نظم المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بوجدة، بشراكة مع نقابة هيئة المحامين، يوم السبت المنصرم، بمركز البحوث والدراسات الإنسانية بالمدينة، يوما دراسيا حول موضوع "تأهيل العدالة بالمغرب: رهانات وتحديات"، بحضور مسؤولين قضائيين وقضاة ومحامين وباحثين وفعاليات تنتمي إلى منظومة العدالة وللجامعة وللمجتمع المدني. افتتحت أشغال اليوم الدراسي بكلمة للدكتور مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي بوجدة، الذي اعتبر في مداخلته على أن القاضي مؤهل أكثر من غيره للحديث عن سبل وآفاق تأهيل العدالة بالمغرب، لأنه يبقى من أهل الاختصاص، مؤكدا أن استقلال القضاء ونزاهته يبقى مقياسا لتقدم الشعوب والأمم. وأكد الأستاذ بنعيسى المكاوي، نقيب هيئة المحامين بوجدة، أن القاضي لكي يلعب دوره كاملا يجب أن يكون مستقلا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ لا يمكنه أن يحقق العدالة إلا بتحقيق مجموعة من الشروط من أهمها إصلاح وتأهيل جهاز كتابة الضبط وباقي الفاعلين في منظومة العدالة، مستحضرا دور جمعيات المحامين في الدفاع عن استقلال القضاء، ومؤكدا ضرورة تغليب معيار الجودة عن الكم . وفي كلمته، أطلع ياسين مخلي، رئيس نادي قضاة المغرب، القضاة على مجريات الحوار بين النادي والوزارة والتطور الذي تشهده الساحة القضائية، حيث صرح أن "جلوسنا للحوار مع وزارة العدل جاء مشروطا بجدية هذا الحوار.. وفي حالة عدم تحديد سقف زمني واضح ودقيق ومعقول لتحسين الأوضاع المادية للقضاة، باعتباره أولوية لا تقبل أي مماطلة أو تسويف.. سيعود القضاة لخوض أشكال احتجاجية غير مسبوقة". وأضاف "مؤسف جدا أن يطالب القضاة بتحسين أوضاعهم المادية في زمن الحوار حول إصلاح منظومة العدالة... مؤكدا أنه "لا إصلاح حقيقي دون النهوض بالأوضاع المادية للقضاة في أقرب الآجال". من جهة أخرى، تطرق مخلي في مداخلته إلى مفهوم استقلال السلطة القضائية، باعتباره من المبادئ الدستورية الراسخة، وهو الأساس الذي يدعم ثقة المواطنين في جهاز عدالتهم، بضمان مساواة الجميع أمام القانون، معترفا أن تنزيل هذا المبدأ قد يضر بمصالح جهات عديدة من الهيئات ومجموعات الضغط، وهو ما يحتم على القضاة التكتل للحماية والدفاع عن استقلالهم. وأشار مخلي في مداخلته إلى أن "ضمان استقلال القضاة في علاقاتهم بالإدارة القضائية لا يمكن تصوره إلا بإقرار قانون للجمعيات العامة للمحاكم يتسم بالشفافية والديمقراطية، ويهدف إلى الرفع من النجاعة القضائية لضمان حق المتقاضين في الحصول على حقوقهم داخل آجال معقولة، وباعتماد الوسائل الحديثة للتقييم القضائي التي تروم تسهيل الولوج إلى المعلومة القضائية، واحترام الحقوق والمبادئ الدستورية للمتقاضين". وأضاف أن "استقلال القضاة لا يقف عند الإدارة القضائية، بل يقتضي بالضرورة احترام هذا المبدأ في علاقة القضاة بزملائهم القضاة أيضا...". وخلص رئيس نادي قضاة المغرب إلى أن استقلال السلطة القضائية والقضاة بالمغرب مازال بعيدا كل البعد عن المبادئ والمعايير الدولية ما يفرض المزيد من اليقظة من طرف كل الفعاليات المعنية بإصلاح منظومة العدالة وعلى رأسها الجمعيات المهنية للقضاة، سيما خلال المرحلة الراهنة التي تعرف الاستعداد لتنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية في شكل قوانين تنظيمية. الندوة عرفت تقديم عدة مداخلات من بينها مداخلة الأستاذ الحسين الزياني، عضو مكتب هيئة المحامين بوجدة حول موضوع "تصور في منطلقات إصلاح منظومة العدالة بالمغرب"، إذ أوضح من خلالها أن إصلاح منظومة العدالة يبقى قرارا سياسيا بامتياز متسائلا "هل يقبل السياسيون في المغرب بوجود سلطة قضائية حقيقية تتجاوز كل السلط؟". وأكد على المداخل الأساسية للإصلاح التي تتمثل بالأساس في توافر الإرادة السياسية، والمدخلين الدستوري والتشريعي، معترفا بأن القوانين الحالية المرتبطة بالعدالة أضعفت من استقلالية القضاء وأسهمت في تقوية الوصاية شبه المطلقة لوزارة العدل على الوظائف القضائية. أما الأستاذ كمال فاتح، المستشار بمحكمة الاستئناف بتازة، فتناول في مداخلته موضوع "دور القاضي في إنجاح الإصلاح"، إذ قارن بين دور القضاء الجالس والقضاء الواقف موضحا أن مصطلح "إصلاح" يخيف خاصة باستحضار التجارب السابقة التي أكدت أن تاريخ الإصلاح كان ينتهي دائما بالفشل، ف "الخوف من فشل الإصلاح وليس من الإصلاح". وتواصلت أشغال الندوة بمداخلة خالد شيات، الأستاذ المساعد بكلية الحقوق بجامعة محمد الأول بوجدة، الذي تناول موضوع "استقلال القضاء بين التجارب الدولية والخصوصية المحلية"، قبل أن يتطرق الدكتور يحيى الحلوي، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بوجدة، لموضوع "استقلال القضاء وعلاقته بالرقابة اللاحقة على دستورية القوانين".