلت في مرحلة التحكيم وقبلت الأطراف المتنازعة بهذا التحكيم الدولي، إذن مصطفى ليس له حق الفيتو، فلماذا كل هذا التعقيد لمجرد أنني مارست حقي في التعبير وزرت أبي، فالبوليساريو هي التي صنعت مني قضية وتحاول تضخيمها، لتردع الصحراويين عن التعبير عن مواقفهم، كي تحافظ على مصالحا الشخصية من الأزمة، ولو نظرنا إلى التهم الموجهة لي سنجد واحدة فقط هي التي كانت متعلقة بالحكم الذاتي وما غير ذلك فهي تهم شكلية كالتالي: الفرار للعدو، ومن العيب جدا ان تتشدق البوليسارو بالديمقراطية وهي تجرم حق مواطنيها في التنقل، تم كيف تسمح في نفس الوقت لبرنامج تبادل الزيارات فهذا تناقض في المواقف، فما الفرق إن قمت بزيارة لوالدي عن طريق الأممالمتحدة أو عن طريقي الشخصي. 10. تتبعي لملفك طيلة سنة جعلني أشعر أن هناك أمر حساس بين انتمائك القبلي و موقفك من الحكم الذاتي، جعل البوليساريو تشعر بنوع من الخطر بخصوص موقفك، هل تشرح لنا خيوط الإشكالية؟ ذاك لهو علاقة بالتهمة الثانية التي وجهت لي و متعلقة بالجانب القبلي، فالبوليساريو تدرك جيدا انه من الخطير جدا على وصايتها على الصحراويين أن يدلي واحد من قبيلة البيهات بموقف مثل هذا، لأن الأمر يشكل خطرا على شرعيتها من ملف الصحراء، و يهدد انتظاراتها، ثم هناك تهمة التخابر بتسريب المعلومات ، قلت طيب ما هي هذه المعلومة التي سربت، قال لقد صرحت أن عدد البهيات الموجودين في المخيمات يتجاوزون عشرون ألف صحراوي، فقلت أن هذه المعلومة تعرفها البوليساريو كما يعرفها المغرب، فكل الوثائق الرسمية تقول ذلك، لأن إحصاء اسبانيا لسنة 1973 يثبت ذلك، وحينها كان عمري 4 سنوات ونصف وحين خضعت البوليساريو للتحكيم وبدأت الأممالمتحدة إعادة إحصاء الصحراويين، استند كقاعدة أساسية على الإحصاء الإسباني الذي يسجل كل قبيلة ونسمتها البشرية ، ثم وضعت الأممالمتحدة مراقبين على الضفتين وممتثلين عن شيوخ قبائل لتحديد هوية المحصيين، إذن هذا ليس سرا فالذي مسجل عندك مسجل عند غيرك، لكن لو كان شخص آخر من قبيلة ثانية غير البيهات أعطى نفس التصريحات أو قام بنفس السلوك، ما كانت البوليساريو ولا الجزائر لتحركا ساكنا. 11. إذن لماذا أعطيت كل هذه الأهمية لهذه التصريحات لانك ارقيبي من البيهات، هل يمكن أن توضح أكثر من فضلك؟ ببساطة لأن البوليساريو في تركيبتها منذ تأسيسها لها مشكل مرتبط بالجغرافيا ومدى صلة قيادييها مع منطقة النزاع، لتتضح الصورة يكفى فقط الجواب عن هذا السؤال التالي: من أين أتت قيادة البوليساريو؟ فرئيسهم محمد عبد العزيز قادم من مدينة طنطان وأصوله من قبائل الفقرة الجزائرية، الشخصية الثانية هو البوهالي وزير الدفاع، وقد كان عسكريا بالجيش الجزائري وعائلته تسكن في الحدود الجزائرية، الشخصية الثالثة هو البشير السيد الوالي، أصله من طنطان، الشخصية الرابعة هو الوزير الأول عبد القادر الطالب عمر، و هو من أصول موريتانية وقبيلة أولاد الدليم التي هناك جزءا منها يسكن موريتانيا وجزء آخر في الداخلة وادي الذهب، ثم وزير الخارجية محمد سالم ولد السالك هو أيضا من طنطان، أما محمد خداد ممثل البوليساريو في المونيرسو والأممالمتحدة، فقد كان ممثل حزب الشعب في الزويرات مع ولد داداه وهو مولود في موريتانيا وجاء في بعثة دراسية إلى الجزائر، ثم انضم إلى البوليساريو، أما ولد سيدي امحمد، عضو في مكتب الأمانة، و واحد من القياديين الكبار، فقد كان في حزب الكادحين الموريتاني، وأعطته موريتنايا منحة إلى روسيا ليدرس الطيران باسم الدولة الموريتانية، وطرد من روسيا في السبعينات وعاد إلى موريتانيا ليتصل بهذه المجموعة، ويؤسسوا رفقة آخرين جبهة البوليساريو في ازويرات، هؤلاء هم الفاعلين الرسميين في البوليساريو وعندهم توابع وأذناب لا تعد ولا تحصى. 12. في حين تغيب البيهات عن القيادة رغم أنهم يشكلون قاعدة كبرى في المخيمات هذا ما تريد قوله؟ كل الصحراويون غائبون وليس البيهات فقط ، فالقيادة تفاوض بملف باسمهم، فالقضية تسميها نزاع الصحراء والقضية الصحراوية، وتسمي دولتها بالجمهورية الصحراوية، ولا يقال لها الجمهورية المغربية أو المورتانية أو الجزائرية، أطروحة البوليساريو التي تدافع عنها هي تحرير الساقية الحمراء وادي الذهب وليس الزويرات أو تندوف. (يقول ضاحكا) ..أولاد طنطان يمشيوا يحرروا طنطان . 13. إذن أنت تقصد أن تصريح كهذا يمنك أن يشكف المستور، كون أنه لا شرعية عرقية تخول لقياديي البوليساريو تبني وتمثيل الصحراويين؟ طبعا فهو يشكل خطرا على نظامهم السياسي، لكنهم يوهمون الصحراويين بعكس ذلك، وبأن هذه الحقائق تشكل خطرا على قضيتهم في حين انه العكس، فليس هناك شخص يهدد ذاته وإلا سيكون أحمقا لا محالة، فلا يمكن أن أضر أهلي وهل يظن هؤلاء أن يخمدوا أهلي أكثر مني وأهلي أن اقتنعوا بهذا الهراء فهو غباء من جهتهم، فالغريب لن يكون ارحم عليهم من إبنهم ولكن هي في الحقيقة تضر مستقبل النظام القائم. 14. إذن قرار ترشيح محمد عبد العزيز للولاية الرابعة عشر خلال المؤتمر الشعبي الذي لا يفصلنا عليه سوى أيام قليلة، هو استمرار في التلاعب بمصير الصحراويين، و المؤتمر الشعبي هو مجرد مسرحية لاختيار تمثيلية غير شرعية للصحراويين؟ لا تعليق لي على هذا المؤتمر غير أنه أكبر نكتة في عهد الربيع العربي، وطريف في الأمر أنه كشف على أن الحصار الفكري الذي تضربه البوليساريو على الصحراويين منذ سنة 76 ، دخلت قوقعته واستمرت في سياستها الفاشلة خارج تيارات العصر والتحولات الإقليمية، فهي من شدة ما فرضت علينا السماع لصوتها فقط أصبحت بدورها لا تسمع سوى هذا الصوت الواحد،( ضحك كثيرا ثم قال)، والله كثرة الهم تضحك، فالبوليساريو لم تتعلم شيئا من كون مؤسس مؤتمرها الشعبي ومسميه بهذا الاسم، القذافي، قد قتل وانتهى أمره، وليس لي قولا أقوله أكثر مما قاله ثوار ليبيا في زعيمهم الراحل.. 15. بعد النجاح المدوي للاستفتاء الشعبي على الدستور في أقاليمنا الجنوبية كيف ترى اختيار الحكم الذاتي الذي تدافع عنه؟ الاستفتاء على الدستور المغربي الذي يقر الجهوية الموسعة وفي هذه الجهوية المتقدمة هناك بند، هو أن الأقاليم الصحراوية لها خصوصية إلى أن يحل النزاع، وبالتالي هذا لا يعني أن الصحراويين الغوا خيار الحكم الذاتي، الصحراويون حين قرؤوا الدستور اطمأنوا أكثر بدسترته للثقافة الحسانية . 16. هذا يعني أن المغرب متشبث بأبنائه؟ الاعتراف بالحسانية أراه أمرا جد ايجابي، رغم أن هناك العديد من المزايدات في هذا الموضوع في الضفة الأخرى التي تسييس كل شيء، بالنسبة لي الصحراء موضوع نزاع والملف غير محسوم فيه مهما كان قراري يبقى دائما مجرد رأي فالقرار للتحكيم الدولي، ففي حالة ما حسم الأمر بالحكم الذاتي تحث السيادة المغربية وقبل الصحراويين بهذا الحكم فهم لن يكونوا اقل شانا من باقي إخوانهم المغاربة، هناك من يسيس كل شيء، وأظن الصحراوي المتواجد اليوم في العيون أو اسمارة أو الداخلة ليس من الدرجة الثانية، إذ من نفس الدرجة لشخص في الرباط أو وجدة أو مراكش..ويجري عليهم نفس القانون و لهم نفس الحقوق. ولا بد لأطراف النزاع تخضع لنوع من التنازلات، لأنه لا يمكن أن نرقى إلى مستوى المثالية في الحل المرضي لجميع الأطراف، فلا بد من التنازلات والاستثناءات. 17. وأنت كيف ترى رفض الجزائر لقرار الإحصاء في المخيمات؟ ليس من حقهم ذلك.... 18. وبما انك عشت في المخيمات وكنت من بين رجال السلطة هناك لماذا هذا الرفض؟ هل هو خوف أم عرقلة لحل الملف أم تعنت أو خوف من اكتشاف حقائق تداري عنها البوليساريو و الجزائر أم ماذا؟ الموضوع سياسي أكثر من الخوف، لماذا؟ لان البوليساريو أسست الجمهورية الصحراوية، وهذه الجمهورية عضو الآن في الاتحاد الإفريقي، وترى أن مسالة الإحصاء هو شأن داخلي، والسؤال الذي تتجنب البوليساريو الإجابة عليه هو: هل هؤلاء الموجودين في لحمادة هم مواطنون لاجئون أم ماذا؟ لأنه إن كان الجواب بنعم فالأمر سيختلف كثيرا والملف سيأخذ وجهة أخرى، و هو الأمر الذي يجعل البوليساريو والجزائر ترفض الإحصاء، أنا مثلا اتخذ قرار طردي لأنه ليس هناك دولة ذات سيادة في لحمادة مستقلة القرارات، وتستغل فقط صفة الدولة حين تكون هناك قرارات ستخدمها أو تخدم الجزائر، إذن هناك ازدواجية في المفاهيم والمعايير في سياسة البوليساريو، فموضوع الإحصاء هو موضوع حساس بالنسبة لها سيجعلها تفصل في هذه الازدواجية التي تستغلها لمصالحها الخاصة. 19. ما هي الأرقام التي تعرفها حسب رأيك؟ الموجود حاليا، هي أرقام تحديد الهوية أي أرقام تخص الناخبين ولا تخص النسمات وحسب هذه الأرقام هناك البيهات بحوالي 850 ناخب . 20. أريد الأشخاص الذين ينتمون للأقاليم الجنوبية وليس الصحراويين التي استغلتهم الجزائر والمحسوبين على ترابها للإنزال ورفع العدد حتى تطلب بمشروعية إقامة دولة؟ الموجود أيضا هو إحصاء اسبانيا في عام 74 أي أواخر 73، هذا الإحصاء حدد عدد الصحراويين في 73 ألف تقريبا، والأممالمتحدة في إحصاء الناخبين حضره مراقبون من المغرب والبوليساريو إلى حدود سنة95 هو 48 ألف هم المعننيون في المخيمات. على الأقل هذا العدد متعارف عليه من الطرفين و يجب العمل به. 21. نعود لسؤالنا السابق، قلت أن منع الإحصاء راجع لأسباب سياسية ما هي إذن بتفصيل؟ البوليساريو أسست للجمهورية عربية الصحراوية، ومحصنة باعتراف الجزائر التي تحتضنها فوق ترابها، إّذن هي دولة مستقلة بشؤونها الداخلية والإحصاء أمر داخلي يخصها، وهناك نقطة أخرى في حالة ما إذا قبلت الجزائر بالإحصاء والتدخل في الشؤون الصحراوية أنها ستقبل بالصحراويين كلاجئين، وبالتالي ستكون مضطرة لقبول المطلب المغربي، هو طرح السؤال على كل اللاجئ إن كان يريد العودة إلى وطنه أم لا، إن قال اللاجئ لا، فقد أصبح المغرب متحررا من موقفه وبالتالي على الجزائر إعطائه جميع حقوق اللاجئ التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية من ضمنها القانون الدولي للاجئين مادام فوق ترابها وعليها أن تمنحه الحق في السكن والشغل والتعليم والصحة والتنقل كأي مقيم أجنبي، أو أن يختار الذهاب إلى أي بلد آخر، والجانب السياسي هو موضوع لا يعني غوث اللاجئين، وما يعنيهم بالدرجة الأولى هو الجانب الإنساني، وبالتالي فان الرافض للعودة إلى المغرب بحكم أن قضيته سياسية، فهو قد اختار اللجوء، وبالتالي يصبح المغرب غير مسؤول عنه، وان عاد فالمغرب لن يطرد أحدا، لذلك ستعمل الجزائر والبوليساريو حتى لا يكون هذا الأمر، لأنها أسست دولتها كي يصبح هذا الشخص غير لاجئ. 22. لهذا السبب ترفض البعثة غوت اللاجئين في الرابوني مد المعتصمين ببطاقات اللاجئ لأنهم غير محصيين؟ نعم لان ؤولائك الأشخاص يعتبرون مواطنون في الجمهورية الصحراوية.. 23. إذن هذا اعتراف مسبق من المفوضية بالجمهورية قبل نتائج المفوضات وهو مشكل مازال في التحكيم؟ مفوضية غوت اللاجئين ليس لديهم مكتب في المخيمات، مكتبهم موجود في تندوف، مما يجعلنا نتسائل لماذا في موريتانيا هناك مكتب موجود في نواكشوط ، وفي المغرب موجود في الرباط، والذي موجود في الرابوني هو مكتب محدود الاختصاصات، فهو فرع متعلق ببناء الثقة وتنسيق برنامج الزيارات العائلية، وموظفيه غير معتمدين داخل الجزائر وليس له اعتماد من الجزائر، فهو يتمم مهام تابع للجنة "مهام القرارات" التي تلت قرار الاستفتاء وخصص لتبادل الزيارات، وهو غير معني بظروف اللاجئين ومفوضية غوث اللاجئين المعنية بالاجئين عامة مقرها يوجد في تندوف ولا علاقة لها باللاجئين الصحراويين، لأنه حين تخرج من تندوف تدخل في المجال الصحراوي والمكاتب الموجودة في المخيمات مكاتب مرتبطة بالجمهورية الصحراوية . 24. وما هو الحل إذن بالنسبة لهؤلاء اللاجئين للحصول على بطاقات اللاجئ؟ هل عليهم التوجه إلى تندوف؟ حتى إن ذهبوا لتندوف لن يحصلوا عليها، لان تسليم بطاقات اللاجئ مرتبطة بالإحصاء، أي شخص تسلم له البطاقة يجب أن يكون مسجلا لدى مكاتب غوت اللاجئين في العالم، وبما أن الإحصاء مرفوض، فمن الصعب جدا حصول هؤلاء على بطاقات لاجئ، رغم ذلك فلا بد من حلول استثنائية لمثل هذه الحالات ويجب أن يناقش الملف أمميا لانقاد هؤلاء الشباب وتمكينهم من حقوقهم التي تتلاعب الجزائر والبوليساريو قانونيا لعدم تسليمهم إياها. 25. أليس هذا نوع من لي الذراع الذي تمارسه الجزائر دبلوماسيا على الصحراويين المحتجزين لإبقائهم رهن المخيمات والظروف القاسية حتى تطيل من أمد القضية ؟ أظن أن أي طرف له أوراقه يلعب ويضغط بها على الطرف الأخر في هذا الملف، فمثلا البوليساريو الجزائر تطالبان من قواة المونيرسو أن تقوي صلاحياتها لتحمي حقوق الإنسان في الصحراء، و في الحقيقة القصد منها هو مشاركة المغرب في السيادة، فليس القصد هو حماية الشخص الصحراوي، ولكن يصبح المغرب ناقص سيادة ويناصف دوره مع جهة أخرى تمارس دور الرقابة عليه. 26. هل تحاول تقليص الهوة بين الاختلاف في المواقف حول الملف الصحراء بين الصحراويين في المغرب والصحراويين في المخيمات للوقوف على حل واقعي يرضي جميع الأطراف؟ أنا أومن بشيء واحد، وهو أنه حين يصل الصحراويين إلى إجماع معين سنكون حينها أقرب إلى إيجاد حل واقعي ينهي هذا النزاع، فالصحراويون نتيجة هذا الصراع أصبحوا ينقسمون إلى قسمين من حيث الإيديولوجيات اختلفت باختلاف المصالح المرتبطة أساسا بالأطراف الرئيسة في النزاع حول الصحراء، بحيث أن القسم منهم المتواجد اليوم في الأراضي الجزائرية أصبح محكوما بالمصالح الجزائرية بما فيها التبعية المطلقة لسياسيتها الخارجية، ولعل ما وقع خلال الثورات العربية يزيل الكثير من اللبس ويفضح العديد من الحقائق التي تحاول الجزائر مداراتها في تصاريحها الرسمية بخصوص صلتها المباشرة بالبوليساريو و بملف الصحراء. 27. هل لك أن توضح أكثر بخصوص تبعية البوليساريو للسياسة الخارجية للجزائر؟ وقف العالم بأسره على موقف الجزائر السلبي من الثورات العربية، بدورها اتخذت "الجمهورية الصحراوية" نفس الموقف، فوقوف الجزائر مثلا خلال الثورة الليبية في صف معمر القذافي ضد الثوار وختمتها في نهاية المطاف باحتضان أسرته دونا عن كل الدول العربية، بل حتى الدول التابعة للمعسكر الاشتراكي، من جهتها تورطت البوليساريو في حمام الدم الليبي، وهذا الأمر أساء لنا كصحراويين، إذ من المتناقض جدا أن نكون ثوارا ندعي التحرير ولا نتضامن مع ثوار آخرين ولو في المواقف، ولنا سابقة تاريخية من نفس النوع، أثرت فيما بعد في علاقتنا مع ريثيريا، حين كانت هذه الدولة الإفريقية تحارب لطرد الاحتلال الإثيوبي من أراضيها، لم نتضامن معهم ردا لجميل دولة إثيوبيا التي تعترف بالجمهورية الصحراوية، وبالتالي فمصالحنا كانت ضد مصالحهم، ودارت عجلة الأيام وحصلت ريثيريا على استقلالها، وحصلنا نحن على طرف جديد معادي لنا، وهذا ما وقع مع الحكومة الانتقالية الجديدة في ليبيا، باختصار شديد فإنه إذا سقطت الشتاء في الجزائر العاصمة لا بد لقيادة الرابوني أن تحمل المظلات حتى لو كان الجو صحوا بديعا في المخيمات. 28. إذن وكما لمحت سابقا هذا يفند ادعاءات الجزائر بخصوص استقلالية البوليساريو وزعيمها في مواقفه اتجاه ملف الصحراء؟ طبعا، الحقيقة تتناقض كليا مع الخطاب الذي تروج له الجزائر والذي تدعي فيه أنه لا علاقة لها مع البوليساريو ولا علاقة لها بالقضية ككل، فالمغرب يقول أن الجزائر طرف رئيسي، من جهتها تنفي الجزائر هذا الأمر، في حين أن "السلطة" المتحكمة في جبهة البوليساريو باعت الصحراويين للجزائر، وأصبح ما يخدم الجزائريين يخدمنا وما ولا يخدمها لا يخدمنا، وهذا غير منطقي بتاتا، فقد يحدث أن هناك أمور يمكن أن تخدم مصالح الجزائر لكنها تتعارض كليا مع مصلحتنا ومبادئنا كصحراويين، فما أقدمت عليه القيادة في ليبيا إرضاء للمواقف الجزائرية، خلق لنا مشاكل مع الحكومة الانتقالية الليبية والدول التي في صفها، في الوقت الذي لم تكن لنا مع الشعب الليبي أي خلاف أو عداوة، فحين كان القدافي يدعمنا لم يكن يدعمنا من ماله الخاص بل من خيرات الشعب الليبي، وبالتالي كان لزاما علينا التحالف مع الثوار وليس مع الموقف الجزائري، ثم إنه من باب الإنصاف كان حريا عن هذه القيادة، التي لا تتقن غير تكديس الأخطاء، الوقوف في صف الثوار لأنه من حق أي شخص المطالبة بتقرير مصيره، هذا المطلب الذي تتشدق به القيادة في كل مناسبة وتجعل منه قضية وطنية، فالبوليساريو دائما تطالب بالتحرر فلماذا تعارض رغبة ثوار طالبوا بنفس الشيء؟ والأمر الذي يضعها في حالة فصام بين المبادئ التي تدعي الإيمان بها والمرجعية التي تأسست من أجلها الجبهة قبل 35 سنة، كما يجعل نضالها طيلة هذه السنين محل تساؤل حول الغاية الحقيقة منه، ويكشف نواياها التي اتضح أنها لا تخدم الصحراويين بقدر ما تخدم مصالحها المتقاطعة مع مصالح الجزائر. 29. في الأقاليم الجنوبية هناك أشخاص يدافعون عن أطروحة الانفصال والاستقلال ألا تعتقد أنهم مصلحيون ويتقاسمون العديد من أوجه الشبه بين قادة الرابوني؟ فعلا هناك صحراويون يرون في المغرب دولة احتلال، و معارضين لطرحه بخصوص الصحراء، ومعارضين لسياسته ولتواجده الإداري بالصحراء، ولكن لا يمكن الجزم قطعا أنهم عملاء لدى الجزائر والبوليساريو، فمنهم من يؤمن بالقضية ويعتبرها مصيرية، وهذا ناتج عن بعض الأخطاء التي تخللت تدبير المغرب للملف خلال 35 سنة التي مرت، والتي سمحت ببعض الثغرات التي استغلتها الجبهة ومن معها لاستقطاب هؤلاء، وهم أيضا ينظر لهم كعملاء ويخدمون أجندة أجنبية من طرف المغرب، كما هو حالنا ومن وجهة نظر البوليساريو لأننا خرجنا عن طوعهم وطوع الجزائر، فمؤخرا نعتت خديجة حمدي زوجة محمد عبد العزيز في تصريح لها لأحد المنابر الإعلامية القطرية، على هامش زيارتها لقطر قبل أسابيع، كل المؤدين للحكم الذاتي سواء الذي دخلوا المغرب أم لا بالخونة والعملاء لصالح المغرب، و مثلا الناجم علال ورفاقه الذين عارضوا سياسة البوليساريو في المخيمات قيل ولا يزال أنهم خونة وعملاء "العدو"، لا لشيء إلا لكونهم طالبوا بحقوقهم ورفضوا بطاقاتهم الوطنية التي تعطيهم هوية الجمهورية الصحراوية وطالبوا المفوضية السامية لغوت اللاجئين باستبدالها ببطاقات اللاجئ التي تضمن حق العيش الكريم على التراب الجزائري وحق التنقل، فذاقوا المر طيلة خمسة أشهر أو ما يزيد، ونكلوا وعوملوا معاملة الخونة وتعرضوا لكل ما يمكن وصفه بغير الإنساني وغير الحقوقي، والغريب أن ذلك تم على مرأى ومسمع من بعثة غوث اللاجئين بالرابوني، و تلقى المجتمع الدولي وإعلامه ظلمهم و معاناتهم بصمت مطبق وتجاهل تام سيسجله تاريخنا بمداد أحمر، وكأن الصحراويون في المخيمات مجرد "جرذان" حسب منطق الراحل القذافي، ولم يرقوا بعد لمستوى أو لدرجة كلمة " إنسان". 30. كلامك يؤكد أن الصحراويين في المخيمات سلبوا حق إبداء الموقف والرأي في ملف هم فيه، في الأول والآخر، مجرد كراكيز، أو "فيكيرات" في سيناريو مطبوخ أصلا ليقتات منه قادتكم؟ الرجل الصحراوي منا لو أبدى موقفه سيكون موافقا لأحد الطرحين: إما سيكون مع الحكم الذاتي الذي ينادي به المغرب أو لصاح الاستقلال الذي تنادي بها الجبهة، وبالتالي يصبح عرضة لتهمتي الخيانة والعمالة للطرف غير المستفيد من الموقف، أمام هذا الواقع المر أصبح الصحراويون مضطرين وغير قادرين على الإفصاح عما يخدم مصالحهم بقدر ما يخدم مصالح الأطراف المتدخلة، فانا كصحراوي نفيت إلى موريتانيا وتشردت بعيدا عن أهلي وأطفالي، لا لشيء إلا لأنني اقتنعت بالحكم الذاتي كحل متفاوض عنه وسيجزم في هذا النزاع ويرحمنا من التشتت الذي نعيشه بين الضفتين، ورفضت أن أكون عميلا لأي طرف من الطرفين، وهو أمر غير موجود في الواقع الصحراوي اليوم ، إّذ واقع الحال يفرض عليك إما أن تكون عميلا للمغرب وإما أن تكون عميلا للجزائر، و أصبح لزاما علينا كصحراويين أن نطرد الخوف على غرار الشعوب العربية، لنخرج عن هذه اللازمة، فليس شرط علينا كصحراويين أن نجبر على هذا الاختيار، فانا اليوم لا أريد أن أكون عميلا للمغرب ولا للجزائر، فلماذا لا أكون عميلا للصحراويين فقط، و أكون خارجا عن أجندة المغرب وخارجا عن أجندة الجزائر. 31. هل نعتبر ردك هذا مرافعة لنفي تهمة الخيانة و العمالة للمغرب التي ينعتك بها أهل المخيمات، أو لرفع اللبس لدى البعض في المغرب من قضيتك، و الذي لا يزال يحوم حول مدى مصداقية موقفك، وفي كونك مجرد جاسوس من الضفة الأخرى، أم أن للحديث رسالة أخرى؟ أولا أنا أنادي بما أقتنع به وأراه عين الصواب، وأومن أن من حق كل إنسان أن يعيش حرا متمتعا بكامل حقوقه الإنسانية الأساسية، ولن أسمح بأن تظل حياتي مؤجلة لمجرد أنني اخترت مصيري وحددت موقفي من مقترح قبلت به البوليساريو كخيار ضمن الخيارات الثلاث بعد الاستفتاء والاستقلال، و بأني مثلما لم أسمح للبوليساريو والجزائر بمصادرة حقي في التعبير عن رأيي بكل حرية فإني لا اسمح لغيرهم بأن يمس بأي من حقوقي ، وبأني سأدافع عن حقوقي بكل السبل، وسأستمر في نضالي من اجل دلك ، حتى تستعيد عائلتي حياتها بشكل طبيعي، ويستعيد أهلنا في المخيمات كرامتهم التي تهان كل يوم، وأعول في مسعايا هذا على مساعدة كل إنسان ينتصر للحق، و بالأساس أعول على كل صحراوي تجمعني وإياه الرغبة بأن يكون أهلنا في واقع أفضل مما هم عليه اليوم، وبأن ننعم جميعا بما ينعم به كافة البشر من حقوق وحريات. 32. لقد وصلت الرسالة.. وثانيا هل من مزيد؟ بخصوص الشطر الثاني من سؤالك السابق، فكما يعلم الكل، حين تصبح عميلا لأحد الطرفين يقع ما يلي، فالمغرب يجر مجموعته إلى جانبه والجزائر تجر مجموعتها لديها، ويلتزم كل طرف بمقترحاته و أطروحاته دون تقديم تنازلات أو خلق حوار مرن ينهي النزاع بالمرة، ونبقى نحن الصحراويون حلقة الوصل المتضررة بالدرجة الأولى، لأننا نحن من يعيش الأزمة و نحن من يمثل النزاع، فالمغاربة في وطنهم والجزائريون في أرضهم، ونحن من يعيش حالة شتات، ونتظلل بالخيام صيفا ويحمل الطين أفرشتنا شتاء، وأطفالنا مشردوا المصير، وأهلنا مقسمون بين المغرب ولحمادة، ربما أهل عبد العزيز ليسوا متضررين، فهم كاملا في صف واحد، ربما أهل محمد خداد والخليل ولد سيدي امحمد، و حتى البشير ولد السيد ليسوا بالمتضررين، لكن نحن أهالينا مقسمين بين هذا الطرف وذاك، ومن حقنا اليوم التشاور فيما بيننا في ما هو الحل الواقعي و وقف نزيف عمر ثلاثة عقود ونصف، والتساؤلات التي أدخلت الصغير منا قبل الكبير في دوامة الاختيار كصحراويين يعيشون حالة لجوء صوري مجرد من كل الحقوق، هي: هل نغلب الجزائر على المغرب؟ أم نغلب المغرب على الجزائر؟ وماذا يخدمنا نحن من كل هذا أو ذاك؟ وإذا استقلينا كصحراويين هل نستطيع الاستغناء عن الجزائر، وهذا العدد الذي نطالب به اليوم لتقرير مصير الصحراء والذي لا يتجاوز 84 ألف شخص مصرح به، كي تجري الاستفتاء، واختارت إنشاء دولة مستقلة بالمنطقة المتنازع عنها، هل تستطيع هذه الدولة أن تكون مستقلة تماما عن الجزائر أو عن المغرب، فكيف يمكن آن تحافظ على أمنها، البعض يحاول أن يقنع نفسه بالاقتضاء بدول عربية، مثل الكويت، قطر، البحرين وعمان: متناسيا أن هذه الدول تأسست في ظروف غير الظروف، وخضعت لتقسيمات خلفها الاستعمار لأهداف معينة، وأن الظروف المحيطة بنا اليوم هي ظروف مختلفة تماما عن تلك، إذن نحن في النهاية لا يمكن استغناء لا على الجزائر ولا على المغرب لتوفير الأمن لنا وأضن أن عملية اختطاف الأجانب الثلاث من قلب الرابوني وعلى مقربة من المقر الرئاسي كشف المستور وفضح مزاعم القيادة العنترية وأثبت بالحجة و الدليل أنها غير قادرة على توفير الأمن لأهالينا في المخيمات فما بالك توفير أمن لدولة ستكون حديثة العهد، و بالتالي لابد لنا من البحث عن قوة ثالثة تحمينا، وإن كان لابد من اختيار أحد الطرفين كدولة حاضنة لنا، فيجب ان نكف عن جر الحبل من الطرفين، لأن ذلك سيجعلنا نتقدم خطو إلى الأمام تم نعود إدراجنا بخطوتين إلى الوراء من شدة الجر، لنكتشف في الأخير أننا لم نبرح مكاننا البتة، ولم نجني من العراك والجر غير أثار أقدامنا حفرت بعمق تحدد مدى بعدنا عن النظر إلى الأمور من خلال واقعها الأساسي. 33. و ما هو هذا الواقع الأساسي الذي ارتأيت من خلاله اختيار طرح الحكم الذاتي كحل واقعي؟ في جميع الحالات نحن كصحراويين و بهذا العدد القليل الذي ذكرت، لا بد لنا من البحث عن دولة حاضنة تحمي بقائنا كمجموعة بشرية، و مادام هذا شرط يعرف كل عاقل انه لا بد منه، فلا يمكن أن نستغني عن احد الطرفين في جميع الحالات، والحقيقة التي ترفض الجزائر الجهر بها، هي أنه لولا حمايتها واحتضانها ودعمها للبوليساريو طيلة هذه السنين، ما كنا لنصل إلى ما نحن عليه من التفاوض والمشاورات مع المغرب، ونتعاند معه طيلة هذه السنين و ما كنا أن نصمد و نقاوم لمدة طويلةّ، وأن يمر النزاع 36 سنة، وإذا ما عدنا بذاكرة التاريخ أدراجا عند بعض المحطات الرئيسية من النزاع، وتساءلنا إذا ما كان المغرب قد أخطأ في حقنا، فالجواب سيكون نعم أخطأ في حقنا، لكن في بعض الأحيان الخطأ قد يقع بين الإخوة الأشقاء، فهذه طبيعة بشرية عايشتها أقوام من قبلنا، قد نخطأ في بعضنا البعض، لكن هذا لا يعني أنها مشاكل أبدية، وليس لها حل، لكن الخطأ الأكبر هو أن البوليساريو ومن معها لم يعلموننا كيف نتصالح مع جروحنا ونطوي الصفحة من أجل غذ أفضل، وحان الوقت لكي نتعلم الدرس بأنفسنا طالما قيادتنا " الرشيدة" عجزت أو بمعنى أصح تقاعست عن إيجاد حل للنزاع يخدم الصحراويين بعيدا عن منطق المصلحة الذاتية، بكل واقعية نعود لنجيب عن سؤالنا الجوهري والمصيري حول ما إّذا كنا كصحراويين قادرين على توفير الحماية لدولة مستقلة تماما عن أي دعم خارجي؟ فإننا في الواقع سنغالط أنفسنا ونعيش الوهم إذا ما اعتقدنا ذلك، ولن نحصل على هذا المبتغى بالشكل الذي نسير عليه اليوم، وبما انه لابد من دعم خارجي ومن دولة حاضنة، فإنه من وجهة نظري كرجل صحراوي ينتمي لأكبر قبيلة في المخيمات، أرى أنني واحد من الشرفاء، وبالتالي لا بد لي أن اختار وأطلب الحضانة الأمنية من واحد من الشرفاء و واحد من أبناء عمومتي، وهي صفات لن أجدها في غير محمد السادس ملك المغرب، وإن كان لابد من التحالف فأفضل التحالف مع هذا الملك، لأنه أقرب شخص يمكن أن يضمن لي هذه الحماية من أي أحد آخر، وحول ما إذا وقعت فجوة بينه وبيننا نحن الصحراويين طيلة35 سنة، أكيد سنقلصها إلى أبعد حد حين نفتح حوارا مع جلالته، لنجد حلولا لن جدها عند غيره من الأطراف، ثم نحن البيهات لنا مصلحة من المغرب أكثر من الجزائر على عكس القبائل الأخرى في المخيمات التي لها مصلحة في الجزائر، علما أن القيادة الحالية تحرس بشدة كي لا يتجاوز عدد البيهات ضمن هياكلها واحدا أو اثنين في جميع مؤتمراتها الشعبية، تاركة لهم المناصب الأمنية والعسكرية 34. كيف توصلت إذن إلى هذه القناعة دون غيرك من أبناء عشيرتك هناك في المخيمات؟ نقول دائما رب ضارة نافعة، بعد نفي سنة كاملة إلى حدود اليوم بعيدا عن المخيمات، جعلني ذلك أنفتح عن العالم وأنصت للرأي والرأي الآخر، بدل الفكر الواحد الذي تفرضنه علينا البوليساريو، وتخلصت من الحصار الفكري الذي كان مضروبا علينا هناك، فتخيلي معي أن هناك ربونا على تصور غريب هو أن محمد السادس أو العلويين عامة يريدون إبادة الصحراويين خاصة الرقيبات، فما المصلحة من ذلك، أريد فقط أحدا كي يعطيني إجابة مقنعة عن هذا الافتراء، وما هي العداوة التاريخية بين العلويين والرقيبات في الصحراء، فالرقيبات ليست لهم ولم تكن لهم قط مطامع في السلطة أو أي شيء من هذا القبيل، هذه الفرضية التي انغرست في عقول البعض، والذين يوظفون كل شيء في سياسية و يسيسون كل شيء، لكن الغاية من ذلك هو زرع هذه العداوة كي تبقى متوارثة بين الأجيال، في حين ليس هناك عداوة قط، لكن هناك أخطاء حصلت في الماضي من الطرفين، ولكن لكل ظرف ولكل طرف مبرراته، واليوم لا يمكن محاكمة التاريخ بعقلية الماضي، فما وقع في السبعينات يجب تجاوزه وإصلاحه بعدم العودة إليه، فالملك الحسن الثاني رحمه كانت له مبرراته كي يرسل الجيش في السبعينات إلى الصحراء، لأنه لاحظ أن الجزائر وليبيا بدأتا تتدخلان كطرف حين دعما واحتضنا البوليساريو، وآنذاك كان المد القومي في أوجه والحديث عن الوحدة العربية في قمته، حيث دشنها جمال عبد الناصر و ورثها بومدين ثم القدافي، وكان المغرب آنذاك يشكل النقيض، فكان الملك الحسن الثاني يرى من الخطر جدا أن يمد القدافي يده على الصحراء، فكان لابد من الاستباق لوضع الجنود على حدود الصحراء، فاللعبة تشبه إلى حد ما لعبة السترنج.