يرى محمد العمرتي (أستاذ القانون الدولي العام بجامعة محمد الأول بوجدة والباحث في القانون الدولي للاجئين والهجرة) مطالبة المغرب بإعادة توطين لاجئي مخيمات تندوف يتطابق مع مقتضيات القانون الدولي اللاجئين والقانون الإنساني، مؤكدا أن اللاجئين الصحراويين يوجدون في وضع يتناقض كليا مع القانون الدولي لأسباب عديدة، أهمها أنهم محتجزون في مخيمات عسكرية ضدا على مبادئ القانون الدولي * طرحت مؤخرا المفوضية السامية للاجئين مقترح إعادة توطين اللاجئين الصحراويين في تندوف في بلدان أخرى. ما المقصود بهذا الحل؟ ** في البداية أعتقد أنه من الضروري تحديد مدلول إعادة التوطين في القانون الدولي للاجئين، باعتباره واحدا من الحلول الدائمة لمعالجة مشاكل اللاجئين وفقا لمبادئ القانون الدولي ذات الصلة والممارسة المتبعة من طرف المفوضية السامية للاجئين، بالإضافة إلى حق العودة الطوعية للوطن والإدماج المحلي في بلد اللجوء. فإعادة توطين اللاجئين تعني عمليات وبرامج نقل اللاجئين من البلد الذي منحهم الملجأ إلى دولة أخرى توافق على السماح لهم بدخول إقليمها والإقامة فيه. وعادة ما يمنح للاجئين المستفيدين من هذه البرامج إما حق اللجوء طبقا لاتفاقية جنيف 1951 أو شكلا آخر من أشكال حقوق الإقامة طويلة الأجل. وفي بعض الحالات تتاح لهذه الفئة من اللاجئين فرصة الحصول على جنسية البلد المستقبل، وبذلك تعتبر إعادة توطين اللاجئين في بلد آخر حلا من بين الحلول الطويلة الأجل، فضلا عن كونه آلية مهمة لتوفير الحماية الدولية للاجئين. والجدير بالذكر في هذا الصدد أن إعادة توطين اللاجئين في بلدان أخرى قد شكل محور أشغال الدورة الستين للجنة التنفيذية لمفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين التي انعقدت مؤخرا في جنيف. ولعل ما يسترعي الانتباه في التقرير العام الذي افتتح به المفوض السامي أشغال هذه الدورة، هو رصده للصعوبات التي تعترض المفوضية في تطبيق الحلول الدائمة لفائدة اللاجئين، واعتباره هذه المعوقات من بين الإشكاليات والتحديات الكبرى للمفوضية ولأدوارها ووظائفها في مجال الحماية، مرجعا إياها إلى الطبيعة المركبة والمعقدة لأشكال النزاعات المعاصرة. وكشف التقرير في هذا الصدد أن ما يناهز 600 ألف لاجئ قد عادوا طوعا إلى أوطانهم في سنة 2008، مشيرا إلى أن هذه النسبة تعتبر الأضعف منذ 15 سنة الماضية، مما يؤشر على تسجيل تراجع ملحوظ في ما يتعلق بالعودة الطوعية للاجئين إلى بلدانهم، على الرغم من أن هذه العودة هي الحل الأمثل لمعالجة مشكل اللاجئين. أما الإدماج المحلي في بلد اللجوء، فإنه ليس بأحسن حال، إذ عرفت نسبته أيضا تضاؤلا كبيرا يعزى بالأساس إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تجتاح البلدان المعروفة تقليديا باستقبالها لأعداد مهمة من اللاجئين، فضلا عن غياب التضامن والتقاسم الحقيقي بين الدول لتحمل أعباء استقبال اللاجئين وإدماجهم في مجتمعات اللجوء، ومن ثم إن التقلص الكبير لإمكانيات العودة الاختيارية للاجئين إلى أوطانهم وقلة فرص الإدماج المحلي في بلدان اللجوء الأول الذي تتعامل معه الدول بشح كبير، يقود لا محالة إلى ارتفاع ملموس في عدد طلبات التوطين في بلدان أخرى، حيث تم تسجيل 121 ألف طلب سنة 2008، تمت الموافقة على إعادة توطين 65.800 لاجئ، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 22 في المائة و32 في المائة على التوالي (الطلبات المقدمة والطلبات المقبولة) مقارنة مع سنة 2007. وهكذا يتضح أن التراجع المسجل في إمكانيات وآفاق الحلول الدائمة يفضي حتما إلى تزايد واستفحال ظاهرة اللجوء الممتد في الزمان. * كيف تحلل الرد المغربي على مقترح المفوضية السامية للاجئين؟ ** من الوجهة القانونية، أعتقد أن مطالبة المغرب بإعادة توطين لاجئي مخيمات تندوف يتطابق مع مقتضيات القانون الدولي اللاجئين والقانون الإنساني، ولا يزيد عن مطالبة المفوضية اللاجئين بالالتزام بمسؤوليتها وإعمال مقتضيات نظامها الأساسي والسعي إلى إيجاد حلول دائمة وملائمة لهذه الفئة من اللاجئين. فالمغرب ما فتئ منذ سنوات عديدة ينادي المجتمع الدولي بضرورة وضع حد للمأساة الإنسانية المفروضة على اللاجئين الصحراوين في مخيمات تندوف، مطالبا المفوضية غير ما مرة بالإشراف على عملية إحصاء شامل ودقيق ونزيه لعدد سكان مخيمات تندوف بالجزائر، كما طالب في مرات عديدة بالإعمال الفوري لحق العودة الطوعية للوطن، في الوقت الذي تتمادى البوليساريو والسلطات الجزائرية التي تأوي هذه المخيمات في الأراضي الخاضعة لسيادتها، في مصادرة حق هؤلاء اللاجئين في ممارسة حرية التنقل والعودة الاختيارية إلى الوطن لمن أراد ذلك منهم. كما أن الجزائر ترفض منذ أكثر من ثلاثة عقود الإدماج المحلي لهؤلاء اللاجئين واستيعابهم في المجتمع الجزائري. فأمام استحالة تطبيق حق العودة الطوعية إلى الوطن (الأقاليم الصحراوية المسترجعة أو باقي مناطق المملكة)، وتعنت الجزائر باعتبارها بلد اللجوء الأول في عدم إدماجهم في مجتمعها، فإن القانون الدولي اللاجئين (اتفاقية جنيف لسنة 1951 وبروتوكولها الملحق لسنة 1967) فضلا عن الاستنتاجات المعتمدة من طرف اللجنة التنفيذية لمفوضية اللاجئين، ينص على إمكانية إعادة التوطين في بلدان أخرى كحل من الحلول الدائمة. * هل هناك أمثلة دولية على توطين اللاجئين؟ ** يمكن الإشارة هنا إلى البرامج الواسعة لإعادة توطين اللاجئين في آسيا (تايلاند، نيبال، ماليزيا..)، وهناك أيضا برامج أخرى طبقت جزئيا في القارة الإفريقية. كما استفاد عدد من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين من إعادة التوطين في بعض دول أمريكا اللاتينية والولايات المتحدةالأمريكية. وتواصل المفوضية توجيه نداءاتها من أجل الرفع من فرص إعادة التوطين، وعلى الأخص بالنسبة للاجئين ذوي الاحتياجات الخاصة والفئات الأكثر هشاشة أو لفائدة ما أضحى يعرف في أدبيات المفوضية بحالات اللجوء الطويلة الأمد أو الممتدة في الزمان، والتي أصبحت تحظى بالأولوية مثل اللاجئين الأفغان في إيران وباكستان واللاجئين البوسنيين والكرواتيين في صربيا ولاجئي البوريندين في تانزانيا والإريتريين في شرق السودان.. * إلى أي حد سيساهم هذا الحل في تجاوز المشكل أم سيعمق من الأزمة في الصحراء؟ ** من وجهة نظري إن الطرح المغربي يمتاز بإيجابيته وجرأته في هذه الظرفية التي يعرفها مسلسل التسوية السياسية للنزاع في الصحراء. فالمقترح المغربي لا يطالب المفوضية السامية للاجئين والمجتمع الدولي سوى بالعمل على تطبيق مبادئ وقواعد القانون الدولي للاجئين بخصوص الحلول الدائمة المتكاملة (العودة أو الاندماج أو إعادة التوطين). كما أنه يطالب باحترام حق لاجئي مخيمات تندوف في التنقل الحر واختيار بلد آخر اللجوء إليه غير مخيمات تندوف، وذلك في إطار عملية إعادة التوطين التي من المفروض أن تشرف عليها وتسهر عليها المفوضية السامية لللاجئين. * وماذا عن موقف الجزائر والبوليساريو؟ ** من دون شك، إن هذا المقترح فيه إحراج كبير للبوليساريو وللسلطات الجزائرية، خاصة بالنسبة لهذه الأخيرة التي يضعها هذا المقترح الجديد أمام المسؤوليات القانونية والأخلاقية التي تقع على عاتقها تجاه المجتمع الدولي باعتبارها الدولة التي تستقبل اللاجئين الصحراويين في إقليمها وتخضع المخيمات التي يعيشون فيها لسيادتها الإقليمية. وبالعودة إلى سؤالك، لا أظن أن المطالبة بإعمال حل إعادة التوطين سوف يعمق الأزمة، لأن من تعمقها هي الأطراف التي حوّلت هده المخيمات ذات الطابع العسكري إلى سجن كبير، وتلك التي جعلت من اللاجئين وبشكل يتعارض مع القانون الدولي رهائن لحسابات سياسية وجيوستراتيجية. فمن حق المغرب كدولة طرف في النزاع الدائر حول الصحراء، وباعتباره دولة متعاقدة في نطاق النظام الدول لحماية اللاجئين، أن يعتبر أن دور المفوضية ومسؤولياتها في حماية اللاجئين بمفهومها الواسع لا تنحصر في مجرد تأمين المساعدات الغذائية لسكان مخيمات تندوف، بل من المفروض أن تمتد وأن تتوسع وفقا لما ينص عليه النظام الأساسي للمفوضية بما في ذلك إعمال الحلول الدائمة لفائدة اللاجئين. * ما هي الإشكالات التي يمكن أن يطرحها هدا الحل على مستوى الوضعية القانونية للمستفيدين من هذا الحل؟ ** يتعين التوضيح هنا أن المسألة تتعلق بلاجئين اعترفت لهم المفوضية بوضع لاجئين بشكل جماعي وليس بملتمسي لجوء. فاللاجئون الصحراويون قد أجبروا لأسباب عديدة وفي سياق ظروف وملابسات مختلفة إلى التنقل نحو المناطق المحاذية للأقاليم الصحراوية المغربية والتجمع في مخيمات أقيمت في المنطقة الخاضعة للسيادة الجزائرية، وهم يوجدون في وضع يتناقض كليا مع القانون الدولي لأسباب عديدة، أهمها أنهم محتجزون في مخيمات عسكرية ضدا على مبادئ القانون الدولي الذي يفرض شروطا صارمة، يجب على بلد اللجوء التقيد بها عند السماح لإقامة هذه المخيمات (الحرص على ضمان الطابع المدني والإنساني والسلمي لهذه المخيمات الذي تشدد عليه الخلاصة رقم 94 المعتمدة من لدن اللجنة التنفيذية للمفوضية في 08 أكتوبر 2002)، فضلا عن كون اللاجئين الصحراويين قد حرموا منذ ما يزيد عن 30 سنة من الحماية الدولية بمعناها الواسع التي يكفلها لهم القانون الدولي من خلال ضرورة توفير الحلول الدائمة لوضعهم الإنساني المأساوي. لذلك، لا أرى ثمة إشكالات خاصة قد يطرحها إعمال مبدأ إعادة توطينهم في بلد آخر بالنسبة لوضعهم القانوني كلاجئين. فتطبيق جميع الحلول الدائمة التي ذكرناها يشترط فيه احترام الإرادة الحرة للاجئ، ولا يؤدي بتاتا إلى تجريد اللاجئين من كافة الحقوق والحريات الأخرى المكفولة بمقتضى قانون اللاجئين والقانون الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. * ماهي الدول التي يمكن أن تشكل قاعدة لإعادة توطين اللاجئين الصحراويين؟ ** يمكن في هذا الصدد التفكير في دول الجوار الإفريقي أساسا مثل موريتانيا والسينغال ومالي. والجدير بالذكر أن إعادة توطين اللاجئين لن يكون له أي تأثير سلبي على استمرار المغرب في مسلسل التسوية السياسية النهائية للنزاع في الصحراء، والتي انخرط فيها برعاية الأممالمتحدة. بالإضافة إلى أن اللاجئين الصحراويين في حال استفادتهم من برنامج إعادة التوطين في بلدان أخرى لن يفقدوا حقهم المشروع والكامل في المشاركة في أي استفتاء حول الحل السياسي المتوافق عليه الذي قد يتمخض عن المفاوضات بين أطراف النزاع برعاية الأممالمتحدة وعلى أساس مبادرة الحكم الذاتي في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية. * أي دور يمكن أن تلعبه الجزائر في السماح أو منع الصحراويين من التنقل لبلد آخر؟ ** بغض النظر عن الخلاف في المواقف بين الأطراف حول النزاع في الصحراء وتعارض المصالح السياسية بينها، فليس ثمة شك أنه من غير المقبول من الناحية الإنسانية أو الأخلاقية أن يظل اللاجئون الصحراويون رهائن إلى ما لا نهاية في مخيمات عسكرية مغلقة وتحت حصار البوليساريو والقوات الجزائرية، من دون أي آفاق لإيجاد حلول دائمة لأوضاعهم الحقوقية والاجتماعية والإنسانية المزرية السائدة في المخيمات، وضحايا للخروقات الخطيرة لحقوقهم الإنسانية الأساسية. فلا يجب أن تستمر مأساة هذه الفئة من اللاجئين مهما كانت المبررات السياسية. وما يبعث على الاستغراب حقا هو موقف الجزائر تجاه مصير اللاجئين الصحراويين. فعلى خلاف ما يقع في سائر البلدان الأخرى التي تستقبل أعدادا مهمة من اللاجئين، والتي تسعى عادة إلى إقناع المجتمع الدولي بضرورة العمل على عودة اللاجئين إلى بلدانهم أو إعادة توطينهم إذا ما استحالت هذه العودة. فالجزائر تعارض بشدة عودة سكان المخيمات إلى الأقاليم الصحراوية المغربية، ومن المتوقع أنها سوف ترفض أيضا التعاون مع المفوضية في حال ما إذا قررت هذه الأخيرة تطبيق برنامج لإعادة توطين اللاجئين الصحراويين في بلدان أخرى. وفي هذه الحالة، فإنها ستتنصل مرة أخرى من تحمل التزاماتها الدولية تجاه اللاجئين الصحراويين والمجتمع الدولي. فالجزائر تتحمل المسؤولية الكبرى فيما يرجع لمصير اللاجئين الصحراويين، باعتبارها البلد المستقبل وبلد اللجوء الأول، وأيضا بصفتها صاحبة السيادة الإقليمية وفقا للقانون الدولي. وتعتبر المفوضية السامية للاجئين من جهتها - وبصفتها الساهرة على مراقبة مدى وفاء الدول بالتزاماتها طبقا لاتفاقية جنيف 1951، كما تعتبر بمقتضى نظامها الأساسي وجميع خلاصات و توصيات لجنتها التنفيذية المتعلقة بحماية اللاجئين، مسؤولة عن اطلاع سكان مخيمات تندوف وتعريفهم بحقهم المشروع في التمتع بحقهم في إعادة التوطين في بلدان أخرى، كما أنها مطالبة باستطلاع رأي مختلف الدول التي يمكنها أن تساهم في استقبال أعداد من اللاجئين الصحراويين في إطار إعادة التوطين. في نهاية المطاف فأن تطبيق أي حل من الحلول الدائمة المذكورة يبقى رهينا بمدى توفر الإرادة السياسية للبلد المستقبل وحسن نيته في معالجة البعد الإنساني للنزاع بمعزل عن تعقيداته السياسية.