ذكرت وزارة العدل والحريات أن نسبة الاعتقال الاحتياطي بلغت 43 في المئة في نهاية سنة 2012٬ مقابل 42.37 في المئة سنة 2011٬ مما يجعل المغرب ضمن خانة المستوى المرتفع على الصعيد العالمي الذي تتراوح فيه نسبة المعتقلين الاحتياطيين بين 40 و60 في المائة. وعزت الوزارة٬ في وثيقة مرجعية حول تدبير الاعتقال الاحتياطي تحت عنوان "إشكالية الاعتقال الاحتياطي الواقع وآفاق الحل" ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي في بعض المحاكم إلى نوعية القضايا المعروضة عليها٬ مشيرة على سبيل المثال إلى المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء حيث احتكرت جرائم المخدرات والسرقات والشيكات خلال الفترة الممتدة من فاتح يناير إلى 13 دجنبر 2012 نسبة 86.36 في المائة من مجموع المعتقلين الاحتياطيين اعتبارا لكون هذا النوع من الجرائم يصعب متابعة مرتكبيها في حالة سراح نظرا لخطورتها. وأضافت الوثيقة التي توصلت وكالة المغرب العربي للأنباء بنسخة منها٬ أن المصطلحات الفضفاضة التي استعملها المشرع في حصره لمداخل الاعتقال الاحتياطي تؤدي إلى تضخيم نسبته وأن التحقيق في الجنح يؤدي إلى إطالة مدة الاعتقال الاحتياطي قبل المحاكمة٬ مشيرة إلى أن الأخذ بإلزامية التحقيق في بعض الجنايات واعتماده اختياريا في باقي الجنايات رغم وجود غرفتين للبت فيها واحدة ابتدائية وأخرى استئنافية يطيل أمد البت في هذه القضايا. كما أن الإحالة المباشرة من طرف الوكيل العام للملك على غرفة الجنايات قيدتها المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية بضرورة وضع المتهم رهن الاعتقال٬ تضيف الوثيقة التي تطرقت أيضا لضعف النجاعة القضائية المتجسد في البطء في تصريف ملفات المعتقلين وتأخر البت فيها. وعزت الوزارة ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي بشكل كبير كذلك لعدم تطوير خيارات السياسة الجنائية نحو بدائل الدعوى العمومية وبدائل الاعتقال الاحتياطي وبدائل العقوبات السالبة للحرية٬ مشيرة إلى أن عدم ترشيد وعقلنة الطعون المقدمة من طرف النيابة العامة يؤدي إلى إطالة مسطرة المحاكمة. أما الأسباب القانونية الموضوعية فتتعلق بعدم ملاءمة مجموعة من نصوص القانون الجنائي لمفهوم السياسية الجنائية الحالية كجرائم السرقة الموصوفة وجرائم عدم توفير مؤونة الشيك والتي تشكل نسبة هامة من حالات الاعتقال الاحتياطي٬ وكذا ببعض الجرائم ذات العقوبات الحبسية المحدودة أو القصيرة المدة والتي لم تعد تحقق الهدف المتوخى منها. من جهة أخرى٬ اعتبرت الوزارة أن الأسباب الاجتماعية تساهم في ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي بشكل مهم٬ لأن "المجتمع المغربي يرى أن لا عدالة بدون اعتقال فوري"٬ مما يشكل ضغطا معنويا على النيابة العامة وقضاة التحقيق في اللجوء إلى الاعتقال. كما أن ضعف التخليق داخل منظومة العدالة يدفع قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق إلى استخدام الاعتقال الاحتياطي كوسيلة لإبعاد الشبهات عنهم٬ حسب الوثيقة. ولمعالجة هذه الظاهرة٬ أصدرت وزارة العدل والحريات حوالي 11 منشورا إلا أنها لم تحقق الغاية المنشودة٬ مما يستدعي إعادة قراءة الأسباب التي تساهم بشكل مباشر في ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي لوضع جملة من الأفكار والتصورات التي من شأنها إيجاد حلول ناجعة لمعالجة الظاهرة. وأكدت الوثيقة في هذا الشأن على ضرورة حصر الحالات التي يمكن اللجوء فيها إلى الاعتقال الاحتياطي من خلال ضبط مداخله القانونية وتدقيق مصطلحاتها٬ وحذف التحقيق في الجنح لما يتسبب فيه من إطالة فترة الاعتقال الاحتياطي دون جدوى. كما دعت لمراجعة الموقف من إلزامية التحقيق في بعض الجنايات مادامت المحاكمة أضحت تمر عبر غرفتين ابتدائية وأخرى استئنافية٬ ومعالجة أو حذف المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية حتى لا يبقى الوكيل العام للملك مقيدا بضرورة وضع المتهم رهن الاعتقال عند إحالته على غرفة الجنايات. وأكدت الوزارة أيضا على ضرورة تحديد آجال للبت في قضايا المعتقلين بالنسبة للمحكمة لتفادي البطء في تصريف ملفاتهم وتأخر البت فيها٬ وإخضاع قرارات الاعتقال الاحتياطي التي تصدرها النيابة العامة للطعن أمام هيئة قضائية (غرفة الحريات)٬ وتطوير خيارات السياسة الجنائية نحو بدائل الاعتقال وبدائل العقوبات السالبة للحرية وبدائل الدعوى العمومية. وشددت على ترشيد وعقلنة الطعون المقدمة من طرف النيابة العامة في قضايا المعتقلين الاحتياطيين٬ ومراجعة مجموعة من نصوص القانون الجنائي لتساير مفهوم السياسية الجنائية الحالية خاصة في ما يتعلق بجرائم السرقة الموصوفة وجرائم عدم توفير مؤونة الشيك وغيرها. ومن بين الحلول التي تساهم في الحد من الاعتقال الاحتياطي٬ أشارت الوثيقة إلى مراجعة العقوبات الحبسية المحدودة أو القصيرة المدة٬ ونشر الوعي القانوني لدى المواطنين لتغيير نظرتهم للاعتقال الاحتياطي تخفيفا للضغط على القضاء بسبب عدم الاعتقال٬ وتخليق منظومة العدالة بشكل يزرع الاطمئنان لدى قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق في قراراتهم التي يتخذونها دون اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي. واعتبرت الوزارة أن معالجة هذه الإشكالية تقع أيضا على عاتق المجتمع المدني٬ داعية الجمعيات التي تهتم بهذا المجال للمساهمة في ورش الحوار الوطني المفتوح من أجل الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة الذي جعل موضوع ترشيد الاعتقال الاحتياطي من بين أهم مواضيعه. وذكرت في هذا الشأن أن ندوة تحديث السياسة الجنائية بفاس التي انعقدت يومي 9 و10 نونبر 2012 ونظيرتها بمراكش يومي 23و24 نونبر 2012 وضعت على طاولة الحوار إشكالية ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي والسبل القانونية الكفيلة بالتقليص منها٬ مضيفة أن الموضوع سيظل مفتوحا للمزيد من النقاش وبلورة الحلول في أفق سياسة جنائية راشدة. ويقصد بالاعتقال الاحتياطي في معناه الواسع فترة الاعتقال التي يقضيها المتهم على ذمة التحقيق بسبب جناية أو جنحة منسوبة إليه أو خلال فترة محاكمته قبل صدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي به٬ ويتم ذلك بقرار للنيابة العامة (وكيل الملك أو الوكيل العام للملك) في حالة الإحالة المباشرة على المحكمة٬ أو من طرف قاضي التحقيق. ولم يحدد القانون أجلا للاعتقال الاحتياطي٬ الذي يعد تدبيرا استثنائيا لا يتم اللجوء إليه إلا بصفة استثنائية وبشروط خاصة٬ خلال مرحلة المحاكمة على خلاف فترة التحقيق التي حددت فيها مدة الاعتقال الاحتياطي في ثلاثة أشهر كحد أقصى في الجنح وسنة كحد أقصى في الجنايات.