لم يكن شيء يجذب إلى زيارة حديقة "عين السبع" في الدارالبيضاء، وهي تحمل وصمات إهمال وتهميش، غير أن مشروع "تهيئتها" المزمع تحقيقه مستقبلا، قاد "المغربية" إلى تفقد مرافقها ورصد مشاهدها، في أفق أن تحظى بنقلة نوعية تحذف عنها واقعا بئيسا، أرهق الحيوانات القليلة العدد، كما نفر الناس من ارتيادها. الحديقة الممتدة على مساحة تقارب 10 هكتارات، التي كانت في الماضي وجهة لمحبي الطبيعة بكل مكوناتها، أصبحت في السنوات الأخيرة تعيش "نكسة" تمثلت في قتامة فضاءاتها وخراب مرافقها، على نحو يرصد تراجعا مهولا في الحديقة. لم يبق من حديقة "عين السبع" غير بعض الحيوانات المحصورة النوع والعدد، ترعى في أقفاصها القديمة والمهترئة، في وضعية تدعو إلى الشفقة، حيوانات تقتات على كسرات خبز وخضر جافة، وبعض من الحلويات التي يلقي بها الزوار، لخلق تواصل بين الأطفال والحيوانات "المقهورة". الزائر للحديقة لن يفوته إدراك أن الحديقة تعيش وضعا مريرا، جعل مشهد الحيوانات خلف سياجها، تبدو في حالات "حرمان وقهر وبؤس"، ومع كل هذا تحاول بفطرتها أن تنسجم مع وسطها (الأقفاص)، بعد أن تتحرك في كل الاتجاهات المحصورة الأمتار، بشكل تحاول به كسر الرتابة. يجد مرتاد الحديقة نفسه مدفوعا إلى اكتشاف الحديقة "المهملة"، من حيث صور ومشاهد التهميش المتجسدة في أرجائها ومرافقها وحيواناتها "المتعبة"، أما الاستمتاع بأجواء طبيعية محققة في حيوانات نشيطة مختلفة الأنواع، وكذا فضاءات خضراء نضرة، فهي مطمح قد يكون ورادا بعد تحقيق مشروع، "تهيئة الحديقة". خمول واضح على الحيوانات يبدو للوهلة الأولى عند تفقدها، هذه الحيوانات التي بعضها تفضل الانزواء بعيدا عن أعين الزوار، وبعضها الآخر تتقرب منهم كأنها تحتاج إلى "تدخل عاجل"، على الأقل لمدها ببعض "الأطعمة أو المكسرات"، كما هو شأن القردة و"الماعز". ولأن أجواء الحديقة لا تبعث للوافدين بجمالية طبيعتها المحددة في أشجار ونباتات، ولا تبعث بحيوية في حيواناتها "المرهقة"، فإن هؤلاء غالبا ما كانوا يلجونها لكون مدينة البيضاء لا تتوفر إلا هذا المرفق الخاص بالحيوانات، رغم شقائها في "واقع مرير"، لكن فطرة التعايش جعلتها تتحمل، بصرف النظر عن كل شيء. حيوانات قليلة جولة واحدة وقصيرة في الحديقة، تكفي للشعور بالحسرة على حيوانات تحتضر ببطء، صمت يخيم على أرجائها، ماعدا أصوات بعض الحيوانات المؤكدة لمسامع الزائر، أنها تتكبد معاناة حقيقية، خاصة الأسد الذي يبدو من زئيره المبحوح أنه يتكبد قهرا، بسبب حصره في سياج ضيق لا يساعد الزائر على معاينته. إن اكفهرار أجواء الحديقة لا يحفز على التجول فيها، خاصة أنها لا تحتوي على الكثير من أنواع الحيوانات، فأقفاصها الصدئة، بالكاد تتضمن أنواعا معينة مثل قردة الأطلس المتوسط وقردة جافا آسيا، و"الخنازير البرية" و"الماعز" و"النعام الوردي" و"الغزال" و"الأسد"، وبعض الطيور مثل الطاووس والديكة، وهي حيوانات لا تجدد اندفاع الزائر لاكتشاف عوالم الحديقة، حيث جل الأقفاص تبدو خالية من الحيوانات، تعتريه بعض الفضلات والنفايات، بشكل ينفر المكوث بمحاذاتها. ومن المثير للاستغراب، هو أنه حتى القردة التي تعرف بخفة حركاتها وحيويتها، فهي تنزوي في أقفاصها بشكل قانط ومضجر، لتقضم ما تيسر لها من جزر جاف ملقى حيث هي قابعة. أما الأطفال المرافقون لذويهم، فقد لا ينتبهون لمشاكل الحديقة، بقدر ما يثيرهم منظر الحيوانات وهي تقترب من السياج الفاصل بينها وبينهم، حين مدها ببعض الحلويات، تعبيرا من الأطفال عن إعجاب ودي لهذه المخلوقات. فمشهد الحيوانات يعكس للناظر فيها، أنها تستغيث بصمت، لكن لا جدوى من ذلك، فهي مجبرة على العيش في أقفاص، كما هي مجبرة على تحمل الجوع الذي قد يعتريها بين الفينة والأخرى، في سياق إهمال الحديقة، وإن كان المشرفون عليها يبذلون قصارى جهودهم للحفاظ على وجودها، ولو بالشروط البسيطة المتوفرة. الحديقة ستتغير بدرهمين فقط، يمكن لأي زائر أن يلج حديقة عين السبع، ويتبين عن كثب واقعها "المؤسف" الوارد تغييره نحو الأحسن في الأفق القريب، وحيث إنها تحتل مساحة شاسعة، فإنها تخول مجالات توظف في إنشاء مرافق جديدة بمقومات تليق بحديقة تحتضن حيوانات مختلفة وفي ظروف جيدة للعيش وسط أقفاص مغلقة. فكثيرا ما كان زوار الحديقة يعبرون عن استيائهم من تدهور الحديقة وإبقائها لسنوات طويلة على هذا النحو، والعديد منهم كانوا يتساءلون عن أسباب تهميشها حتى صارت حديقة أشبه ب"بعالم موحش" لا يلجه إلا من غابت عنه فضاءات أخرى، وحالت إمكانياته دون بلوغها. من جهة أخرى، أوضح أحمد بريجة، نائب عمدة مدينة الدارالبيضاء ل"المغربية"، أن "الواقع المتردي لحديقة عين السبع، سينتهي قريبا بعد أن تتحقق "نهضة حقيقية" للحديقة عبر مشروع تهيئتها، خاصة أن هذا الموضوع شكل أبرز النقاط التي تناولتها الدورة الأخيرة لمجلس مدينة الدارالبيضاء، قصد رصد واقعها ثم الاتفاق على إعادة هيكلتها بالصيغة التي ترفع من جودتها على جميع المستويات، في إطار ما سُمي ب"مشروع اتفاقية بيئية وإيكولوجية". وصرح بريجية، أن حديقة الحيوانات تمتد مساحاتها على 10 هكتارات، 2.5 هكتار منها مخصصة للحيوانات، و2.5 هكتار مخصص لفضاء الألعاب، و5 هكتارات ستكون مشجرة كفضاء أخضر وسط حديقة الحيوانات". وأضاف أن مجلس المدينة سيساهم ب 5 ملايين درهم، على أساس البحث عن مداخيل إضافية من خلال إيجاد شركاء آخرين لإعادة تهيئة الحديقة بشكل شامل"، موضحا أن "إعادة تهيئة الحديقة وهيكلتها بالشكل الذي يرقى بها، سيحتاج إلى تضافر جهود المتدخلين، لخلق حديقة مؤهلة ستشكل نموذجا لغابة ترفيهية، ومكونا مهما للاستجمام، إلى جانب جعلها حديقة حيوانات بمعايير متعارف عليها في هذا الجانب". وفي إطار المساعي الرامية إلى تحسين فضاء حديقة عين السبع، بعد إعادة هيكلتها وصيانتها، تماشيا مع المواصفات المطلوبة لهذا النوع من الفضاءات، فبعض المسؤولين بمجلس المدينة أكدوا أن مدينة الدارالبيضاء ستشهد عن قريب تنمية اجتماعية وسياحية مهمة، لهذا كان من الضروري إدراج حديقة عين السبع، ضمن البرامج المسطرة في هذا الجانب. كما أكد المسؤولون أن الحديقة ستتخلص من كل المشاكل التي تتخبط فيها الآن وستكون في المستوى الذي يرضي زوارها من حيث المرافق والفضاءات والحيوانات والطيور التي ستحتضنها. من جهة أخرى، فالحديقة تأوي عددا من الأسر داخل فضاءاتها، وهو شق آخر تدارسه مجلس المدينة، للبحث عن حلول منصفة وتعويض هؤلاء السكان مقابل ترك الحديقة، والشروع بعد الحصول على تمويلات لهيكلتها وإصلاحها. والراغب في الاطلاع على أوضاع الحديقة قبل إنشاء التغييرات والتحديثات التي أكد مجلس المدينة تحقيقها قريبا، يمكن له زيارة الحديقة الموجودة على الطريق الرابطة بين الرباط القديمة والطريق الوطنية رقم 1 وشارع ميموزة، على الأقل للاحتفاظ بماض "مؤلم" لفضاء مؤهل أن يكون بمعايير وخدمات جيدة.