فاز الشاعر والباحث المغربي، محمد العناز، بجائزة الشعر لاتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب مناصفة، عن مجموعته "جليد منتصف العمر". الشاعر من مواليد سنة 1984، بمدينة القصر الكبير. قدر له أن يتنقل بأماكن متعددة، إذ غادر هذه المدينة إلى تطوان لمتابعة دراسته الجامعية، حيث حصل على دبلوم الإجازة والماستر من كلية آداب تطوان، ليلتحق بزاكورة، وتحديدا جماعة تغبالت النائية، أستاذا للتعليم الثانوي التأهيلي، ويستقر في طنجة. لا يستطيع محمد العناز العيش خارج دائرة الأدب والثقافة، مهووسا بتقديم صورة متوازنة عن الأدب المغربي، من خلال قراءاته النقدية لعدد من الأعمال الإبداعية والأكاديمية، فضلا عن تغطياته لعدد من الملتقيات والندوات العلمية، وإيصالها عبر الوسائط الجديدة إلى الجمهور الافتراضي والورقي. صدر له "خطوط الفراشات" في 2010، و"مفهوم الصورة عند الجاحظ في كتاب البيان والتبيين" في 2013. ويحضر، حاليا، أطروحة لنيل الدكتوراه في الأدب العربي، بكلية آداب بنمسيك، في موضوع "مكون الحكي في القصيدة العربية الحديثة". حاصل على جائزة القناة الثانية للإبداع الأدبي (2009)، وجائزة طنجة الشاعرة الدولية (2009)، وجائزة الاستحقاق الثقافي من جامعة عبد المالك السعدي (2010)، كما جرى تكريمه في ملتقى الشارقة للشعراء الشباب بجامعة ابن طفيل (2012). فزت بجائزة الإبداع للشعر في المسابقة التي ينظمها اتحاد كتاب المغرب. ماذا يعني لك هذا التتويج؟ في اللحظة التي أرسلت فيها مجموعتي الشعرية "جليد منتصف العمر"، لم أكن أرغب في أمر سوى أن يحظى عملي الشعري بقراءة متأنية من قبل النقاد المكونين للجنة الشعر، ومعرفة تقويمهم لعملي الشعري. وفي اللحظة التي استطاعت فيه هذه المجموعة أن تنال شرف التتويج، اعتبرت الأمر إشارة واضحة إلى أن الطريق الذي سلكته، قبل سنوات، كان طريقا صحيحا، وأن الرهان على الكتابة، وفق رؤية يتداخل في تكوينها ما هو ذاتي وموضوعي، رهان سليم. وأعني بذلك البيئة المحيطة والمرجعيات المشكلة للخطاب الشعري. ولا أخفي سعادتي بهذه الجائزة التي تجعلني من جديد أمام مسؤولية أكبر، وتحد أصعب. وأقصد بالمسؤولية الدفاع عن صورة الشاعر المغربي ووضعه الاعتباري، انطلاقا من منجز يعي جيدا تاريخ الإبدالات الشعرية، ويستشرف آفاق الشعر في مرحلة ما بعد"النبوغ المغربي". الجائزة اعتراف بقيمة الكائن المبدع في مجتمع استهلاكي لا يعترف بالقيم الرمزية والجمالية، ومن ثمة فهي تأكيد على حق الشعراء في التعبير، وتشكيل العالم وفق منطقهم الجمالي. حدثنا قليلا عن مجموعتك الشعرية الفائزة "جليد منتصف العمر"، ما مضمونها؟ ومن ألهمك سطورها؟ وكيف خرجت إلى الوجود؟ سياقات المجموعة الشعرية الثالثة بعد مجموعتي الأولى" خطوط الفراشات" التي حظيت بتتويج مزدوج- جائزة القناة الثانية، وجائزة طنجة الشاعرة- وديواني الثاني مرافئ الصحراء، الذي تأخر في الوصول إلى المتلقي العربي لأنه اختار طريقا غير معبدة، وهي طريق الصحراء. أما المجموعة الشعرية المعنونة ب "جليد منتصف العمر" فتحمل قلقا وجدانيا، وأسئلة شائكة، وتعبا يشبه تعب الطريق الذي أسلكه طوال سنوات، انطلاقا من منزلي بمدينة طنجة، ووصولا إلى زاكورة، حيث أزاول مهنتي المقدسة. ويتصف كل من المعجم الشعري، والتشكيل الدلالي، والرؤية الشعرية بالاغتراف من تمثلات السياق الحياتي، وبتحول في مرجعياتي المعرفية المشكلة لتجربتي الشعرية المتواضعة السابقة. إن رؤية أماكن مثل زاكورة في عز فصل الشتاء، أو كثبان الرمال في فصل الخريف، أو العقارب المميتة في الأشهر الأولى لفصل الصيف لا تشعرني بالضجر، بقدر ما تحفزني على إعادة فهم الحياة خارج المكان الأمومي، والأماكن المألوفة بثقلها التاريخي، وطاقتها العاطفية. لقد أتاح لي الجنوب، بسحره وعزلته، فرصة عظيمة لربط صداقات مع كتاب وشعراء من أزمنة وقارات متباعدة. وهنا بالضبط فهمت معنى إصرار الأدباء والفلاسفة على العزلة، ليس هروبا من الميثاق الاجتماعي بطابعه الديني والأسري، بل لأن العزلة هي الوسيلة الوحيدة لصناعة مستقبل الذات المبدعة. هل كان من الممكن أن يتوصل الطبيب المغامر فرانكنشتاين لاختراع مسخه العجيب لو لم تكن له عزلة كافية. وفي اللحظة التي تبددت فيها هذه العزلة من طرف أسرته حكم على هذا المسخ بالمساهمة في خلق مسخ آخر أدى إلى انهيار عالمه وحلمه في الوقت نفسه. هذا ما تعلمته من درس العزلة لدى الكاتبة "ماري شيلي". هل كنت تتوقع الفوز بهذه الجائزة؟ - الإجابة ليست مرتبطة بلعبة منطقية تنحصر في قول نعم أو لا. لأنني أدرك أنه ثمة الكثير من التجارب الشعرية الجديدة الناضجة، التي لم تتح لها فرصة المشاركة. ويهمني، بشكل أساس، معرفة ملامح هذه التجارب الشعرية التي أصادفها في الإعلام البديل، لأنها تعبر عن رؤية مغايرة لتمثل العالم، ولقوله على نحو شعري. والأفق الذي تشكل لدي، وأنا أشارك في الجائزة، هو التعريف بتجربتي عبر القصائد المكونة لديوان "جليد منتصف العمر". متى سيتم نشرها؟ أتفهم إكراهات النشر بالنسبة إلى اتحاد كتاب المغرب، لكن الأساس هو الحرص على أن يولد هذا المولود بشكل سليم. النشر مسار آخر لجسد الديوان، وإذا ظل هذا الديوان في غرفة الانتظار لمدة طويلة، فسيختنق بكل تأكيد، وسيفقد حياته، لأنه يحتاج إلى أوكسجين الحياة من خلال وصاله بالقارئ المغربي والعربي. وأنا على يقين أن اتحاد كتاب المغرب سيكون منصفا لهذه التجارب الإبداعية الحالمة، وسيكون في مستوى تطلعاتهم نشرا وتوزيعا. بالنظر إلى واقع الثقافة بالمغرب، هل تعتبر أن المبدعين الشباب تمكنوا من وضع قدم في الساحة الأدبية المغربية؟ وضع الثقافة في هذا البلد مقلق للغاية، فالمؤسسات الثقافية لا تملك الوسائل الكفيلة بحفظ ذاكرة الثقافة بالمغرب المتعدد والمختلف في أشكاله التراثية والثقافية. ولسنا نفتقر لرؤية واضحة لبناء مستقبل مشرق ثقافيا لهذا البلد، بل نفتقر للوسائل الكفيلة بتحقيق هذا المشروع. ووجود الشباب في الإعلام الثقافي والملتقيات الوطنية والدولية محتشم لصالح شيوخ يعيشون على أمجاد "أوهام" سقطت مع سقوط جدار برلين. المثقف الحقيقي عليه أن يدرك أنه ثمة تحولات مهمة ترتبط بالثقافة وبالمجتمع، وعليه أن يساهم في تنمية البلاد، وليس توجيه خطابات جوفاء. وعلى الجهات الوصية - في الوقت نفسه- أن تخلق فرصا حقيقية للشباب المبدع، وأن تكف عن تشويه صورتهم ببرامج تلفزية قاتلة. على الجميع أن يؤمن بأن المستقبل مرتبط بالشباب، الذين يناضلون في صمت دفاعا عن الحق في الحياة والإبداع. برأيك، ما هي المشاكل التي يمكن أن تقف في وجه المثقف المغربي المغمور بالخصوص؟ السؤال يحتاج إلى مقاربة سوسيولوجية لمعرفة وضعية المسألة الثقافية بهذا البلد، ووضع المثقف بشكل عام. أما المثقف البعيد عن المركز، وعن الولاءات الحزبية، والصداقات النفعية، فإن مساره يشبه رحلة "الدون كيشوت دي لامانشا". لكن الأهم هو المساهمة في فاعلية الأدب، يجب استحضار التحولات التي ساهمت التقنية والتشابكية في نسجها وقدرتها على تكسير الحواجز الكلاسيكية. وهو ما أصبح يتيح لكافة المبدعين القدرة على إيصال كتاباتهم إلى القراء. لدينا في المغرب أسماء إبداعية حقيقية قلما تمكنت من المشاركة في ملتقيات أدبية. لكنها تبقى تجارب تتميز بإبداعيتها وهامشيتها في الوقت نفسه. يمكن للمبدع، من خلال قصيدة واحدة، أن يؤثر في الأدب برمته، ويسعفنا ابن بوسطن الأمريكية الشاعر إدغار ألان بو في هذا السياق، من خلال قصيدته الغراب التي حملت قلقه وهواجسه، وساهمت في تحول الشعر والأدب الأمريكي لردح من الزمن، بل إن هذا الامتداد وصل إلى الفن السابع من خلال رؤية سينمائية استطاعت أن تؤكد أهمية الشاعر في مجتمع المدينة. أتحدث عن الفيلم السينمائي " الغراب" للمخرج جيمس ماكتيج. كيف تقيم مستوى الشعر المغربي خصوصا في جانبه الشبابي حيث يكتفي أغلب الشعراء الشباب بإصدار يتيم؟ الإصدار الوحيد لا يعني توقف هذه التجربة أو تلك عن الإبداع، فالثقافة دعامة أساسية للتنمية المستدامة، وهذه التنمية أساسها الطاقات الشابة. وما يكتبه الشباب اليوم- في ظني- يعكس تطورا في الإبداع المغربي، لأن الأدب لم يعد ممارسة تطهيرية، ولا انعكاسا لواقعية ما، بل تجارب متعددة ومختلفة كل تجربة ترتبط بتربتها ومتخيلها. أتساءل كم عدد الكتب التي طبعتها الجهات الوصية لأدباء الشمال، رغم ما تحمله هذه التجارب من متخيل متوسطي، وموريسكي وجبلي..كم عدد الإصدارت التي تحمل متخيل دكالة وعبده والشاوية، والأمر نفسه يقال بالنسبة إلى الأدب الأمازيغي والصحراوي. الأدب المغربي غني وما قدم لهذا الأدب مخجل للغاية، وما قدم للشباب أكثر من نادر. مقتطفات من "جَليدُ منتصفِ العُمرِ" الجُدرانُ التِّي تُسيِّجُني تبحثُ عن مدْفأةٍ لِتوقِظَ ما تبَّقى من الذِّكْرياتْ.. والجليدُ المُتَرَبِّصُ بي خَارِجهَا يَتَوَعَّدُني بِمزيدٍ من الاِرْتِعاشْ. أنا المُنْطَفِئُ/ المُشْتَعِلُ تحتَ أَرْوِقَةِ الحُلْمِ. ..... أَصْدِقاءُ الأَمْسِ شَيَّعُوا جَنازَتي في اللَّيْلِ البَارِدِ رَشُّوني بحُثَيَّاتٍ مِنَ الثَّلْجِ مُحْرِقَهْ. وَانْصَرَفُوا..يَتَهامَسُونَ حَوْلَ إِرْثِي.. أنا ابْنُ شَمْسِ الظَّهِيرَةِ مِيراثِي، صَهَرَهُ الصَّقِيعُ في جَسَدِي لِيُدْفِئَني وَأنا تَحْتَ التُّرابْ..