من أجل التعرف على جودة مياه الشرب، التي يستهلكها المواطنون في مدينة الدارالبيضاء، نظمت جمعية "دار البيئة"، إحياء لليوم العالمي للماء، قافلة لزيارة ثلاث منشآت للاطلاع عن قرب عن مصدر مياه الشرب في العاصمة الاقتصادية، وطريقة تخزينها وتقنيات مراقبة جودتها، انضم إليها (القافلة) أساتذة وطلبة العلوم، من مستويات الماستر والدكتوراه والإجازة. تبعا لذلك، حطت القافلة في ثلاثة مواقع، وهي محطة تخزين الماء "مديونة 85"، ومختبر مراقبة جودة الماء "لابيلما"، وأخيرا محطة معالجة المياه العادمة للساحل الشرقي للعاصمة الاقتصادية. من ساحة محمد الخامس، أعطيت الانطلاقة ل"قافلة الماء"، حيث تحول الفضاء إلى نقطة التقاء عدد كبير من الشباب والأطفال، من الجنسين ومن مختلف الأعمار، توزعوا على متن ثلاث حافلات، جابت المنشآت المذكورة بالتناوب بين المشاركين في القافلة للتحكم في الطاقة الاستيعابية لكل محطة. والبداية كانت من محطة تخزين المياه "مدينة 85". "مديونة 85" ينبثق اسم محطة تخزين المياه من موقعه الجغرافي والجيولوجي الذي يقع على ارتفاع 58 مترا فوق سطح الأرض في العاصمة الاقتصادية. بدت المنطقة عبارة عن مساحة شاسعة، غير مرئية، تمتد تحت الأرض على مساحة 4 هكتارات، تضم 4 خزانات ضخمة، شبيهة في ترابطها، بأجهزة صعود الفضاء، التي تنقلها البرامج الوثائقية. في هذه الخزانات تجري المياه، قبل "إطلاق سراحها" عبر 4 قنوات ضخمة توصل مياه الشرب إلى قاطني المدينة، مرورا بكيلومترات من الأنابيب ذات أحجام مختلفة، تصل إلى 656 ألف كيلومتر من مختلف الأحجام لتصل إلى البيوت والمقاولات. يعد مقر خزان "مديونة 85" من البنايات التاريخية في العاصمة الاقتصادية، يعود بناؤها إلى سنة 1952، إبان الحماية الفرنسية، وقبل سنوات قليلة، كان يعتبر الخزان، أكبر محطة في إفريقيا، بسعة 115 مليون لتر، قبل إنشاء خزان في جنوب إفريقيا، وبالضبط في مدينة جوهانسبورغ، حيث تصل سعة التخزين إلى 170 ألف لتر. تبين من خلال الشروحات التي قدمها، في ما بعد، عبد الله الرمضاني، مدير مختبر "لابيلما"، أن تسمية التخزين، ليست وفية مائة في المائة للمصطلح، تبعا إلى أن عمر الماء في الخزان، لا يتجاوز 24 ساعة، لتصبح محطة التخزين، عملية عبور للماء بين عملية الاستقبال والتوزيع. وتعد محطة التخزين هذه، نقطة لاستقبال المياه القادمة من الشركة المنتجة للماء الشروب، وهي إما المكتب الوطني للماء الصالح للشرب أو شركة أم الربيع...، إذ أن عمر عملية التخزين، لا يتعدى 24 ساعة، لتطلق في قنوات الربط بالزبون لتغطية حجم استهلاك إجمالي في الدارالبيضاء، يتراوح ما بين 190 و192 مليون مكعب من الماء في السنة، موجهة إلى 970 ألف زبون، بين الدارالبيضاء والمحمدية، ما يجعل اصطلاح "التخزين" غير وفي للمعنى الراسخ في الأذهان، حسب الشروحات التي قدمت للمشاركين في القافلة. بعد التساؤل حول مصدر المياه المخزنة "في مدينة 85"، تبين أنها قادمة من واد أبي رقراق، الذي يزود العاصمة الاقتصادية ب60 مليون متر مكعب من الماء سنويا، ومن واد أم الربيع، الذي يزود المدينة ب15 مليون متر مكعب من الماء في السنة، ومن سد "الدورات" بحوالي 65 مليون متر مكعب من الماء. وتصل هذه المياه بعد مرورها بعملية ضخ على مستوى السد في اتجاه محطة المعالجة لدى الشركة المنتجة للماء، حيث تعالج لإزالة جميع المواد المضرة بالصحة البشرية، مرورا بالتحاليل على مراقبة الجودة، لجعل الماء صالحا للشرب، قبل ضخه من قبل الشركة الموزعة للماء في العاصمة الاقتصادية. أما عند ولوج الجزء المرئي من موقع الخزان، فبدا عبارة عن حوض مائي من عمق وحجم كبيرين، تسبح فيه المياه وسط دعامات مبينة، تحمل صباغة غذائية، حسب ما أكده حميد السنوسي، رئيس قسم صيانة الخزانات، لدى استفسار "المغربية" عن نوعية تلك الصباغة ومدى تأثيرها على جودة الماء، إذ أوضح أنها صحية لا تشكل أي ضرر على الصحة ولا على جودة الماء. ولفت انتباه الزوار هذا المسبح المائي، لدرجة تكرار أسئلتهم حول قدرة الماء على الاحتفاظ بجودته، في ظل فضاء غير مغطى، وبدعامات تحتاج إلى صباغة وتنظيف دوري، فكان جواب السنوسي، "أن المياه الموجودة في الفضاء غير المغطى، ليست من نوعية المياه التي توزع على شبكة الربط". إلى جانب صهاريج الضخ والتخزين، التي تؤثثها محطة التخزين "مديونة 85"، توجد داخل بناية خاصة بمصلحة تطهير الماء بمادة "الكلور"، أو ما يعرف بماء جافيل. تجري هذه العملية عبر استعمال أجهزة ومعدات تقنية، تشتغل وفق نظام إلكتروني لمراقبة واحتساب الكميات الممررة إلى المياه، انطلاقا من أنابيب ضخمة الحجم، مرتبطة بأجهزة إلكترونية وأسلاك كهربائية متنوعة. وكشفت زيارة الموقع، أن عملية التطهير بالكلور، لا تجري بشكل يدوي، وإنما تنفذ وفق برمجة معلوماتية، تبين تفاصيلها لوحة معلومات، تعلن عن مقادير ومؤشرات رقمية، لا تسمح بتجاوز النسب المحددة سلفا، حسب الشروحات التي قدمها مسؤول مصلحة الكلور، خلال رده على تساؤلات أعضاء القافلة. ووفقا لذلك، يجري استعمال 400 طن من مادة "الكلور" في السنة، مع احترام المعايير المعمول والموصى بها في المجال، حسب تأكيدات مسؤول المصلحة. وكشفت زيارة هذه المصلحة، أن شركة التدبير المفوض للماء والتطهير في الدارالبيضاء "ليديك"، لا تجري أي معالجة لمياه الشرب، بل تكتفي بإضافة ماء جافيل لتطهيرها، قبل توزيعها عبر الشبكة لتصل إلى المستهلكين. وبررت هذه العملية بأن المياه المشتراة من المنتج، هي صالحة للشرب من قبل المكتب الوطني للصالح للشرب، وخضعت لجميع خطوات المعالجة، ناهيك عن أن الشركات المنتجة للماء الشروب تخضع لعملية مراقبة من قبل وزارة الصحة، حسب المعلومات المقدمة، خلال الزيارة. مختبر "لابيلما" في المحطة الثانية من هذه الزيارة، وقفت القافلة في مقر مختبر "لابيلما"، حيث تجري عملية مراقبة جودة المياه، المخزنة والمطهرة بالكلور، وهو من أكثر المواقع التي حرص المشاركون في القافلة، على زيارتها لمعاينة الطريقة المستعملة في مراقبة جودة مياه الشرب المستهلكة في العاصمة الاقتصادية. تقع منشأة المختبر على مقربة من شارع محمد الديوري في العاصمة الاقتصادية، افتتح، السنة الماضية، بمناسبة اليوم العالمي للماء، أوكلت إليه مهمة مراقبة جودة المياه، عند الدخول إلى الخزان وخروجه منه إلى عدادات منازل المستهلكين في الدارالبيضاء، على مدار الساعة وخلال أيام الأسبوع. في هذا المختبر، تجري عملية المراقبة لعينات من مياه الشرب، يوميا، في 168 نقطة مخصصة لأخذ عينات موزعة على مجموع ولاية الدارالبيضاء الكبرى، للتأكد من احتفاظه بخاصية الماء الشروب في جميع نقط الشبكة، وبأنه يمكن استهلاكه بكل اطمئنان وبدون أي معالجة إضافية. بدت بناية مختبر "لابيلما"، حديثة، متعددة الطوابق، شبيهة بمعمل للاختبارات، تتضمن أقساما مخبرية، تؤثثها قارورات الاختبارات العلنية من مختلف الأحجام، إلى جانب أجهزة ميكروسكوب، وثلاجات، وخراطيم ومعدات اختبار، منها أحادية الاستعمال، وأخرى تخضع للتعقيم في قسم خاص بمعدات تعقيم، شبيه بالمستعملة في المجال الطبي، قبل معاودة التجارب لمراقبة جودة مياه الشرب الموزعة في مدينة الدارالبيضاء. أنجز المختبر حوالي 74 ألف تحليل بكتيريولوجي وفيزيوكيميائي، سنة 2012، بينما تنص المعايير المغربية على إجراء حوالي 35 ألف تحليلة، فقط في السنة، تطبق خلالها المعايير المغربية، وضمنها معياران جديدان يتعلقان بحدود جودة الماء وأنواع التحليلات، حسب ما تحدث عنه عبد الله الرمضاني، رئيس قسم مراقبة جودة الماء في مختبر "لابيلما"، خلال الشروحات التي قدمها لطلبة العلوم وباقي أعضاء "قافلة الماء". ووجهت إلى المسؤول المذكور سلسلة ورزمة من الأسئلة، جميعها تصب في تساؤل محوري حول نجاعة الاختبارات وحول جودة مياه الشرب المستهلكة في البيضاء الكبرى، على خلفية الحديث عن تغير لون وطعم مياه الشرب في عدد من مناطق الجهة. حينها، قدم الرمضاني خطابا مطمئنا حول جودة المياه، وتأكيدا حول صلاحية استهلاكه دون أي مخاوف. وكان يعبر عن ذلك بهدوء تام وبلغة مختارة، ويقدم لأجل ذلك معطيات علمية كان يتجاوب معها طلبة العلوم. وتبعا إلى ذلك قال "إن المياه الموزعة في العاصمة الاقتصادية، مياه شرب صحية، تتصف بالجودة وتحترم المعايير الموصى بها من قبل المنظمة العالمية للصحة وللمعايير الصحية المعمول بها في المغرب". وأطلع الرمضاني الزوار على أن شركة توزيع الماء في البيضاء "تتولى مهمة تأمين المحافظة على جودة الماء في سلسلة التوزيع، انطلاقا من الدخول إلى الخزانات وإلى غاية عدادات الزبناء، بينما عملية المعالجة من تنقية وتنظيف وتطهير وتعقيم، تجرى لدى المنتجين للماء". قبل مرور المشاركين في "قافلة الماء" إلى معاينة أطوار تجربة فعلية لمراقبة عينات من الماء، شاركوا تقنيي ومهندسي "لابيلما" في عملية تذوق طعم ورائحة مياه الشرب، وهي عملية تجري داخل قاعة خاصة، تضم مكاتب فردية لكل تقني، يفصل بينهم حاجب خشبي، لضمان عدم تأثير كل واحد منهم على النتيجة المحصل عليها من قبل زميله المجاور. أمام كل تقني يوجد كوب، يضم عينة من ماء الصنبور الموزع، وآخر يضم عينة من مياه مرجعية. تجري العملية وفق رشف عينة من الماء، ثم مضمضته جيدا داخل الفم، ثم تسجيل المعلومات، ليأخذ بعين الاعتبار العينات المتفق على قبول خصائص مذاقها. بعد هذه المرحلة، انتقل أعضاء القافلة إلى قاعة متخصصة في فحص عينات بالماء بتحليلها ميكروبولوجيا. بعد اختتام معاينة تجربة تذوق الماء، تقاطرت الأسئلة حول أسباب تحسس المواطنين لطعم مزعج عند شرب ماء الصنبور، بسبب الشعور بطعم "الغمولة"، أو بملاحظة تغير لون الماء في بعض الأحيان. إذ استفسر السائلون حول ما إذا كان للأمر صلة بتقادم أنابيب شبكة توزيع الماء في الدارالبيضاء. في هذه الأثناء، تدخل الرمضاني للإجابة قائلا" سنويا هناك تجديد لكيلومترات من قنوات شبكة توزيع الماء في الدارالبيضاء، وفق جدول زمني محدد سلفا، يراعي مجموعة من المعطيات"، واستدرك أن شركة توزيع الماء، ليست مسؤولة عن الشبكة الداخلية للزبون، إذ يمكنه مراقبة شبكته الداخلية وتجديدها". وعلل الرمضاني اختلاف ذوق المياه الموزعة في الدارالبيضاء، ب"اختلاف طبيعة منبع الماء الموزع أو بسبب مادة الكلور المضافة للتطهير، مؤكدين غياب أي تأثير سلبي لها على صحة وجودة الماء وصلاحيته للشرب"، إذ أوضح الرمضاني أن تغير مذاق مياه الشرب "تأتي تبعا لمصدر المياه، وتبعا لطبيعة المسار الطبيعي الذي مر منه قبل وصوله إلى محطة المعالجة التابعة إلى المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، حيث يتغذى الماء من العناصر الأساسية ومن الأملاح المعدنية، كما يتأثر بخصائص الصخور والأتربة التي يواجهها". وتبعا لذلك، قدم الرمضاني شروحات حول منابع الماء الموزع في جهة الدارالبيضاء الكبرى، التي تأتي من موردين رئيسيين، هما سد الدورات وسد سيدي معاشو الموجودين على نهر أم الربيع، وسد سيدي محمد بن عبد الله الموجودان على نهر أبي رقراق، حيث يختلف ذوق الماء حسب الطبيعة الجيولوجية لكل موقع ولمكونات المسار الذي يعبره الماء. وتبين من خلال الزيارة وجود حلول علمية فيزيائية للتحكم في الذوق غير المرغوب فيه في الماء، على مستوى محطات الإنتاج، إلا أن ذلك سيرفع من كلفة الماء، وبالتالي سيرفع من ثمن استهلاكه النهائي من قبل المواطن. وأبرزت الشروحات أن درجة تغير ذوق الماء انتقل من الدرجة الثانية إلى الدرجة الثالثة. وحسب المعلومات المتوفرة فإن المكتب الوطني للماء الصالح للشرب يشتغل على توفير تقنيات جديدة للتحكم في الذوق وجعله أكثر قبولا واستساغة لدى المستهلك النهائي. وكشفت الزيارة، أيضا، عن أن شركة التدبير المفوض في الدارالبيضاء، لا تتولى معالجة المياه، وإنما تتولى عملية مراقبة جودتها، وضمان معالجتها بإضافة مادة الكلور، فقط، لضمان الجودة البكتيريولوجية للماء، خلال نقله في القنوات إلى غاية صنبور المستهلك، تبعا لمسؤولية "ليديك"، التي تتولى عملية توزيع الماء المشترى صالحا للشرب من الشركة المنتجة والمعالجة للماء، سواء كانت المكتب الوطني للماء الصالح للشرب أو شركة مياه أم الربيع. وأثار الزوار، أيضا، قضية تغير لون الماء، إلى اللون الأحمر الترابي، إذ ربطه الرمضاني، أنه قد يكون ناتجا عن مرور فترة طويلة من عدم استعمال الصنبور، بسبب غيبة طويلة عن البيت أو المقاومة، لذلك فإنه يوصى بعدم شرب الماء الراكد في أنابيب الشبكة الداخلية للبيت أو المقاولة، لذلك يجب ترك الماء يسيل في سطل، قصد تنظيف البيت أو سقي النباتات قبل شرب الماء من جديد. وعند فشل التجربة يجب إخبار الشركة الموزعة للماء على وجه السرعة لتبيان الأسباب.