يهدد خطر الامتداد العمراني المواقع الأثرية الماقبل تاريخية في مدينة الدارالبيضاء سنة بعد أخرى، باعتبارها توجد في أراض في ملكية للخواص. الأستاذ محب خلال كشفه ل'المغربية' عن آثار بقايا أثرية ب'طوما 1' وتحدث عبد الرحيم محب، أستاذ باحث ومحافظ آثار بوزارة الثقافة (القنيطرة)، ومدير البعثة الأثرية المغربية الفرنسية، المشرفة على الأبحاث الأثرية في الدارالبيضاء، في تصريح ل"المغربية"، عن غياب ضمانات تحافظ على وجود مواقع تنتمي إلى العصر الحجري القديم الأدنى والأوسط (بين مليون و200 ألف سنة)، كمرجع قل نظيره بمنطقة شمال إفريقيا في ما يتعلق بدراسة استقرار الإنسان. وأضاف محب، أنه بمعية جون بول رينال، عن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، التابع لوزارة الثقافة الفرنسية وجامعة بوردو، ووزارة الخارجية الفرنسية، وأعضاء آخرين من فريق البحث الأثري، يسارعون إلى إنقاذ تلك البقايا و"المعثورات" الأثرية، قصد الدراسة والتحليل والاحتفاظ بها كشواهد على حقبة مهمة من تاريخ المغرب القديم. إلا أن محب لا يضمن إمكانية بقاء هذه المواقع الأثرية في غياب إجراءات تمنع الزحف العمراني الذي يقلص مساحاتها ويقبر خصائصها الأركيولوجية". وفي سياق الفترة الخريفية (من 1 إلى 30 نونبر)، التي يشرع فيها فريق البحث الأثري بإشراف محب والبعثة الفرنسية، في استكمال التحريات والحفريات والدراسة والتأريخ لبعض المواقع واللقى الأثرية، عاينت "المغربية"، بتوضيح من الباحث، خصائص موقع "طوما1"، ومغارة "الكركدن" بمقلع "اولاد حميدة 1"، ومغارة "الغزال" بدار بوعزة، حيث ركز فريق البحث الأثري على الحفريات في المستوى الأثري المعروف بالبقايا البشرية ب"طوما 1"، ثم دراسة تطور وتكون الترسبات في مغارة "الكركدن" ومغارة "الغزال". واستطاع الفريق، خلال هذه الفترة الخريفية، عند إجراء الحفريات بموقع "طوما 1"، العثور على فك سفلي لحيوان الضبع، وأنياب لحيوانات كلبية وبقايا أدوات حجرية ترجع للحضارة الأشولية، وشظايا من حجر المرويت، إلى جانب فضلات الضبع والدربان، وهي مهمة لمعرفة بيئة تلك الحقبة، وكذا نوع النباتات التي كانت منتشرة آنذاك. وأفاد محب "المغربية" خلال تفسيره لعمل الباحثين الأثريين، أن هناك برنامجا للدراسة الأركيولوجية للبقايا الحيوانية المكتشفة، يرمي إلى استنباط وتحليل جميع أنواع الآثار المحفوظة على سطح البقايا العظمية والناتجة عن افتراس الحيوان أو استعمال الإنسان، أو هما معا. وذكر أن الباحثين يركزون على الدراسة التقنية للأدوات الحجرية التي اكتشفت في مختلف المستويات الأركيولوجية، والتي تنتمي إلى العصر الحجري القديم الأدنى، إضافة إلى إعداد وتحليل الترسبات بالماء والحمض، من أجل فرز واستخراج بقايا الوحيش الدقيق، وإعداد عينات من هذه الترسبات المستخلصة للدراسة المجهرية بالمختبر، ودراسة البقايا العظمية الحيوانية المكتشفة بتحديد أنواعها، وتطورها وبيئتها. كما تحدث محب عن برنامج البحث العلمي، الذي يشمل الدراسة الجيولوجية والجيومورفولوجية والمراجعة المستمرة للإطار الكرونوستراتيغرافي لسلسلة العصر الجيولوجي الرباعي بالدارالبيضاء، إذ تجري دراسات ورفوعات استراتيغرافية وجيولوجية جديدة، مع مواصلة تدقيق ووصف بعض الترسبات والمستويات الجيولوجية المعروفة قديما، ثم التأريخ المطلق عبر وسائل وتقنيات علمية حديثة لمختلف المستويات الأركيولوجية والجيولوجية. ودعا محب إلى إيجاد الصيغة المناسبة لتصبح المقالع، التي تضم أقدم البقايا الأثرية والباليونتوجية بالمغرب ملكا للدولة، للحفاظ عليها من الاندثار، باعتبار أن الباحثين يتسابقون مع الزمن لإتمام أبحاثهم وتحرياتهم وحفرياتهم، قبل أن تختفي المواقع الأثرية بفعل الهدم والردم.