هي واحدة من آلاف اللاجئات السوريات اللواتي طوحت بهن الحرب الطاحنة٬ التي تدور رحاها ببلدهم الأم سورية٬ بعيدا عن الديار والأهل والأحباب٬ لتتجرع مرارة اللجوء في الأردن إنها (أم أيمن) التي تحرص على الحضور كل يوم جمعة إلى المستشفى الميداني المغربي في مخيم (الزعتري)٬ لتتطوع ك"مساعدة اجتماعية"٬ تواسي جرحى الحرب٬ وهي تنصت لهمومهم وتنقل مآسيهم وتلبي طلباتهم الصغيرة٬ علها تخفف من بعض آلامهم. وقد يتبادر إلى ذهن الزائر٬ للوهلة الأولى٬ أن (أم أيمن) واحدة من أعضاء الطاقم الطبي٬ وهي تتحرك في كل الاتجاهات وتتنقل برشاقة بين أقسام المستشفى ومن سرير إلى آخر٬ وإذا بادلها أطراف الحديث وجدها على دراية تامة بأدق تفاصيل كل حالة على حدة٬ وما يعتمل بداخلها من آلام وآمال٬ لكنه سرعان ما يكتشف أنها مجرد متطوعة٬ أجبرتها ظروف اللجوء على القيام بهذا الدور٬ الذي ينتهي مع غروب شمس كل يوم جمعة٬ لتعود إلى إحدى الخيام المتناثرة في أطراف المخيم المترامية٬ لتتفرغ هذه المرة لأسرتها الصغيرة. وبقدر إصرارها على تأجيل الحديث عن همومها الشخصية٬ بقدر ما تحرص (أم أيمن) على تقريب الزائر من الكوابيس التي عاشها معظم الجرحى ومعطوبي الحرب من اللاجئين السوريين٬ الذين يرقدون بأسرة المستشفى المغربي٬ وما لحق بهم من أذى٬ إما جراء إطلاق النار عليهم أثناء عبورهم السياج الحدودي باتجاه الأردن٬ أو القصف بالقذائف الذي ما زال يمطر سماء المدن السورية (دمشق٬ درعا٬ حمص وحلب ....)٬ قبل أن يجدوا أنفسهم بين أياد أمينة في المستشفى المغربي٬ حيث يجرى التكفل بهم٬ وتقدم لهم العلاجات الضرورية. وما أن تقف (أم أيمن)٬ التي أصبحت وجها مألوفا لدى المرضى والجرحى السوريين بالمستشفى٬ قرب أحدهم حتى تنساب الكلمات من حناجرهم لتروي قصص فرارهم من أعمال القصف والتقتيل٬ وما تعرضوا له هم وأهلهم من تنكيل٬ ثم تنوب عن شاب يتيم أفقدته رصاصة استقرت في رأسه القدرة عن الكلام٬ وأصيب معها بشلل شبه تام٬ في نقل مأساته٬ قبل أن تطمئنه بأنه لا خوف على حياته الآن٬ فهو في المستشفى المغربي٬ الذي تصف بأنه "ملاذنا الآمن". وتقول (أم أيمن)٬ التي فرت رفقة أبنائها من مدينة درعا المتاخمة للحدود الأردنية٬ لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ إن "إخواننا المغاربة في المستشفى يخففون عنا كثيرا من معاناتنا"٬ واصفة أداء الطاقم الطبي والتمريضي ب"الرائع٬ فهم يعاملوننا كإخوان لهم٬ ويستقبلوننا بصدر رحب٬ ويتحملون أعباء معالجة الجرحى والمرضى السوريين في المخيم٬ بكل تفان وإخلاص٬ واحترام كبير لخصوصياتنا". وتضيف (أم أيمن)٬ وهي تطمئن على أحوال الجرحى والمرضى٬ وتنقل لهم ما يجري داخل المخيم٬ أو ما وصلها من آخر أخبار أهاليهم الذين لم يسعفهم الحظ للفرار من دوامة العنف في سورية٬ أن أبواب المستشفى المغربي تظل مفتوحة على مدار اليوم٬ ليستقبل لاجئا فاجأه الألم أو جريحا وصل لتوه إلى المخيم٬ ولربما إمرأة على وشك الولادة٬ أو حتى مريضا قدم للمخيم حاملا معه مرضه٬ ل"يظل بذلك وجهتنا الأولى والمفضلة". وتشير إلى أنها ظلت على هذا الحال إلى أن جاءت الزيارة التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للمستشفى المغربي٬ والتي تؤكد أنها لم تثلج فقط صدور الجرحى والمرضى بالمستشفى٬ وإنما عموم اللاجئين السوريين المقيمين بمخيم (الزعتري). ولم تتمالك (أم أيمن)٬ التي حرصت على التواجد في مقدمة اللاجئين واللاجئات بالمخيم، الذين اصطفوا بكثافة أمام المستشفى لاستقبال جلالته٬ نفسها وهي تثمن لجلالته هذه الالتفاتة الإنسانية الكريمة وتعبر عن شكرها لجلالته نيابة عن كل اللاجئين السوريين٬ فهو"القائد العربي الوحيد الذي زارنا هنا٬ وعاد مرضانا وجرحانا٬ وتفقد أحوالهم واحدا واحدا بالمستشفى٬ جازاه الله عنا بكل خير". وتقول "لقد رفعت هذه الزيارة المباركة من معنوياتنا٬ وجعلتنا نشعر بالدفء والحس الإنساني الرفيع لجلالة الملك محمد السادس٬ الذي كان سباقا للاستجابة لحاجياتنا من الدعم الطبي والمساعدات العينية"٬ مبرزة أن الهبتين التي أنعم بهما جلالته على الرضع والأطفال والنساء بالمخيم٬ خاصة مع اقتراب فصل الشتاء٬ إنما تؤكد حرص جلالته على التضامن مع أشقائه العرب في أحلك الظروف ومشاطرته لهم معاناتهم في الأوقات العصيبة. وقبل أن تعود لتتوارى من جديد داخل أقسام المستشفى٬ قاصدة الحالات الأكثر حاجة للمواساة٬ تقول (أم أيمن) "أنا أفكر جديًا في زيارة المغرب بعد انقشاع الغمة" في سوريا. (و م ع)