أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ مرفوقا بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، أمس، صلاة الجمعة بمسجد العمرية بمدينة الدارالبيضاء. (ماب) وبين الخطيب في مستهل خطبة الجمعة٬ أن الدين الإسلامي الحنيف تعرض٬ منذ ظهوره٬ لكيد أهل العداء والبغضاء تظهر من أفواههم تارة، وتترجمها أفعال أيديهم إن قدروا تارة أخرى٬ وأن من نماذج أفعال البغض والحقد للإسلام٬ التصرف الإجرامي الذي سمع به العالم، والمتجلي في قيام شخص بإحراق نسخة من القرآن الكريم، مدعيا أنه يحتج على قضية تدخل في حرية التدين. وأضاف الخطيب أن على المسلمين أن يعلموا أطفالهم وشبابهم كيف كان سلوك أجدادهم عبر التاريخ، حيث كانت لهم الغلبة المادية والعسكرية، لكنهم ظلوا يعملون وفق قيم الإسلام في التساكن والتسامح وصيانة الحقوق٬ ووضعوا نصب أعينهم تكريم الله للإنسان من حيث هو إنسان٬ مؤكدا أنه لم يثبت على المسلمين أنهم أحرقوا كتابا من كتب الديانات السماوية الأخرى٬ لسبب بسيط ألا وهو أن هذه الكتب معتبرة بمثابة الكتب الممهدة لظهور الإسلام على أساس رسالة القرآن. وأوضح أنه لو توافق أهل الأديان على هذا المنطق الإسلامي، واعتبروا الأديان حلقات من خطاب واحد٬ من إله واحد٬ لهداية واحدة٬ وقصد واحد٬ هو هداية الإنسان٬ لما وقع التنافر بين أهل الأديان٬ علما أن دين الله واحد وإن تعدد الأنبياء والرسل والشرائع٬ مبرزا أن الفاسقين المفسدين من أهل الأديان الأخرى هم٬ ولله الحمد٬ قلة قليلة٬ وأن أهل الحكمة الروحانية منهم بقية من الأخيار يعملون على السلم والوئام في هذا العالم. وأكد الخطيب أنه لا يجوز٬ في جميع الأحوال٬ للفاسدين المجرمين أن يجروا المسلمين إلى سبيل الهلاك الذي هو التطرف، الذي هو بدوره ليس إلا تنافسا ومزايدة في الإثم والعدوان٬ لاسيما في هذا العصر الذي يتوفر فيه الإنسان على أسلحة الدمار الشامل٬ مذكرا بأن المجلس العلمي الأعلى الذي يترأسه أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ أصدر بلاغا يستنكر فيه هذا الفعل الأخرق المتمثل في إحراق نسخ من القرآن٬ وينبه إلى خطر مثل هذه التصرفات على جهود السلم والوئام. كما وجه البلاغ٬ يضيف الخطيب٬ نداء إلى حكماء الدين والسياسة وأهل القرار لكي ينتبهوا إلى هذا النوع من الإفساد الحاقد حتى لا يتلاعب المفسدون من كل الأديان بالدين ويقلبوه إلى ضده ويجعلوه سببا في يد الشيطان٬ حيث قال تعالى "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم"٬ موضحا أنه يتبين من اقتراف مثل هذه الجرائم أن الشيطان يسخر حزبه في التحضير لما يتمناه من إفساد في الأرض وخراب العالم٬ وبالتالي وجب الحذر. واستغرب الخطيب أن يقدم من ينتمي إلى دين سماوي على النيل من القرآن، مؤكدا أن النيل من كتاب الله بإحراق نسخ منه هو في الحقيقة نيل مما ورد فيه من بيان إبراهيم، وحكمة موسى، وروحانية عيسى، وخبر السيدة مريم عليهم السلام، كما أنها جريمة صادرة عن الجهل والجهالة . وقال الخطيب إن الغيرة على القرآن الكريم تقتضي مثل هذا الشجب وهذا الاستنكار لحرق نسخ منه٬ وأن هذه الغيرة هي واجب يومي يتجلى في التمسك بهذا القرآن٬ إيمانا واتباعا٬ ففيه الهداية والحصانة من كل أنواع الزيغ في الفهم والسلوك٬ وهو ما تحتاج إليه الإنسانية في هذا العالم٬ مؤكدا أن الله تعالى قيض لهذا البلد المسلم ملكا مؤمنا يعض بالنواجذ على كتاب الله وسنة نبيه٬ ملكا ما فتئ يدعو إلى التفاهم والتعارف والتعاون بين الأديان والثقافات ويناشد الحكماء وذوي الضمائر الحية في مختلف مواقعهم من أجل تضافر الجهود لمحاربة التطرف الديني بجميع أشكاله وأن يعملوا ما في وسعهم لإبطال مفعول مثل هذه التصرفات، وأن يقوموا بمبادرات حضارية للتعبير عن تضامن أهل الإيمان وإحباطهم لمؤامرات المجرمين. وأكد أنه ثبت٬ على مر التاريخ٬ أن الكيد للإسلام والإساءة إلى نبيه وكتابه وتعاليمه وشريعته٬ لم يزده إلا توسعا وانتشارا ورسوخا في قلوب المؤمنين به٬ وهو أكبر وأعظم وأسمى من أن تنال منه تصرفات أناس تملأ قلوبهم العداوة والبغضاء، جاهلين أن هذا الكتاب الذي يحرقون ورقاته، إنما هو في لوح محفوظ مصون من رب العالمين. وابتهل الخطيب في الختام إلى الله تعالى بأن ينصر أمير المؤمنين وحامي حمى الوطن والدين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصرا يعز به الدين ويعلي به راية الإسلام والمسلمين٬ وبأن يقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن٬ ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد٬ وكافة أفراد الأسرة الملكية الشريفة. كما تضرع إلى العلي القدير بأن يتغمد برحمته الواسعة فقيد العروبة والإسلام جلالة المغفور له محمد الخامس، ووارث سره مجدد النهضة وموحد البلاد جلالة المغفور له الحسن الثاني٬ ويطيب ثراهما ويكرم مثواهما.