صودق أخيرا على مشروع القانون المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل الخاصة بالعمال المنزليين، القانون الذي أتى بعد سنوات من الانتظار ليضع حدا لمجموعة من الممارسات التي حولت خادمات البيوت إلى عبيد القرن الواحد والعشرين. عبد الله الكرجي عضو مؤسس لنادي قضاة المغرب ينص هذا المشروع بالخصوص على اعتماد تسمية "العمال المنزليين" بدل تسمية "خدم البيوت"، تكريسا لمفهوم العمل اللائق، ومنع تشغيل عمال منزليين إذا كانت أعمارهم تقل عن 15 عاما، وإقرار العقوبة نفسها المقررة في مدونة الشغل في حالة تشغيل الأطفال أقل من 15 عاما، وإقرار عقوبة زجرية على الأشخاص الذين يتوسطون، بصفة اعتيادية في تشغيل العمال المنزليين. كما يضبط هذا القانون العلاقات بين هذه الفئة من الأجراء بمشغليهم، في أفق إقرار حماية اجتماعية لهم، وتمتيعهم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي القضاء على ظاهرة تشغيل الطفلات اللواتي تقل أعمارهن عن 15 عاما وتجريمها. عن مقتضيات هذا القانون الإيجابية والسلبية، كان ل "المغربية" هذا الحوار مع الأستاذ عبد الله كرجي، عضو مؤسس لنادي قضاة المغرب. ما هو الإطار العام لهذا المشروع؟ وما الجديد إن جرى التصويت عليه وأصبح قانونا؟ أشير في البداية إلى أن ديباجة مدونة الشغل تنص على أنها تنطلق من احترام الحقوق والحريات، التي يضمنها الدستور لعالم الشغل، علاوة على مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، والاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، الذي انضم إلى هذه المنظمة، منذ سنة 1956، وصادق على مجموعة من الاتفاقيات، منها الاتفاقية عدد 182 المتعلقة بحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال، والاتفاقية عدد 138 المتعلقة بالحد الأدنى لسن الاستخدام، التي نصت على التزام الدولة على وضع حد أدنى للتشغيل، وهو ما نفذ بمقتضى المادة 143 مدونة الشغل، الذي حددته في 15 سنة كاملة 151. وإذا كانت هذه المقتضيات تجعل التشريع المغربي في وضع متقدم، إلا أن عمال المنازل بقوا بعيدين عن هذه الحماية، إذ جرى استثناؤهم بمقتضى المادة 4، التي أحالت على قانون خاص سيصدر لاحقا، ولكون هذا المجال يشغل، بحسب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش (ما بين 66 ألفا و86 ألفا من الفتيات وأن غالبيتهن يحصلن على راتب شهري لا يتجاوز 61 دولارا في الشهر مقابل العمل 100 ساعة في الأسبوع). كما أن استثناءهم جعل قضاء نزاعات الشغل يقضي برفض طلبهم حال طردهم تعسفيا، إلا ما كان من المستحقات الأجرية، وعندما يكون الطلب يقل عن 5000 درهم يحيل القضية على قضاء القرب. لنخلص إلى أن مجرد وضع قانون هو مكسب في حد ذاته، إذ تكرر مصطلح "سيصدر قانون" منذ سنة 1982 على لسان وزير التشغيل آنذاك، والآن هناك مشروع قانون جرت إحالته على الأمانة العامة للحكومة للمرة الأولى في غشت 2006، كما أحيلت صيغة محينة على الأمانة العامة للحكومة للمرة الثانية في 29 ماي 2008، ويتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل الخاصة بالعمال المنزليين "بدل خدمة البيوت"، تكريسا لمفهوم العمل اللائق. ما هي المقتضيات الإيجابية التي أتى بها هذا القانون؟ يبدو من خلال الصيغة المحينة لهذا القانون أن واضعيه حاولوا إيجاد إطار قانوني يراعي طبيعة العمل داخل المنزل، وبالتالي فقد: * ألزمت المادة 3 أن يكون العقد محررا في ثلاثة نظائر مصادق على صحة إمضائها، يسلم أحدها لعامل المنزل ويحتفظ صاحب البيت بواحد منها، ويودع الثالث لدى مفتشية الشغل. * منعت المادة 6 من القانون تشغيل (كعمال منزليين) من تقل أعمارهم عن 15 سنة، تحت طائلة غرامة تحددها المادة 14 بين 25000 و30000 درهم. * حظرت المادة 4 على الأشخاص الذاتيين التوسط، بصفة اعتيادية، في تشغيل عمال منزليين، تحت طائلة الغرامة نفسها. * منعت المادة نفسها تشغيل العمال المنزليين، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و18 سنة في أشغال منزلية خطيرة تحدد بنص تنظيمي. * أما الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة، فعليهم أن يحصلوا على رخصة من أولياء أمورهم للاشتغال (المادة 6). * منح مفتش الشغل صلاحية إجراء محاولة التصالح بين المشغل والعامل المنزلي، وعند تعذر ذلك يحرر محضرا، كما له مراقبة مدى تطبيق القانون. * منح القانون للعمال المنزليين الحق في الاستفادة من العطلة الأسبوعية (يوم واحد)، والراحة خلال أيام الأعياد الدينية والوطنية .. إلخ. بالمقابل، ماهي المقتضيات السلبية التي أتى بها هذا القانون؟ قمت برصد مجموعة من السلبيات، التي على واضعي هذا القانون تلافيها، وسأذكر بعضها باعتباري عضوا بنادي قضاة المغرب، الذي رفع شعار حماية حقوق المواطنين بمقتضى الفصل 4 من قانونه الأساسي، وتتمظهر على مستوى التمييز بين العمال المنزليين وباقي العمال، إذ: * بمقتضى المادة 11 يجب ألا يقل الأجر عن 50 في المائة من الحد الأدنى للأجر المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة. * سكوت القانون عن الواجبات التي يجب على صاحب البيت الوفاء بها لفائدة هذه الفئة، كالضمان الاجتماعي وكل الحقوق المترتبة عنه كالتغطية الصحية و(...) * يمكن بمقتضى المادة 13 التعويض عن الفصل بعد قضاء سنة من الشغل عند صاحب البيت نفسه، عوض ستة أشهر بالنسبة للأجير العادي (المادة 52 من مدونة الشغل). * الإحالة على أمور مهمة وبسيطة من ناحية صياغتها على نصوص تنظيمية، في حين أنها لا تتعلق بأمور تنظيمية بل بمهام تشريعية، ما يجعل الإدارة تنهض بمهام المشرع، ما قد يمس بدستورية النص الذي سيصدر لاحقا. * لا يحدد هذا القانون ساعات عمل عمال المنازل. * تنص المادة 231 من قانون الشغل على منح يومين ونصف اليوم عن كل شهر للأجراء الذين لا يتجاوز سنهم 18 سنة، في حين يقلص هذا المشروع العطل إلى يوم ونصف عن كل شهر ولكل الأعمار، ناهيك عن العديد من أوجه التمييز ضد عمال المنازل من حيث رخص التغيب بسبب أحداث، بمقتضى المادة 10 منه. * غياب العقوبات الزجرية للمخالفات في حق صاحب البيت في حال رفض منح رخص التغييبات والعطل القانونية. * استعمال بعض العبارات الفضفاضة، من قبيل "أشغال مرتبطة بالبيت". * ولعل من غرائب هذا القانون هي المادة 14، التي تعاقب بغرامة هزيلة (من 300 إلى 500 درهم) كل شخص استخدم عمالا منزليين في ما قد يترتب عنه إخلالا بالآداب العامة، في حين تعاقب المادة نفسها كل شخص يستخدم عاملا منزليا يتراوح سنه بين 15 و18 سنة دون ترخيص من ولي أمره بغرامة تتراوح بين 25000 و30000 درهما، فكأن الفعل الأول الذي فيه مساس بالآداب العامة أقل خطورة من الثاني.