كشف ياسين مخلي، رئيس نادي قضاة المغرب، أنّ استقلال السلطة القضائية في المغرب ما زال بعيدا عن المبادئ والمعايير الدولية، ما يفرض المزيد من اليقظة على كل الفعاليات المعنية بإصلاح منظومة العدالة، وعلى رأسها الجمعيات المهنية للقضاة، لاسيما في المرحلة، الراهنة التي تعرف الاستعداد لتنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية في شكل قوانين تنظيمية. وقال رئيس نادي قضاة المغرب، في ندوة المكتب الجهويّ لنادي قضاة المغرب في وجدة، يوم السبت الماضي، إنّ جلوس القضاة للحوار مع وزارة العدل جاء مشروطا بجدية هذا الحوار، وفي حالة عدم تحديد سقف زمنيّ واضح ودقيق ومعقول لتحسين الأوضاع المادية للقضاة باعتباره أولوية لا تقبل أي مماطلة، وأضاف أنه «من المؤسف أن يطالب القضاة بتحسين أوضاعهم المادية في زمن الحوار حول إصلاح منظومة العدالة»، مؤكدا أنه لا إصلاح حقيقيا دون النهوض بالأوضاع المادية للقضاة. واعتبر مخلي أن النادي كان مُحقّا في انسحابه من الحوار الوطنيّ لإصلاح منظومة العدالة، خاصة بعد الملاحظات التي كان سباقا لتقديمها، مؤكدا أنه تبقى للانسحاب دوافعُ موضوعية ترتبطبالأساس بمنهجية الحوار وآليات إدارته، لاسيما تلك المرتبطة بتشكيل الهيأة العليا للحوار، التي غيّبت فاعلين رئيسيين، على رأسهم الأعضاء المنتخبون للمجلس الأعلى للقضاء، وهو ما يُعدّ إقصاء لممثلي القضاة، إلى جانب نادي قضاة المغرب، بوصفه الجمعية المهنية الأكثرَ تمثيلية للقضاة. وكشف مخلي أن أجهزة نادي قضاة المغرب، الجهوية والوطنية، رصدت العديد من حالات محاولات التأثير والضغط التي تجسّد مسّا باستقلال القضاة من خلال استمرار الخرق السافر للقواعد المنظمة لعقد الجمعيات العامة للقضاة في المحاكم، كالحالات المتعلقة بالمحاكم الابتدائية لسيدي قاسم، زاكورة وأكادير ومحكمة الاستئناف في خريبكة.. فضلا على محاولات التدخل غير القانونيّ لمديرية الشؤون الجنائية والعفو في اختصاصات قضاة التحقيق، كالحالة المتعلقة بقاضي التحقيق السابق في المحكمة الابتدائية لإمنتانوت، إلى جانب استماع المفتشية العامة التابعة لوزارة العدل والحريات إلى نائب وكيل الملك في المحكمة الابتدائية في طاطا بمناسبة ممارسته اختصاصاته وفق الشكل والشروط المحددة قانونا، ومحاولات التأثير التي قام بها بعض المسؤولين القضائيين، من قبيل الكتاب الصادر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بني ملال الموجَّه للقضاة المكلفين بالزواج في المحكمة الابتدائية لأزيلال، والذي يطلب منهم التقيد بتعليماته المُحدِّدة للسن الأدنى للإذن بزواج القاصرات، وكذا محاولة التأثير على مسار مسطرة التحقيق في القضية المتعلقة بأحد المحامين في المحكمة الابتدائية لخنيفرة. من جهته، قال مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي في وجدة، إنّ القاضي مؤهل أكثر من غيره للحديث عن سبل وآفاق تأهيل العدالة في المغرب، لأنه يبقى من أهل الاختصاص، مؤكدا أن استقلال القضاء ونزاهته يبقيان مقياسا لتقدم الشعوب والأمم. وأكد بنعيسى المكاوي، نقيب هيأة المحامين في وجدة، أن «القاضي لكي يلعب دوره كاملا يجب أن يكون مستقلا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ لا يمكنه أن يُحقّق العدالة إلا بتحقيق مجموعة من الشروط، من أهمّها اصلاح وتأهيل جهاز كتابة الضبط وباقي الفاعلين في منظومة العدالة»، مستحضرا دور جمعيات المحامين في الدفاع عن استقلال القضاء ومؤكدا ضرورة «تغليب معيار الجودة على الكمّ». وعرفت الندوة تقديم عدة مداخلات، من بينها مداخلة الحسين الزياني، عضو مكتب هيئة المحامين في وجدة حول موضوع «تصور في منطلقات إصلاح منظومة العدالة في المغرب»، حيث أوضح من خلالها أن «إصلاح منظومة العدالة يبقى قرارا سياسيا بامتياز»، متسائلا: «هل يقبل السياسيون في المغرب وجود سلطة قضائية حقيقية تتجاوز كل السلط؟»، مشدّدا على المداخل الأساسية للإصلاح، التي تتمثل بالأساس في توافر الارادة السياسية والمدخلين الدستوري والتشريعي، معترفا بأنّ «القوانين الحالية المرتبطة بالعدالة أضعفت استقلالية القضاء وأسهمت في تقوية الوصاية شبه المطلقة لوزارة العدل على الوظائف القضائية». أما القاضي كمال فاتح، المستشار في محكمة الاستئناف في تازة، فقد تناول في مداخلته موضوع «دور القاضي في إنجاح الإصلاح»، حيث قارن بين دور القضاء الجالس والقضاء الواقف، معترفا بأنّ «مصطلح «إصلاح» يخيف»، خاصة باستحضار التجارب السابقة، التي أكدت أن تاريخ الإصلاح كان ينتهي دائما بالفشل، فالخوف -وفق كلامه- هو من فشل الإصلاح وليس من الإصلاح في حد ذاته.