أسدل الستار على أشغال الندوة العلمية حول موضوع "التكيف مع تغير المناخ: من البحث إلى الممارسة"، بمشاركة نخبة من الباحثين والعلماء والمجتمع المدني. وتنظيم المعهد الوطني للبحث الزراعي بأكادير. اشتملت ندوة "التكيف مع تغير المناخ: من البحث إلى الممارسة"على ثلاثة محاور علمية، همت مواضيع "البحث وتنمية قدرات التكيف مع التغيرات المناخية"، و"مكتسبات ونتائج مشروع ترشيد تدبير مياه السدود الصغيرة لتعزيز قدرات التكيف مع التغيرات المناخية على مستوى التجمعات المحلية"، و"التكيف مع التغيرات المناخية وتطبيقاته: أية استراتيجية؟". وتبادل المشاركون المعلومات واستثمار التجارب وتقاسم الممارسات الناجعة بغية بحث إمكانية إعداد خارطة طريق في مجال التأقلم مع تغير المناخ وفق توازن المنظومات البيئية وحاجيات سكان المناطق النائية والأكثر هشاشة. وتناول المشاركون عروضا ومقاربات علمية تطرقت بالأساس إلى تنويع الفلاحة وتدبير وتثمين الموارد المائية وتحسين تدبير الموارد الطبيعية وتنمية القدرات من أجل تكيف فعلي مع التغيرات المناخية وآثار هذه التغيرات على الجانب الصحي للسكان. وافتتح الباحث عبد الرحمان آيت الحاج الندوة ببسط الرؤية العامة للأبحاث المنجزة موضوع البحث والدراسة ثم المتابعة والتقييم، وآفاق البحث العلمي ودوره في تنمية المناطق المتضررة من تغير المناخ. وأفاد محمد بدراوي، المدير العام للمعهد الوطني للبحث الزراعي، أن المغرب يتأثر منذ أزيد منذ أربعين عاما من ظاهرة تغير المناخ، ويعرف ضغطا متزايدا على الثروة المائية، رغم أنه من بين أقل البلدان المسببة في الاحتباس الحراري. وأشاد بالمناسبة بسداد مبادرة المغفور له الملك الحسن الثاني في سياسة تشييد السدود بربوع المملكة المغربية، منذ ستينيات القرن الماضي، حيث نجني ثمرة هذا الاختيار، إذ أضحى المغرب اليوم البلد الوحيد بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط الذي يتوفر على مساحة مائية مهمة وموارد مائية سطحية جيدة خصوصا في منطقتي الأطلس والريف. وأبرز مظاهر التأقلم مع تغير المناخ بالمغرب خصوصا نموذج جهة سوس ماسة درعة، الأكثر عرضة للتغير المناخ، والأبرز مهارة في التكيف مع الظاهرة، رغم الظروف الطبيعية والمناخية الصعبة. من جهته، ذكر الدكتور إبراهيم الحافيدي، رئيس مجلس جهة سوس ماسة درعة بدور المؤسسات التنموية والبيئية المشتغلة بجهة سوس ماسة درعة من قبيل المرصد الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة ولجنة للبيئة النشيطة ضمن مجلس الجهة والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان (أندوزا). وحث الحافيدي الباحثين على سبر أغوار الإشكالات الخطيرة، التي تداهم الموارد الطبيعية، مشيرا إلى فقدان المغرب، منذ بداية القرن الماضي، ما يوازي ثلثي مساحات الأركان والنخيل، ما يستوجب مقاربة البحث العلمي لظاهرة تقلص المساحات الطبيعية المميزة والفريدة بالمنطقة والوقوف على أجوبة ممكنة التي تروم صد زحف التصحر والحفاظ على توازن المنظومات البيئية. كما طالب الدكتور الحافيدي بإيجاد أدوات لتثمين مستوى الرصد للتأقلم، إذ أن رغم البحث والمعرفة والتكنولوجيا المتوفرة لم تتوقع ما نفاجئ به حاليا بالبرد القارس وبموجة الحر الشديد في شهر ماي، أي في وقت الإنتاج الزراعي كسابقة بالمنطقة مما أثر على التصدير وتراجع إنتاج الفواكة بالمنطقة. وذكر المدير الجديد للمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لسوس ماسة٬ مخطط المغرب الأخضر والدور الذي يلعبه في تأطير الفلاح والتعرف عن كثب على المشاكل التي تعترضه في سياق آثار تغير المناخ٬ إلى جانب مجموع المتدخلين في مختلف سلاسل الإنتاج. وأضافت لطيفة اليعقوبي أن مختلف المجهودات المبذولة للمحافظة في إطار قطب أركان بالوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان (أندوزا ) عبر إدماج البعد البيئي وآثار تغير المناخ في مختلف المقاربات المتناولة في القطاع، وعرضت جوانب من مناهج وبرامج العمل مؤسسة قطب أركان. وأوصى المشاركون بوجوب معالجة تغير المناخ من خلال التخفيف والتكيف كأولوية على المستوى المحلي. وطالب الباحثون، رغم النتائج المهمة التي أسفرت عن الأبحاث والتجارب المشتركة، بوجوب الاستفادة وتبادل النتائج من خلال الدعوة، والنشر عبر وسائل الإعلام ثم تعزيز التنسيق وتعزيز التعاون بين المؤسسات ومجموعات البحث حول زيادة الكفاءة والاستغلال الأمثل للموارد. وكذا وضع استراتيجية وآليات لتعزيز الروابط المدمجة للبحث والسياسة لضمان توجيه برنامج البحوث في صنع القرار وإشراك الأطراف المعنية، سيما المجتمعات الضعيفة في عملية التنمية للتكيف، مع تحديد وتنفيذ آليات التمويل بهدف التكيف على المستوى الإقليمي والمحلي. وألح المشاركون على ضرورة إدماج تغير المناخ والتكيف معه في تخطيط وتنفيذ التنمية الإقليمية، ثم تعزيز بناء القدرات من خلال التدريب وتبادل المعرفة لفائدة الفاعلين المحليين والمنظمات غير الحكومية والسلطات المحلية. إدارة المخاطر وتحليل الهشاشة لفهم إشكالية عيش الأسر في العالم القروي في بيئة محفوفة بالمخاطر استعرض الباحث عبد العالي العماري الدراسة المنجزة والرامية إلى وضع استراتيجيات مستدامة لإدارة المخاطر وتحليل هشاشة الأوضاع ومدى قدرة سكان هذه المناطق على مواجهة الآثار السلبية الناجمة عن تغير المناخ مع تطوير تدابير سياسية لتقوية مختلف الأشكال المفترضة للتكيف مع المخاطر المحتملة. وتحدثت الدراسة عن تأثر المغرب لحد كبير بتغير المناخ منذ أوائل الثمانينات، مما عجل بوضع تدابير للتخفيف من الآثار السلبية على القطاعات الأكثر هشاشة، خاصة المجال الزراعي. وقد كانت هذه التدابير عامة، ولم تأخذ في الاعتبار خصوصيات ومحددات النظم الإيكولوجية للزراعة والبعد الاجتماعي والاقتصادي للسكان المحليين. وبذلك جاءت دراسة علمية استهدفت منطقتي "المزوضية" بإقيلم شيشاوة، و"تبانت" بإقليم أزيلال تروم تعزيز القدرة على تكيف السكان بهما مع تغير المناخ من خلال تحديد الخيارات التقنية والمؤسسية، وسياسات المجتمعات التي اختيرت لهما. وتمثل المنطقتان نُظما إيكولوجية مختلفة من حيث المناخ والجغرافيا والاجتماعية والاقتصادية. كما أنهما منطقتين أكثر هشاشة والفقر أمام تغير المناخ. و كشف تحليل البيانات المناخية على مدى العقود الخمسة الماضية، يضيف الباحث تكيف الواحات مع تغير المناخ. وتناول الباحث إبراهيم جعفري مشروع "تكيف الواحات مع تغير المناخ" من خلال برنامج عمل وزارة الطاقة والمعادن والماء البيئة في إطار خطة وطنية لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. وساهم المشروع في التكيف مع التغيرات المناخية بالواحات عبر التدبير والتقليص من المخاطر، التي يطرحها الاحترار المناخي على الأنظمة الإنتاجية الواحاتية بالمغرب وتشجيع التدبير المندمج للماء من أجل تأقلم أنجع، من خلال إدماج مقاربات خلاقة للتكيف وتعزيز القدرات المحلية حسب مقاربة ترابية. وتناول الباحث جواد برادة، عن جامعة الأخوين بإفران، في إطار دراسة وبحث ميداني عن مختلف القضايا التي تواجه المزارعين من حيث المعرفة والتمويل وتنفيذ التدابير التي تساعد على التأقلم مع تغير المناخ، وكذا تحافظ على حقولهم ومداخيلهم، والاهتداء على الترشيد عبر الري بالتنقيط، باعتباره جزءا مهما من الحل. وتطرق الباحث برادة إلى مختلف التساؤلات حول كيفية تعزيز قضايا مثل تغيير الزراعات المستهلكة أكثر للمياه بزراعات تقتصد المياه، وساق نموذج مزرعة للتفاح سعت إلى تحويل نوعية زراعتها بعد تفاقم آثار تغير المناخ عليها. وأبرز الباحث عبد الرحمن آيت الحاج، عن مركز البحث الزراعي بأكادير، فحوى دراسة حول السدود التلية في المناطق الجبلية بالمغرب وتأثيرها الإيجابي على الموارد المائية في المجال الحيوي والنظام الزراعي والصحة، حيث تمت بلورة فكرة مشروع بحث لتطوير منهجية ترشيد السدود التلية كمساهمة حثيثة لتطوير القدرات لمواجهة عواقب التغيرات المناخية. كما حدد الإكراهات الطبيعية، المتمثلة في انخفاض المياه وتحول منظومة الإنتاج الزراعي وتدهور التنوع البيولوجي والموارد الطبيعية تم تضرر الجانب الصحي ومستوى النظافة. واستعرض الباحث آيت الحاج بعض الخيارات المعتمدة في دراسة مجموعة البحث، والتي تتجلى في وجوب الاقتصاد وكفاءة استخدام المياه وحماية الموارد الطبيعية (المياه والتربة والتنوع البيولوجي) وتحسين دخل الأسر من خلال تثمين المنتوجات. إلى جانب تحسين الوضع الصحي ليخلص إلى اتجاهات التغيرات المناخية المؤكدة من خلال تجارب الناس والمرتبطة بالمياه، والتنوع البيولوجي، والتحول في نظام الإنتاج (الشعير، والماشية، والتخلي عن المدرجات، والغرس) والتغير الاجتماعي والتنظيمي، ناهيك عن الأنهار التلية، التي تعد مقياسا للتأقلم مع التغيرات المناخية المكيفة والرشيدة، مركزا في السياق ذاته على الوعي المحلي كمعطى مهم لتطوير تأقلم مجتمعي حسب النوع. وركز الدكتور هشام أومزيل عن المعهد الوطني للصحة، على الارتباط بين تغير المناخ، خاصة ندرة الماء والحالة الصحية للسكان، فكلما شح المطر انخفضت جودة مياه السدود التلية، ما يؤكد التفاعل الوثيق بين الصحة والبيئة. تحسين وتنويع الإنتاج الزراعي استعرض كل من الباحثين، عبد العزيز ميموني، وزكية بوزبع ، وخالد عازم، ومحمد صدقي، وأحمد وفاية، عن المعهد الوطني للبحث الزراعي بأكادير، نتائج الأبحاث في سياق مشروع السدود التلية في المناطق الجبلية بالمغرب، الذي امتد إلى أربع سنوات وأسفر عن نتائج مهمة، وفق برنامج عمل دقيق بدعم من المركز البحوث من أجل والتنمبة بكندا CRDI، وبشراكة مع جامعة ابن زهر، والمعهد الوطني للصحة، وهيئات المجتمع المدني، وجمعية إقرأ أمسكرود، وجمعية اسغركيس للتنمية بأيت باها، وكذا جمعية أولبن آيت باها. وهمت الدراسة والتجارب المقدمة في الندوة مجال تنويع وتحسين إنتاجية المحاصيل الموجودة وإدخال محاصيل أخرى في المناطق الجبلية بغية تحسين إنتاجية المحاصيل. واعتمدت بذلك منهجية تجمع بين العديد من الطرق والأدوات القائمة على المشاركة ومقاربة النوع. وأظهرت النتائج الرفع من الإنتاجية الزراعية بالملموس، كما تم زيادة مساحة محاصيل الخضر من 30 إلى 60 في المائة مع تنويع المحاصيل، بعد إدخال تقنيات جديدة مثل الري بالتنقيط والدورات الزراعية، المكافحة المندمجة والتسميد العضوي، حيث نمت بذلك مردودية محاصيل الخضر والزيتون وزراعة الزعفران. كل ذلك بمقاربة تشاركية جعلت المرأة فاعلا رئيسيا في تعزيز الإنتاجية والمردودية الفلاحية خلال اختبارات البحث والتطوير، ما أتاح الفرصة لتحسين دخل المزارعين، وإعادة ارتباط سكان القرية بالأرض والحفاظ على النظام الإيكولوجي، وهكذا مكنت الأبحاث المنجزة ضرب عصفورين بحجر واحد، وتطوير القدرات لتأقلم السكان والمحافظة على النظام الإيكولوجي لمواجهة تقلبات تغير المناخ. كما تضمنت الدراسة تثمين الموارد الطبيعية كالأعشاب الطبية لتحسين الدخل ودور التنظيمات المحلية والمهنية للرفع من قدرات التأقلم عبر تحسين الدخل وتنظيم تسويق المنتوجات والولوج إلى وسائل التمويل والإنتاج والمعرفة. وتخلل الندوة عدة لوحات حائطية تناولت مختلف المواضيع المرتبطة بمجال التكيف مع التغير المناخ وعرض الباحثان محمد المودن ونعيمة الحيان مجال رصد وقياس حجم الوحل في السدود التلّية واستخدام أساليب أبسط وأقلّ تكلفة لقياس حجم الوحل ورصد هذه الظاهرة بشكل منتظم، دون توفير ميزانية ضخمة وتعبئة كبيرة للقيام بهذا القياس. ويقترح الباحث المودن ثلاث طرق لتقدير حجم الوحل في سدود تلال سوس: طريقة التثليث، وطريقة شبه المنحرف، وطريقة المنحنى الأصلي بعد التحقق ودراسة مقارنة للنتائج، ليتبيّن أنّ طريقة التثليث هي الأنسب لقياس حجم الوحل في السدود التلّية.