شكل موضوع "إشكالية تدوين التراث الحساني" محور ندوة نظمت مساء أمس الجمعة ضمن فعاليات الدورة الثالثة للمعرض الجهوي للكتاب بالداخلة المقام تحت شعار" تكريس ثقافة القراءة، دعامة أساسية للتنمية المستدامة". ونشط هذه الندوة الناقد التشكيلي ابراهيم الحيسن الذي تطرق إلى آليات تدوين الثقافة الحسانية محللا السؤال الاشكالي الذي تطرحه عملية التدوين وسبل التعامل مع هذا المكون الثقافي لصون الذاكرة الثقافية الحسانية في مختلف تجلياتها. واعتبر الحسن أن صون التراث يعد من المسئوليات الكبيرة الملقاة على عاتق الأفراد والجماعات، بوصفه مستودعا خصبا وخزانا لمعارف وخبرات وإبداعات كثيرة شاهدة على منجزات وعطاءات السلف¡ تجمعت وتراكمت لترسم ذاكرة الناس المشتركة. ويرى أن عملية تدوين الثقافة والتراث الحساني في الصحراء يتعين أن تتم وفق منهج علمي، أساسه مجموعة من العمليات المتعارف عليها لدى الباحثين والأكاديميين ¡والمتعلقة أساسا بطرق النشر¡ وطرق الدعم ¡ وطرق صون والمحافظة على التراث بكل إشكاله الأدبية والفنية والجمالية. وأكد في هذا السياق على ضرورة التعامل مع التراث تعاملا منهجيا يقتضي اتباع الأساليب والقواعد والمناهج العلمية للتعاطي مع مادة التراث المعروضة للدراسة ¡ وكذا في إطار من التعامل التكاملي مع هذا التراث في جوانبه الفكرية والنصية، وأيضا في مصادره التي تعالج نواحيه وأزمنته وعلومه المختلفة. وأكد أن الحاجة أضحت أكثر من ملحة لتحويل التراث الحساني، الذي هو عموما تراث شفاهي يستند اساسا على الممارسات القولية والشفهية ولا يزال أسيرا للتداول الشفهي، ونقله من شكله الشفهي إلى التداول المكتوب ¡المصور والمجسد. واعتبر الناقد التشكيلي الحيسن أن هذه المسئولية مسئولية جماعية وانه لابد من مأسسة هذا العمل وانخراط المؤسسات المعنية بالسؤال الثقافي في هذه المسألة الأساسية. وقال أن هناك محاولات جنينية بدأت تتأسس وبدأ يتشكل نوع من الوعي لدى بعض الباحثين القلائل الذين تجود بهم المناطق الصحراوية لتدوين التراث الحساني بيد أن هذه المحاولات لا تزال ضئيلة جدا ولا بد من دعمها ومؤازرتها حتى تتسع قاعدة البحث العلمي التي تتناول جانبا من التراث الحساني. وأبرز أهمية انخراط المؤسسات الجامعية وتشجيع الجمعيات المهتمة بالشأن الثقافي وانفتاح المنظومة التربوية على التراث الحساني بكل مشاربه والتفكير في تجميع كل الجهود بما يخدم عملية تدوين التراث الحساني. وأكد انه لتفعيل آليات تدوين التراث الشعبي الصحراوي، فانه لا بد من إيجاد تصورات عملية وأساليب إجرائية كفيلة بكتابة وإعادة كتابة مكونات هذا التراث عبر جمع المادة التراثية انطلاقاً من تشجيع الباحثين والمهتمين وتحفيزهم على جمع هذا التراث . وشدد الحيسن في هذا السياق على أهمية تحديد استراتيجية عمل دقيق وممنهج يأخذ بعين الاعتبار بالخصوص تنظيم عملية الجرد والفهرسة وإخضاعها لوتيرة متسلسلة تراعى فيها طبيعة واختلاف مواضيع البحث، و تحديد كيفيات وتقنيات جمع التراث الشفوي منه والمكتوب والمادي، والقيام بحملات تحسيسية وتوعوية لجمع التراث وخلق جوائز تحفيزية لاقتناء القطع والمخطوطات والأشكال التراثية النادرة.