سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المغرب تبنى فلسفة العدالة الانتقالية كشكل من أشكال التدبير السلمي لنزاعات الماضي الصبار في أشغال المؤتمر الأول حول تجارب العدالة الانتقالية في دول الربيع العربى المنعقد بليبيا
أكد الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، محمد الصبار، أمس الاثنين، بطرابلس، أن المغرب تبنى فلسفة العدالة الانتقالية كشكل من أشكال التدبير السلمي لنزعات الماضي منطلقا في ذلك من ضرورات وعي وفهم وتوضيح ما جرى في الماضي في أفق القطع مع كل الممارسات المنافية للقواعد والضوابط والقوانين المعمول بها وطنيا والضرورية في كل مجتمع ديمقراطي. وقال الصبار، في مداخلة له في إطار أشغال "المؤتمر الأول حول تجارب العدالة الانتقالية في دول الربيع العربى"، الذي ينظمه المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان في ليبيا، إن التجربة المغربية شكلت دليلا على حيوية النقاشات والتطورات التي شهدها المغرب منذ نهاية التسعينيات بخصوص فكرة إنشاء هيئة للحقيقة والإنصاف والمصالحة٬ "ليس فقط للمساهمة في معالجة ملفات ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولكن في ارتباط مع قضايا التحول الديمقراطي وإدماج مختلف فئات المجتمع في مسلسل الإصلاح والتحول والتحديث والبناء المؤسسي للدولة الديمقراطية". وتأسيسا على ذلك، يضيف الصبار، تشير العدالة الانتقالية من المنظور المغربي إلى محاولة تطبيق شكل من العدالة ملائم لمرحلة الانتقال التي تشهدها الدولة والمجتمع، مبرزا أن مميزات هذا الشكل من العدالة تتمثل في كونها تضع الضحية في صلب معالجاتها وفي مقدمة اهتماماتها. وأشار إلى أن التجربة المغربية أعطت الأولوية لمبدأ إقرار الحقيقة حول الانتهاكات وحرصت على أن يجري هذا الإقرار بشكل علني من خلال التناظر والمناقشة بصفة جماعية وبصفة مفتوحة داخل المجتمع كما أنبنت على مفهوم شامل لجبر الضرر والحقيقة والمصالحة، فضلا عن كونها تميزت بإضافة مكون آخر برز منذ التسعينات في التجارب العالمية وهو المرتبط بضرورة فتح الحوار حول الإصلاحات الضرورية لضمان احترام حقوق الإنسان في التشريع والمؤسسات وفي الممارسات، وضمان بناء دولة القانون المحترمة للقاعدة القانونية. وفي ما يتعلق بالمصالحة كشكل أرقى للحق في الجبر والإنصاف، أوضح الصبار أنه لم يكن القصد منها في السياق المغربي، الصلح بين الضحية والجلاد بل "المصالحة السياسية والاجتماعية والثقافية كمسار ممتد في الزمن، حيث إنه لم يكن من الممكن فتح قنوات الحوار بغية حل المشاكل وتسوية ملفات الماضي لو لم تسبق ذلك مصالحات اكتست صبغة تراكمية بين الطبقة السياسية المعارضة والسلطة في المغرب". وأكد أن هذا الفعل التراكمي "ساهم في خلق انفراج وانفتاح في الأجواء السياسية الأمر الذي قلص درجة الاحتقان السياسي وساهم في تنقية وتلطيف الأجواء وتعبيد الطريق نحو مسلسل التسوية العادلة والمنصفة لإرث الماضي"، مشيرا، في هذا الصدد إلى منطلقات ومنهجية عمل هيئة الإنصاف والمصالحة التي زاوجت بين التحري الميداني والبحث الوثائقي وشملت على الخصوص تجميع وتحليل المعطيات المحصلة من مختلف المصادر وتلقي أفادت ضحايا سابقين، وكذا موظفين عموميين سابقين وحاليين والقيام بزيارات ميدانية لمراكز الاحتجاز. وفي الجانب المتعلق بجبر الضرر سواء على المستوى الفردي او الجماعي، قال الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان إن التجربة المغربية اعتبرت أن جبر الضرر لاينحصر في التعويض عن الإضرار المادية والمعنوية، بل يتعداه ليشمل جبر باقي الأضرار الفردية المتعلقة بتسوية الأوضاع القانونية والإدارية والتأهيل الصحي والنفسي والإدماج الاجتماعي، وكذا ضرورة جبر الأضرار الجماعية سواء تلك التي لحقت مناطق وقعت بها في الماضي انتهاكات جسيمة أوعرفت بإقامة مراكز للاحتجاز السري. وفي هذا السياق، أبرز الصبار أن المجلس عمل بمعية الحكومة على خلق لجان قطاعية مختلطة انكبت بالدرس والتحليل والمعالجة لمجمل التوصيات المتضمنة في التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة، معددا ما تحقق من إنجازات على هذا الصعيد، خاصة بالنسبة للمستيفدين من التعويض المادي والادماج الاجتماعي والتغطية الصحية. وخلص الصبار إلى أن التجربة المغربية في مجال التسوية السلمية والعادلة والمنصفة لماضي الانتهاكات، اختارت " العدالة التصالحية بدل العدالة الاتهامية والحقيقة التاريخية بدل الحقيقة القضائية لأن مجال هذا النوع من العدالة ليس هو ساحة المحاكم، ولكن الفضاء العمومي الذي يتسع أفقه ليشمل كافة فضاءات الفعل الاجتماعي والثقافي والسياسي". يشار الى ان هذا المؤتمر، يسلط الضوء على تجارب العدالة الانتقالية في بلدان عربية راكمت تجارب في هذا المجال الذي يكتسي راهنية قصوى لليبيا في المرحلة الانتقالية التي تجتازها. ويمثل المغرب في هذا المؤتمر إلى جانب الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الانسان، عبد اللطيف وهبي، المحامي ورئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب. وإلى جانب التجربة المغربية استعرض المؤتمر الخطوات التي قطعتها بلدان ليبيا ومصر وتونس بخصوص إرساء أسس العدالة الانتقالية.