كشف شكيب بنموسى، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أن نزاعات الشغل الجماعية شهدت، خلال السنوات الأخيرة، ارتفاعا بلغ ذروته سنة 2011، في القطاعين الخاص والعام. وقال بنموسى، في ندوة صحفية أمس الجمعة بالرباط، إن "الحوار الاجتماعي لا يستطيع تحقيق أهدافه، بسبب تداخل الحوار الاجتماعي الثلاثي الأطراف مع المفاوضات في القطاع العمومي"، معلنا أن أسباب تنامي نزاعات الشغل الجماعية، في القطاع الخاص، تتمثل في ضعف تحكم الدولة في القطاع، وعدم احترام بعض أرباب المقاولات للتشريع في مجال الشغل، بسبب ضعف هيئة التفتيش، أو الإفلات من العقاب، أو التفعيل غير المطابق للقانون في بعض الأحيان، كالمناولة والشغل المؤقت، أو عدم ملاءمة بعض المقتضيات القانونية، أو الخلاف والتناقض بين الأنظمة القانونية. وأوضح بنموسى أن الآثار السلبية لتنامي الاحتجاجات الاجتماعية على الاقتصاد الوطني وعلى الشركاء الاقتصاديين هي التي حفزت المجلس للمبادرة ببحث الموضوع، عبر الإحالة الذاتية، بهدف تحديد السبل والوسائل التي من شأنها أن تتيح تحقيق سلم اجتماعي مستدام، وإقامة علاقات شغل سليمة، تساهم في الرفع من جاذبية الاقتصاد الوطني، وتأمين استقرار وتواصل المرفق العمومي وتحسين إنتاجيته، والحفاظ على الشغل، وتشجيع الشغل اللائق، ورفع القدرة التنافسية للمقاولات. وأبرز أن مقترحات المجلس، لتحقيق سلم اجتماعي، استخلصت من داخل جلسات عدة للإنصات، نظمها في وقت سابق مع الأطراف المعنية، ومن تحليل التجارب الأجنبية، كما قارب الموضوع على ضوء المعايير الدولية المنظمة لعلاقات الشغل، والمقتضيات القانونية والتنظيمية الوطنية، مضيفا أن المجلس عبأ مختلف مكوناته لإنتاج تشخيص مشترك واقتراحات من شأنها الارتقاء بآليات الوقاية من نزاعات الشغل الجماعية. وحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فإن أسباب تنامي الاحتجاجات، في القطاع الخاص، تتمثل في المس بالحريات النقابية، وضعف التمثيل النقابي في المقاولة، وبلقنة المشهد النقابي، والانخراط غير الكافي للمقاولات في المفاوضة الجماعية، وقلة عدد الاتفاقات الجماعية المبرمة، واللجوء إلى إبرام اتفاقيات لحل النزاعات دون تطوير آلية للتفاوض، وضعف التنظيم الجماعي على المستوى الترابي، ونقص التأهيل للمفاوضة وحل النزاعات. كما سجل التقرير غياب تأطير المندوبين المنتخبين من طرف الأجراء، وغياب المعلومة والتشاور بشأن تنظيم العمل، ومحدودية الصلاحيات، وسطحية العمل لدى لجان المقاولة والسلامة والصحة، بالإضافة إلى عدم فعالية مساطر التسوية، بسبب امتناع رؤساء لجان المصالحة عن تفعيل آليات المصالحة السلمية، أو عدم مرونة المساطر والآجال، وضعف التأهيل، وغياب الحياد لدى بعض الفاعلين، وغياب بعض الأطراف، أو توكيل أشخاص دون صلاحيات، وعدم فعالية التحكيم. وبخصوص القطاع العام، اعتبر المجلس أنه من أسباب نزاعات الشغل الجماعية، الفراغ القانوني في مجال التمثيل الجماعي، ووجود ممارسات غير منصفة، وفوضى في التمثيلية الجماعية وفي خوض الإضراب، رغم الاستمرار في الحوار الاجتماعي. وقدم التقرير عددا من التوصيات، توصل إليها المجلس، تتمثل في توسيع مجال احترام قانون الشغل، عبر ضمان الحقوق الأساسية في الشغل، والإدماج التدريجي للقطاع غير المهيكل، ومحاربة المنافسة غير المشروعة، وتطوير قدرات الأطراف المعنية، بما فيها أطراف الإنتاج، والعمل على تدعيم التعاون بين القضاء والإدارات المعنية. ودعا المجلس إلى الارتقاء بالاستقلال الجماعي للشركاء الاجتماعيين، إذ يرى أنه "ينبغي أن تصبح المفاوضة الجماعية وسيلة عادية لحل النزاعات الجماعية، ورافعة أساسية للملاءمة بين المطالبات الجماعية وبين مردودية المقاولات، عبر اتفاقات جماعية، تأخذ في حسبانها القدرات التنافسية للاقتصاد، ولا يتأتى ذلك دون دعم الثقة بين الشركاء الاجتماعيين، على أساس المسؤولية واحترام الالتزامات التعاقدية، والعمل على وضع مرجعية مشتركة تقوم على المعايير الدولية والممارسات الحميدة، على أساس إطار تشريعي ملائم يتيح ممارسة العمل النقابي بطريقة مسؤولة، سواء على المستوى الترابي أم القطاعي، وتنظيم العمل الجماعي، بما فيه حق الإضراب". وشهدت الدورة السابعة عشرة للمجلس، المنعقدة أول أمس الخميس بالرباط، تقديم ومناقشة مشروع تقرير المجلس حول سبل الوقاية من نزاعات الشغل الجماعية وحلها بطريقة سلمية، وتميزت بتوقيع اتفاق للتعاون بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي المغربي ونظيره الأوروبي.